تكوين الطاغية واثاره
عمار الحمد
مقدمة:
اهتم الفكرون والفلاسفة وعلماء الاجتماع بظاهرة الطغيان منذ أيام أفلاطون وأرسطو الى يومنا هذا, وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتى, واستقر رأي أكثرهم على أنها ظاهرة شرقية لاغربية بسبب العبودية المطبوع عليها أهل اشرق عموما”,ومنهم من ذهب الى أنها بسبب الدولة المركزية التي قامت على ضفاف الأنهار والتي تحتاج الى حكم قوي ينظم الأعمال ويوزع الجهود,ومنهم من رأى أنها نتيجة مرض نفسي يعاني منه الحاكم الطاغية ويتأثر به شعبه.
لقد عانى الغرب من الطغيان مثل ماعانى الشرق وورد على حكم الغرب طغاة فاقوا طغاة الشرق من أمثال ايفان الرهيب وهتلر وموسيليني وستالين, لاشك أن الطغيان في الشرق أطول عمرا” وأعمق جذورا” وأكثر تأثيرا” في نفوس الشرقيين ومن غير المستبعد أن يكون له دور في استمرار عهود الطغيان في بلادنا الى الان,لكن ليس بسبب طبيعة الشرقيين القابلة للعبودية فالانسان هو الانسان في الشرق والغرب لكن ظهور الامبراطوريات في الشرق قبل الغرب وتقديس الحكام الى حد التأليه هو الذي جعل الناس يخضعون للطاغية في الوقت الذي كان فيه الغرب يعيش على شكل قبائل واقطاعات يمارس فيها أشد أنواع الطغيان وحتى أثينا رمز الديموقراطية خضعت للطغيان في بعض الفترات.
ان الثورة الصناعية والنهضة العلمية والثورة الفرنسية وخضوع بلادنا للاستعمار أسباب أدت الى أن يتحرر الغرب من الطغيلن وتستمر بلدنا الى الان تحت حكم الطغاة.
يبقى الطغيان موجودا” مادام التعليم بدائيا” والقضاء فاسدا” والرأي العام غير واع والديموقراطية غير مؤسسة, ويبقى الناس في ذل وقهر وحاجة ينتظرون الطاغية الذي يعاملهم في أحسن الأحوال كأطفال صغار يجب أن يرعاهم في كل نواحي الحياة وهم يحتاجون له في كل شئ ومايقوله هو الحق والصواب ولايسمح لهم بالتفكير أو التعبير لجهلهم.
بين الطاغية والدكتاتور:
تجمع عائلة الطغيان (الطاغية-د.امام عبد الفتاح امام-عالم المعرفة –العدد-183-مارس1994-ص37) الكثير من المصطلحات مثل الطغيان والاستبداد والكتاتورية والسلطة المطلقة والشمولية وتتفق جميعها بالخروج على حكم القانون واعلاء ارادة الحاكم الفرد على جميع الارادات وعدم خضوعه للمحاسبة واستخدامه موارد الدولة لتحقيق أهدافه الخاصة.
قد يكون الدكتاتور صاحب مشروع وطني وهمه الاصلاح والتنمية والنهوض بالمجتمع وتحريره من اعدائه لكن تضخم الأنا وعدم اقتناعه بامكانيات شعبه واعتقاده أن مشروعه لايمكن ان يقوم به غيره وأن الشعب اذا شاركه ادارة مشروعه فانه سوف يفسده عليه لذلك تراه يأمر وينهى ونادرا” مايستشير ولايقيم المؤسسات ولايرعى تحولا” ديموقراطيا” ولا يجهز البدائل لاقتناعه بعدم وجودها وعندما يحل به الموت ينهار مشروعه وتعود الأمور الى نقطة الصفر أو اسوأ(مشروع عبد الناصر مثلا).
قال الملك جيمس أمام البرلمان البريطاني عام 1630:”ان الفرق بين الملك والطاغية(ولم يكن الملك الا دكتاتورا فلم يكن هناك ملوك ديمقراطيون) هو ان الاول يجعل القوانين حدا” تنتهي عنده سلطته كما أنه يجعل من خير المجموع الغرض الأساسي لحكمه, أما الطاغية فلا حد لسلطانه , كما أنه يسخر كل شئ لارادته ورغباته”.(الطاغية ص117)
والمستبد(الدكتاتور) هو من استبد برايه حماية لشعبه ورغبة في تقدمه وتحقيق تطلعاته, أما الطاغية فهو فاسد بالضرورة وهدفه مصلحته الشخصية فقط وتحقيق شهوة الثروة أو تحقيق نشوة أو التنفيس عن عقدة نفسية(اعيان الشام واستعصاء العلمانية في سوريا-صخر ابو حجر-مركز الدوحة للأبحاث ودراسات السياسات-18-8-2012)
وجاء في دائرة معارف البستاني ان الطاغية هو:”من أسرف في المعاصي ومن تولى حكما” فاستبد وطغى أو تجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذا” لماربه فيمن تناوله حكمه و بلغت سلطته اليه”. (الطاغية ص39)
ويرى أفلاطون :”أن الطغيان سلب فهو سلب للخير أمام الشر كما المرض الذي هو سلب للصحة”(الطاغية ص83).
وعند جون لوك كما هي عند ارسطو” الطغيان هو ممارسة سلطة لاتستند الى حق ويستحيل أن تكون حقا” لانسان ما”(الطاغيةص117).
