صفحات العالم

تسليح الجيش الحر.. ملاحظات أساسية

 

أحمد العالم

لم يعد الامر سرا ومنذ اسابيع يحصل الجيش الحر على اسلحة نوعية متطورة وان ليس بكميات كبيرة هذا ما يتضح من التصريح العلني لاحد قادة المعارضة-الغارديان اول اذار مارس – عن حصولها على اسلحة متطورة سمحت لها بتحقيق الانجازات الميدانية الاخيرة كما من حديث وزير الخارجية الامريكى جون كيرى عن سعى واشنطن للحصول على ضمانات كي لا تذهب الاسلحة الى الأيادي الخطا ثم تصريحه الاخير عن ان واشنطن لن تمانع سعي لندن وباريس لتسليح المعارضة وتقرير مجلة دير شبيجل-الالمانية العريقة والحسنة الاطلاع الاثنين 11 مارس اذار الذي اشار الى تدريب ضباط اميركيين- ولو بشكل غير رسمى- لمقاتلين سوريين على استخدام الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات في الاردن كما اشارت صحيفة بريطانية اخرى-ديلى ستار صانداي الاحد 10 اذار- الى ارسال لندن اسلحة بقيمة 20 مليون جنيه استرلينى خزنت فى مناطق مجاورة لسوريا وهي ستسلم في وقت قريب جدا علما انها تكفي لتسليح الف مقاتل تقريبا بينما تلحظ خطة التدريب حسب دير شبيغل تأهيل 10000 مقاتل على اساليب وتكتيكات القتال اضافة الى تعلم كيفية استخدام المنظومات المضادة للمدرعات والطائرات والتي لن تكون بالضرورة روسية او من صنع اوروبا الشرقية .

لا يمكن تجاهل اهمية التفاصيل والمعطيات السابقة غير انها تكتسب اهمية مضاعفة عند وضعها في سياقها السياسي والاستراتيجي والتمعن في الاسباب والحيثيات التي اجبرت قوى اقليمية ودولية على التخلي عن حالة اللامبالاة واتخاذ قرار واضح بتسليح الجيش الحر باعتباره الذراع العسكري للائتلاف الوطني المعارض الذي تعترف به اكثر من مئة دولة .

ـ اول الاسباب يتعلق بدخول الثورة السورية عامها الثالث والتداعيات الهائلة التي تركتها على سوريا ودول الجوار خاصة فيما يتعلق باللاجئين الذي وصل عددهم الى المليون وقد يتضاعف مرتين او حتى ثلاثة بنهاية العام الجاري حسب تصريح منسق الشؤون الانسانية للامم المتحدة والاثار الامنية الاقتصادية والاجتماعية على تلك الدول وعجز بعضها عن تحمل او استقبال اعداد اضافية من اللاجئين ووجود اخطار جدية على الامن والاستقرار وحتى البنى التحتية فيها ما ضاعف الضغوط من والمساعي الهادفة للتوصل الى حل ينهي المأساة التي يعيشها اللاجئون والشعب السوري منذ اعوام وربما من عقود ايضا علما ان القناعة باتت متجذرة بان مساعدة اللاجئين ليس سوى مسكن والحل الجذري يكمن في سوريا نفسها عبر هزيمة النظام واجباره على التخلي عن السلطة سياسيا او حتى عسكرياً.

ـ السبب الثاني لاتخاذ القرار الحاسم اقليميا ودوليا بتسليح الثوار يتعلق بغياب اي افاق للحل السياسي مع اصرار النظام على الامعان في الحل العسكري واستخدام مزيد ومزيد من ترسانته التقليدية الهائلة بما في ذلك الصواريخ الباليستية واستمرار حلفائه في تقديم الدعم السياسى والعسكري الهائل وغير المحدود له وهنا لا ياتى تسليح الجيش الحر في سياق قتل او اجهاض الحل السياسي-المتعثر اصلا- وانما بغرض تسريعه او فرضه فرضا بقوة الامر الواقع عبر تغيير موازن القوى على الارض واجبار الرئيس الاسد على تغيير حساباته-كما قال السفير روبرت فورد امام الكونغرس منذ ايام- واجبار حلفائه خاصة روسيا على تبني روح اعلان جنيف او على الاقل تفسير المبعوث الاممي والعربي الاخضر الابراهيمى له لجهة تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تتمتع بكافة سلطات الدولة بما في ذلك الامنية والعسكرية ما يعنى استبعاد فعلي للرئيس بشار الاسد اقله عن المرحلة الانتقالية واداراتها علما ان طرح الابراهيمي لفكرة النظام البرلماني فى سوريا الجديدة يكفل التخلص من معضلة الاسد وهو ما وافقت عليه واشنطن ودول غربية اخرى للتخلص من العبء السياسي والاحراج الاخلاقي تجاه ما يجري فى سوريا لولا عودة موسكو الى التلاعب وتمسكها بالاسد ونظامه على الرغم من التناقض او التخبط حتى في التصريحات الروسية من آن إلى آخر .

