تقدير موقف: مخيم اليرموك.. إلى أين؟
يرى “تقدير موقف” أصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن تحولات المشهد في مخيم اليرموك جنوب دمشق من مشهد سعت فيه القوى الفلسطينية طوال عامين لتحييده قدر الإمكان عن الصراع إلى إحدى بؤر المواجهة بين المعارضة والنظام، سيزيد على الأرجح من معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وقد يعيد خلط الأوراق في المواجهة الدائرة بين المعارضة والنظام في منطقة دمشق.
وتخلص ورقة المركز -ومقره بيروت- إلى أن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على قرابة 80% من مساحة المخيم، وبقاء المجموعات الفلسطينية محاصرة من قبل التنظيم جنوبا ومن قبل النظام شمالاً، سيجعل خيارات الانسحاب في ضوء الوضع الميداني قد تبدو مستبعدة، لتبقى هذه المجموعات أمام تحدي التسوية أو المواجهة الانتحارية مع طرفي الكماشة (تنظيم الدولة أو النظام).
وكانت اشتباكات مفاجئة اندلعت مطلع أبريل/نيسان 2015 في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بين مجموعات تتبع تنظيم الدولة من جهة ومجموعات أكناف بيت المقدس الفلسطينية من جهة ثانية، وتدهورت الأوضاع الإنسانية أكثر فأكثر لما يقرب من 15 ألف مدني فلسطيني.
وتستعرض الورقة مجريات الأحداث في المخيم، وفرض الحصار عليه في ديسمبر/كانون الأول 2012، وتطورها مطلع أبريل/نيسان الجاري حيث وقع الاشتباك بين تنظيم الدولة بمساندة من جبهة النصرة وبين كتائب أكناف بيت المقدس التي تضم مسلحين مقربين أو محسوبين سابقا على حركة حماس.
السيناريوهات المحتملة
في ظل التطور المذكور والتقدم العسكري الواضح لتنظيم الدولة، فإن سيناريو مستقبل المخيم سيرتبط بمستقبل مجموعاته المسلحة، ويعرض تقدير الموقف السيناريوهات المحتملة، ومن أبرزها:
1- قتال أكناف بيت المقدس حتى نفاد الذخيرة تماماً، وتقدم تنظيم الدولة للسيطرة على كامل المخيم، واعتقال أو قتل من تبقى منهم.
2- استعادة الأكناف زمام المبادرة، وتقدمها في عمق المخيم واسترجاعه أو استرجاع جزء منه.
3- انسحاب الأكناف من المخيم، وهذا يقتضي بالضرورة وجود تسوية مع أحد الأطراف بالنظر لواقعهم الميداني، وعليه فالانسحاب يقتضي عدة احتمالات:
- تسوية مع النظام السوري للسماح للأكناف بالانسحاب عبر مناطقه باتجاه معين، كمخيم خان الشيح غرب العاصمة، أو التضامن، أو باتجاه ريف دمشق أو ريف درعا.
- تسوية مع تنظيم الدولة والنصرة للسماح بانسحابهم عبر مناطقهم باتجاه يلدا وببيلا وبيت سحم جنوب المخيم.
- التمكن من الانسحاب دون تسوية مع النظام أو تنظيم الدولة باتجاه حي التضامن.
ويستبعد تقدير الموقف حدوث تسوية مع النظام أو تنظيم الدولة أو النصرة، أما خيار الانسحاب باتجاه حي التضامن دون ترتيب مع النظام أو تنظيم الدولة فإنه يواجه تحديين اثنين:
الأول: أن مثل هذا الانسحاب لا بد أن يكون عسكرياً، بمعنى القيام بعملية عسكرية لتنفيذ الانسحاب، إذ سيكون على الأكناف المرور بمنطقة حرجة، مكشوفة من قبل النظام، ومن جهة أخرى من قبل النصرة، ومع نفاد ذخيرة الأكناف المتوقع جدا، وحساسية المنطقة عسكرياً، قد يبدو هذا الانسحاب أقرب إلى مخاطرة كبيرة أو ربما “انتحارا”.
التحدي الثاني: أن الأمر يحتاج موافقة مجموعات المعارضة في حي التضامن، التي من المؤكد أنها لا ترغب في استفزاز تنظيم الدولة والدخول في أي إشكال معه، فضلاً عن أن فكرة الانسحاب غير محبذة عند كافة فصائل المعارضة السورية، لأن هذا يعزز قوة تنظيم الدولة أو النظام داخل اليرموك.
والفكرة نفسها غير محبذة لدى النظام نفسه، الذي لا يرغب بتحويل خط تماس اليرموك ليصبح مع تنظيم الدولة. وهو ما يجعل خيارات الانسحاب كلها خيارات بعيدة، على الأقل في ظل الواقع المطروح. وفي حال حدوثه، فإن أقربها هو التسوية مع النظام بضمانات فلسطينية أو دولية، على غرار انسحاب مقاتلي حمص قبل قرابة العام.
استعادة زمام المبادرة
أما السيناريو الذي يبدو أكثر واقعية في الظرف الراهن فهو تمكن الأكناف من استعادة زمام المبادرة من خلال التزود بالسلاح والذخيرة، بهدف استعادة المخيم أو جزء منه شمالا، وقد لا يمانع النظام من ذلك، إذا كان ذلك سيعيد اليرموك إلى وضعه السابق، كما كان على مدار العامين الماضيين.
ثم إن إمكانية استمالة “أحرار الشام” التي تسيطر على مربع غرب اليرموك ممكنة إذا تمّ تبديد مخاوفها من تنظيم الدولة والنصرة، وهو ما قد يساعد على تغيير بعض المعادلات الميدانية في اليرموك. وفي كل الأحوال فإن تكلفة هذا الخيار ستظل باهظة.
وتخلص الورقة إلى أن مستقبل المخيم سواء في حال سيطرة تنظيم الدولة بالكامل عليه، أم في حال استعادته كاملاً، أو جزء منه من قبل المجموعات الفلسطينية، سواء الأكناف أم تلك الموالية للنظام، سيكون قاتماً، وسيبقى “ثمن الجغرافيا” قائماً في مخيم اليرموك حتى انجلاء المشهد السوري على نتيجة مستقرة ودائمة، أو في حال حدوث تغيرات جوهرية في الخريطة الميدانية في جنوب دمشق.
الجزيرة نت