ترامب يكرر سياسة أوباما في سورية/ رضوان زيادة
اختتمت الجولة السابعة من محادثات جنيف في سورية من دون أي اختراق. لم يكن من المستغرب إطلاقاً أن يحدث هذا، فالجميع عبروا عن ذلك، بمن فيهم المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا نفسه في ملاحظاته الافتتاحية، لكنه ما يزال يريد الاستمرار في هذا النوع من أسلوب المفاوضات بالوكالة لانعدام أي بديل آخر، في الوقت ذاته لا تبدو محادثات آستانة بأحسن حالاً أيضاً. أما الشيء الوحيد الذي يعمل في سورية الآن، فهو الاتفاق الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا.
اتفاق هامبورغ، كما أطلق عليه البعض، أو اتفاق وقف النار في جنوب سورية لا يزال محترماً بحده الأدنى، ويبدو أن الروس يضغطون على النظام السوري لاحترامه بهدف الحصول على الثقة الجديدة من الرئيس ترامب.
ومنذ أن وصل ترامب إلى السلطة في كانون الثاني (يناير) عام 2017 لم يلق أي خطاب رئيسي عن المأساة السورية، بل على العكس من ذلك، حملت كل جمله وعباراته الخوف من التورط في الأزمة السورية بسبب تعقيدها وبسبب التدخل الروسي هناك. لذلك أكد أكثر من مرة أن الأولوية هناك هي لمحاربة التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» والقاعدة وغيرهما، وهذا هو السبب في عدم استغراب أن يقترح عدة مرات خلال الحملة، التنسيق مع روسيا من أجل «إنهاء» الأشرار هناك.
عندما أصبح ترامب رئيساً ظلت القضايا ذاتها في سورية كما كانت في عام 2016 مع الفارق الوحيد أنه جرى فتح تحقيق جنائي رسمي في ما يسمى «التواطؤ» بين روسيا وحملة ترامب ودور روسيا في التدخل بانتخابات الرئاسة الأميركية للعام 2016، وفي وقت لاحق، عينت وزارة العدل مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق روبرت مولر ليكون المستشار الخاص لقيادة التحقيق في هذه المسألة.
وبالتالي، فإن أي خطوة للرئيس ترامب باتجاه روسيا ستكون عكسية هنا في السياسة الأميركية الداخلية، وربما تؤخذ ضده بشكل دائم، وهذا هو السبب الوحيد لمعرفة لماذا كان ترامب حريصاً جداً على الإعلان عن اتفاق جنوب سورية ولو لم تكن المرة الأولى التي يتوصل فيها الطرفان إلى اتفاق حول سورية وليست المرة الأولى التي يعلن فيها الجانبان وقف النار من دون أن يصمد فترة طويلة.
الرئيس ترامب يريد أن يظهر للجمهور الأميركي أولاً أنه يستطيع التعامل مع روسيا من أجل الخير، وهذا الاتفاق «الذي ينقذ الأرواح في سورية» كما كتب على حسابه على موقع «تويتر» هو مثال جيد على ذلك.
لقد أدى استخدام حكومة الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون في شباط (فبراير) إلى ظهور ترامب آخر مختلف عما كان عليه في الحملة الانتخابية، صحيح أن السبب اضطراره لفعل ذلك وليميز نفسه عن «الخط الأحمر» الشهير للرئيس السابق باراك أوباما الذي لم ينفذ وعوده أبداً، على الرغم من أن النظام السوري قد تجاوز هذا الخط الأحمر في أغسطس 2013، لكن أوباما قرر عقد اتفاق مع روسيا لارغام الحكومة السورية على التخلي عن جميع ترسانتها الكيميائية مقابل عدم ضرب المواقع التي يعتقد أنها أدت إلى المأساة التي نعيشها في سورية اليوم.
لو اتخذت إدارة أوباما الإجراءات اللازمة في تلك الفترة لما كانت لدينا سورية المجزأة كما هي اليوم، ولأمكن حينها إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح في سورية التي قتلتها الحكومة باستخدام البراميل المتفجرة بعد توقيع هذه الصفقة التي لم تنفذ بالكامل حيث بدأت الحكومة السورية باستخدام غاز الكلور بدلاً من ذلك على نطاق ضيق ثم استخدمت غاز السارين مرة أخرى في نيسان (أبريل) 2017 الذي أثبت أنه لا يزال لدى الحكومة السورية العديد من انواع هذه الأسلحة المحظورة وانها على استعداد لاستخدامه مراراً وتكراراً ضد شعبها.