ـ ثالث الاسباب يتعلق بانهيار سوريا كدولة على كل المستويات السياسية الامنية الاقتصادية الاجتماعية في ترجمة عملية لمقولة الاسد او نحرق سوريا والتي قام أحد حلفائه في لبنان بتحديثها لتصحح للأسد او نحرق المنطقة ولا ضمان طبعا ان يبقى هذا الانهيار ضمن الحدود السورية ولا يفيض على دول الجوار علما ان تحول سوريا الى دولة فاشلة او انهيارها وتفككها بعد سقوط النظام يؤثر سلبا على الامن ولاستقرار السلم الاقليمي بما في ذلك المصالح الاميركية الغربية وحتى الروسية في المنطقة .

ـ السبب الرابع يتعلق بجبهة النصرة وتزايد تاثيرها كما الحركات الجهادية الاخرى على التطورات ومجريات الاحداث في سوريا ورغم انها لا تشكل جزءا مهما ومركزيا من جسم الثورة حيث لا يتجاوز عدد الجهاديين عشرة بالمئة من الثوار- في الحد الاقصى- إلا ان مواصلة النظام لنهجه الامني الاجرامي وعجز المجتمع الدولي عن وقفه سيؤدي حتما الى تزايد شعبية وجاذبية الحركات الجهادية والتفاف فئات اوسع من الشباب السوري حولها وربما حتى سيطرتها على الدولة-الفاشلة- او تحولها الى القوة الابرز بعد سقوط النظام وهو ما لا يريده لا الغرب ولا الدول الاقليمية المحيطة بسوريا ومن هنا يمكن الاستنتاج ان تسليح الجيش الحر يهدف الى تحجيم قوتها ونفوذها ومنعها من التحكم بمجريات الامور الان وفي المستقبل ايضا.

تسليح الجيش الحر يأتي كذلك ضمن حزمة واسعة لدعم المعارضة سياسيا وعسكريا والتعاطي مع الجيش الحر باعتباره الذراع العسكرية للائتلاف الوطني بصفته الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ومن هنا يمكن ايضا فهم قرار الجامعة العربية اعطاء مقعد سوريا في للائتلاف وحضوره القمة العربية تمهيدا لنيل حزمة اوسع من الاعتراف من قبل منظمات اقليمية ودولية بما في ذلك الامم المتحدة وهذا لا يرتبط ايضا باستبعاد الحل السياسى وانما على العكس تقوية المعارضة وزيادة ثقتها بنفسها للانخراط في حل سياسي وفق اعلان جنيف نصا وروحا وفي حالة تعذر ذلك تمكين المعارضة الشرعية والمعتدلة من الحسم العسكري والسيطرة على السلطة بعد سقوط النظام بدلا من ان يصل اليها المتطرفون والتكفيريون.

طبعا قبل ذلك وبعده لا يمكن تجاهل النجاحات التي حققتها المعارضة ميدانيا خاصة في الشمال الشرق والجنوب وصمودها فى دمشق وحمص رغم الاختلال الهائل في موازين القوى لصالح النظام ورغم تخلي الاصدقاء عنها وامعان حلفاء النظام في تسليحه ودعمه سياسيا عسكريا واقتصاديا واثبات الجيش الحر انه يمكن الاعتماد والمراهنة عليه ليس فقط لاسقاط النظام وانما لمنع تقسيم سوريا او انهيارها وتحولها الى دولة فاشلة والاداء المقبول للقيادة السياسية ممثلة في الائتلاف الوطني واصراره على تحقيق اهداف الثورة حتى عبر الحل السياسي ونجاحه في ابقائها ضمن الاطار الوطني والحيلولة دون انحرافها الى السياقات الطائفية المذهبية او الاثنية الضيقة كما اراد لها النظام منذ اليوم الاول لاندلاعها.

اخذ المعطيات السابقة بالاعتبار لا يلغي حقيقة سقوط النظام نظريا وعملياً منذ االيوم الاول للثورة عندما نزل الشعب السوري الى الميدان والميادين كاسرا حاجز الخوف ومحطما جدار الرعب الذي اقامه النظام طوال اربعة عقود وبنظرة اوسع واشمل يمكن القول ايضا ان النظام سقط يوم 25 يناير عندما تم اسقاط النظام المصري الاحادي الاستبدادي الذي تم استنساخة في جمهوريات العالم العربي عبر ناصريين صغار ثم قذافيين صغار بعد ذلك فيما عرف بمشاريع التوريث السياسي ومن هنا يمكن التاكيد ان تزويد الجيش الحر باسلحة نوعية سيؤدي الى تقصير أمد المأساة واسقاط النظام ضمن مدى زمني اقصر علما ان ذلك حتمي فى كل الاحوال وهو بات مسألة وقت فقط منذ 15 اذار او 25 يناير وربما يوم احرق البوعزيزى جسده الطاهر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى