إيلي عبدوصفحات الناس

تسريبات النظام: تأديب بمفعول رجعي/ إيلي عبدو

 

 

النظام في سوريا ليس سلطة إستبدادية منضبطة، كي يجري تتبع عنفه داخل المعتقلات والسجون فقط، بغية لفهم طبيعته وعناصر تركيبه. فالتعذيب لدى هذا النظام ليس مرده الإخضاع السياسي على غرار ديكتاتوريات العالم. ثمة ما يتجاوز هذه الأداتية ليتحول إلى خلطة من الشراسة الأهلية والسادية والطائفية التي تضمر عداوات تاريخية تفوق الخصام السياسي لؤماً وانتقاماً، وتجعل من هذا الخصام غطاءً لقسوتها المنفلتة. ويسهل ملاحظ ذلك عند الدخول إلى صفحة “الفيديوهات المسربة من النظام السوري” في “فايسبوك”.

ما نشاهده من عنف سرّبه النظام نفسه عبر جنوده الساديين، ينفي عنه شرط السلطة التي تقمع شعبها. أشلاء الضحايا التي يتكرر وجودها في أكثر من شريط والجثث المرصوفة أمام بنادق الجلاديين، والسكاكين التي تنال من الأجساد الميتة تنكيلاً وتمثيلاً. فظاعات لا ترمي إلى قمع الأصوات المعترضة على شذوذية النظام البعثي، بل تريد ملاحقة الضحية حتى آخر نفس فيه، تعذيبه ثم قتله والتنكيل بجثته، وربما تقطيعها.

هذا العنف لا ينتمي إلى الخصومات السياسية التي تبرز عادة بين السلطة والمعارضة. لقد خرج عن هذه الوظيفة ليتحول إلى نزعات سادية متنقلة. فالعنف الأسدي لا ينحصر في زنزانة أو معتقل، على ما تظهر اشرطة الفيديو المنشورة في الصفحة. نجد الضحايا في غرف المنازل وفي الحقول وبين الأبنية السكنية وعند الحواجز. القسوة بصيغتها المعممة جغرافياً، تبدو ضرورة لإخراج العنف عن إطاره السياسي الوظيفي وجعله سلوكاً معتمداً للتعامل مع المواطن وفق شروط المرحلة. فإذا كان النظام مستقراً، ينحصر العنف في المعارضين السياسيين وفي انتفاضات هنا وهناك.. وحين يهتز النظام نتيجة ثورة شعبية ضده، يجري تعميم العنف وتسليم أدواته للموالين ليتكسب بُعداً أهلياً، ويغدو تراكماً من المجازر والأفعال الجرمية المقززة، التي تستمد وحشيتها من سرديات تاريخية سريعة الإيقاظ والتوظيف.

ومن البديهي القول أن الوجه الحقيقي للنظام هو ذلك الذي يظهره حين تندلع ثورة ضده، فيُخرج أنيابه من دون أي حرج ليقتص من الصارخين ضده طعماً بحريتهم. وكأن صفحة “الفيديوهات المسربة من النظام السوري” هي الأحشاء البصرية للبعث. والأحشاء هنا تتمظهر في أشرطة فيديو سربت خلال مراحل الثورة، لتكون علامة على سلطة تخلت عن قناعها السياسي وعادت إلى جوهرها كسكين ينغرز في جثة معارض. ما يعني أن وظيفة الصفحة المتمثلة في أرشفة جرائم النظام وتوثيق مراحلها، تتعدى ذلك نحو الكشف عن جوهر هذا النظام وطبيعته البدائية العنفية الخالية من السياسة.

وطبعاً، نظام الأسد لا يخجل من إظهار جوهره العنفي، بل يسعى إلى كشفه أكثر، لتأديب الجموع البشرية الخارجة عن طاعته وسحق كل شروطها الوجودية. هذا ما يبرر صمته عن تسريب جنوده معظم أشرطة التعذيب التي نشرت في الصفحة. هذه الوقاحة في إظهار ما يضمره نظام البعث من عنف وإجرام، مرده الغطاء الإيديولوجي الممانع الذي يدّعي تمثيل أحد مكوناته.

إنها معادلة أقتل أقتل ومثّل بجثث ضحاياك، فأنت ممانع!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى