تدخّل “المركزي السوري” في الأسواق اللبنانية.. غير جدي؟/ مروان أبو خالد
تشهد الليرة السورية خلال الفترة الراهنة تدهوراً كبيراً في قيمتها، كنتيجة طبيعية لاستمرار الحرب التي دمرت الاقتصاد وأدت الى تراجع الناتج المحلي بنسبة 45%، مخلّفة قرابة 3 مليون عاطل عن العمل. يضاف الى ذلك، توقعات “الإسكوا” بإرتفاع قيمة الخسائر الاقتصادية خلال العام 2015 إلى 237 مليار دولار. وضمن هذه المعطيات، من المستبعد أن تشهد الليرة السورية تحسناً ملحوظاً، لا سيما أن هناك عوامل أخرى قد تسهم في انخفاضها. ويعتبر تمام البارودي، نائب رئيس مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي السوري، أنه “نتيجة تأزم الاقتصادين الروسي والإيراني خلال الفترة الحالية، فإن موجات الدعم من جانب هذين البلدين للحكومة السورية لن تستمر طويلاً، لذا من المتوقع أن تنخفض قيمة الليرة السورية أكثر”.
تدخلات “المصرف المركزي”، الذي يعتبره البارودي “المتلاعب الأساسي في أسعار الصرف”، لم تحسّن الأوضاع. فبرغم إعلان “المركزي” أنه سيضخ 500 مليون دولار حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، إلا أن هذا الإعلان لم يدفع باتجاه تحسن قيمة الليرة، إذ ما زالت أسعار الصرف تحوم فوق 230 ليرة للدولار، في دلالة واضحة على فشل سياسة التدخل عبر ضخ الدولار في السوق. تلك السياسة التي يتجه “المركزي” إلى توسيع نطاقها لتشمل أسواق بيروت، حسب تصريح حاكم “المصرف المركزي” أديب ميالة، مطلع الشهر الجاري، والذي أعلن عن الاتجاه إلى “سحب الكتلة النقدية بالليرات السورية المتداولة في أسواق بيروت والتي هدفها المضاربة على سعر صرف الليرة السورية”، من دون الإشارة إلى آليات ذلك، ومن دون الإعلان عن كمية القطع الأجنبي التي سيتم تخصيصها لهذا الأمر.
ويرجع “المركزي” تدهور أسعار الصرف إلى وجود جهات خارجية تطرح كميات كبيرة من الليرة السورية في السوق بهدف خفض قيمتها. ولكن وجود الليرة السورية في أسواق بيروت، وتعامل مكاتب الصرافة بها أمران يعودان إلى زمن بعيد، خصوصاً في ظل وجود نحو 700 ألف عامل سوري حالياً في لبنان، وهؤلاء يتلقون أجورهم بالدولار غالباً، ويقومون بتصريفها وشراء الليرة السورية من بيروت قبل إرسالها لإعالة أسرهم في الداخل السوري، وبالتالي فمن الطبيعي لمكاتب الصرافة في لبنان أن تتعامل بتصريف الليرة السورية وفقاً لشروط موضوعية، تتعلق أساساً بوجود أعداد هائلة من السوريين المقيمين والعاملين في لبنان، وليس في الأمر “مؤامرة”، كما تدعي اوساط الحكومة.
ولو كان “المركزي” جاداً بسحب المعروض النقدي من الليرة السورية في أسواق بيروت، لاستخدم أدوات أخرى يملكها كرفع سعر الفائدة مثلاً، أو عبر سحب العملة القديمة من التداول والتوقف عن سياسة التمويل بالعجز عبر طرح كميات من عملة جديدة، كما حصل الصيف الماضي عند طرح فئة الـ500 ليرة من دون سحب العملة القديمة.
ويرجح أن يكون الهدف الحقيقي من وراء كلام “المركزي” متعلقاً بإجبار العمالة السورية في لبنان على تصريف الدولار في الداخل السوري، لزيادة المعروض النقدي من القطع الأجنبي. فسحب المركزي لليرات السورية من لبنان سيمنع العمّال السوريين فيه من تحويل أجورهم إلى ليرات سورية عبر المكاتب اللبنانية، ما يضطرهم إلى إرسالها كحوالات مالية بالدولار لشركات الصرافة العاملة في الداخل تحت إشراف “المركزي”. وهذا الأمر لو تم فإنه سيؤثر سلباً على أداء الاقتصاد اللبناني، لأنه سيعني نزوح كميات كبيرة من القطع الأجنبي إلى خارج السوق اللبنانية.
لكن ماذا عن ردة فعل الجانب اللبناني على إعلان المركزي السوري عن نيته التدخل بأسواق بيروت؟ وهل سيدفع أرباب العمل اللبنانيون لاحقاً أجور العمال السوريين لديهم بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار، وذلك منعاً لنزوح القطع الأجنبي الذي يملكه لبنان إلى الخارج؟ هذا متروك للآتي من الأيام.
المدن