وهذه ثمرة واحدة من الاتفاقات العديدة التي عقدتها روسيا والولايات المتحدة في سورية ولم تنفذ أبداً على الرغم من قرارات مجلس الأمن العديدة التي جرى اعتمادها لدعم هذا الاتفاق، وقد وضعت العديد من آليات الأمم المتحدة لرصدها وتنفيذها.
فإذا انتقلنا إلى اتفاق وقف إطلاق النار، فقد جاء هذا الاتفاق بعد اتفاقين على الأقل بين الأميركيين والروس بهدف فرض وقف لإطلاق النار في سورية أو في أجزاء منها، والسماح بالمساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال أو المناطق المحاصرة، وعلى الأخص اتفاق 27 شباط 2016 (على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ). والآخر في 9 أيلول (سبتمبر) 2016 (في جنيف)، الذي توصل اليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.
في ذلك الوقت، توصل الوزير كيري إلى اتفاق مع روسيا حول «وقف الأعمال العدائية» في سوريا، وكانت الفكرة هي الحصول على المساعدات الإنسانية في المناطق المحاصرة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2268، وفي الوقت ذاته لوقف استخدام البراميل المتفجرة ضد المدنيين في سورية من قوات الاسد الحكومية، بالطبع، لم يستمر الاتفاق طويلاً، حيث إن روسيا والحكومة السورية واصلتا معركتهما ضد المعارضة المسلحة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون ولا وجود لداعش أو القاعدة فيها، مثل حلب الشرقية، في نهاية المطاف نجحت روسيا وقوات الرئيس بشار الأسد في إجلاء جميع المقاتلين والمدنيين الذين يعيشون شرق حلب إلى شمال سورية بعد حملة عسكرية استهدفت جميع المستشفيات وتم استخدام غاز الكلور بكثافة من أجل إجبار المدنيين على مغادرة منازلهم وأحيائهم.
لقد أوضح وزير الخارجية الروسي أن الفارق بين مفهومي «وقف الأعمال العدائية» و«وقف إطلاق النار»، الأول هو «وقف موقت للقتال الذي عادة ما يكون غير ملزم ويحدث عادة في بداية عملية السلام». في حين يشير الثاني إلى «وقف العنف المرتبط بإطار عملية سلام يجري التفاوض بشأنها».
وهذا هو السبب في عدم استغرابنا عدم تنفيذ الاتفاق الجديد تنفيذاً تاماً لأنه لا توجد أولاً آليات للإنفاذ وثانياً لا توجد عقوبات على منتهكي هذا الاتفاق السابق.
الاتفاق الجديد وفقاً للوزير لافروف، ينص على وقف إطلاق النار على طول الخطوط المتفق عليها بين النظام السوري من جهة وقوات المعارضة المسلحة من جهة أخرى، والهدف من هذا الاتفاق هو التوصل إلى خفض دائم للتصعيد في جنوب سوريا، ووضع حد للأعمال القتالية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة. وينص الاتفاق أيضاً على إنشاء مركز للرصد في العاصمة الأردنية عمان، ورصد الهدنة من خلال المركبات الجوية غير المأهولة. ومن اجل الحفاظ على الامن تقوم روسيا بنشر عناصر من الشرطة العسكرية في المنطقة.
يبدو أن ترامب يكرر الاتفاقات ذاتها مع روسيا التي وقعها سلفه أوباما، لهذا السبب ليس من الغريب أن يطلب من الرئيس الفرنسي وضع خطة للنزاع في سورية بعد تعليقاته المثيرة للجدل حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد وعدم كونه عدواً للشعب الفرنسي، وهذا هو الاستنتاج ذاته الذي وصل إليه ترامب، أن الوقت الآن ليس للتخلص من الأسد وإنما مكافأته على قتله أكبر عدد ممكن من السوريين.
* كاتب سوري وباحث في المركز العربي في واشنطن
الحياة