ان الدكتاتورية والطغيان وكل مايندرج تحت عائلة الطغيان لم يعد مقبولا في عصر تحول فيه العالم الى قرية صغيرة لكن الخلط بين مصطلحي الكتاتورية والطغيان يؤدي الى الاجحاف بحق البعض والتهوين من أذى البعض فبعد ثورات الربيع العربي ليس مقبولا” ان نقول ان مبارك وبن علي دكتاتوران وان القذافي والاسد دكتاتوران.
تكوين الطاغية:
1- التربية: تلعب المؤسسات الاجتماعية كالمدرسة والأسرة دورا” أساسيا في عملية تنشئة الأطفال والتكوين النفسي لهم, ويمثل الأباء نماذج وقيما عليا لابنائهم من خلال الأساليب المختلفة التي يتبعونها في تربية ابنائهم كالحب والدفء والتسامح والحوار او العنف والعدوانية والقهر.(سيكولوجية التنشئة الاجتماعية-د.عبد الرحمن عيسوي- دار الفكر الجامعي 1984-1985).لايولد الانسان وهو يحمل صفات الشياطين كما انه لايولد وهو يحمل صفات الملائكة فالمورثات لاتلعب الدور الأساسي في توجيه سلوكه, انما تلعب التربية والمحيط والظروف الاجتماعية هذا الدور.
ان صدمات الطفولة والمراهقة تنتج تأثيرات طويلة الأمد وقد تكون دائمة على الصحة النفسية للانسان بحيث تظهر على سلوكه وكأن لها أساسا” عضويا”.
ان الاطفال الذين ينشؤون في بيوت مستقرة ويعاملون معاملة حسنة ينشؤون سليمي النفوس ويشعرون بالأمان والغنى النفسي وينعكس ذلك على سلوكهم تجاه أنفسهم و أبنائهم و محيطهم,على عكس اولئك الذين عانوا من تربية قاسية ونشؤوا في بيوت غير مستقرة وتعرضوا للعنف فانهم دائما” يشعرون بالخوف وقلة الأمان والفراغ النفسي والحاجة للحماية.
أجريت بعض التجارب الالكترونية على الاجنة فاثبتت ان الجنين يستجيب لمشاعر الرقة و القسوة ويتعلمها,كما ان الصدمات النفسية التي يتعرض لها الاطفال تخزن في لاوعيهم ويتم استعادتها عند الكبر عادة.
ان استعمال العنف مع الأطفال على أنه طريقة للتربية وتوجيه السلوك مع منعهم من اظهار الغضب أو التعبير عنه يؤذي سلامتهم النفسية ويؤدي الى انحرافهم السلوكي في المراحل العمرية اللاحقة حيث يقومون باستخدام العنف اتجاه انفسهم بالادمان على المخدرات او الانتحار ويعاملون ابناءهم بنفس القسوة واذا اتيحت لهم الفرصة يقومون بايذاء الاخرين ومنهم الذين يبحثون عن من يمارس ضدهم العنف ويحتمون بظله.
(Alice Miller-The root of violence)
ان العنف الذي يمارسه الاباء أو المعلمون أو القادة على الأطفال ينشئ جيلا” ميالا” للعنف مليئا” بالعقد النفسية وحب الانتقام فينقلوا ماعانوه الى مجتمعاتهم كل حسب الفرصة التي تتاح له, فالتربية القاسية تنتج جيلا” منحرفا”.
(Alice Miller-The origin of torture)
ولايكون الطاغية الاواحدا” من هؤلاء صاحب نفسية مليئة بالعقد والخواء وكره الاخرين ومحبة الانتقام فيحاول اخضاع الاخرين له وتجريعهم من نفس الكأس الذي تجرعه لأنه يرى أن المجتمع قد اخطأ في حقه فينتقم منه,وهو في حالة خوف وتوجس دائمين وعبد لرغباته الحيوانية وليس سيدا” لها وهي التي تدفعه وتوجه سلوكه وتزيح دوافع الخير فيه الى الظل.
(Alice Miller-The ignorance or how we produce the evil)
ان العنف والاذلال والنشأة الوضيعة تنشئ أشخاصا” لايشعرون بالأمان الأجتماعي وحاقدين على مجتمعاتهم, ويذكر أن والد هتلر كان ابنا غير شرعي لأب يهودي وعانى كثيرا” من سوء المعاملة فأساء معاملة ولده هتلر,فكانت كراهية هتلر لليهود هي المحرك الاساسي في تفكيره وقد فرض على كل ألماني أن يثت نقاوة عنصره من أي عنصر يهودي حتى الجيل الثالث.
ان نشأة عبد الناصر وحتى السادات ومبارك وبن علي في بيوت مستقرة ومن أوساط اجتماعية مقبولة أدت الى استقرارهم النفسي نوعا ما ولم تتحول دكتاتوريتهم الى طغيان ولم تكن لديهم عقدا” نفسية عميقة تحرف سلوكهم أو تجعلهم يكرهون مجتمعاتهم ويحقدون عليها وبالتالي يسومونها سوء العذاب.
أما القذافي فان نشأته المضطربة لأم يقال انها يهودية وأب غير معروف النسب وكان قد أنفصل عن أمه أدت الى حقده على المجتمع.
والأسد الأب نشأ في أسرة وضيعة وتتضارب الاقوال في أصل جده ,وفي طائفة كان السوريون يعتبرونها في الدرجة الثانية على ترتيب السلم الاجتماعي السوري, يعيش بالشك وعدم الثقة بالاخرين والخوف من الانقلاب عليه,وقد عاش الابن فترة مراهقته على اصداء أحداث حماة وبطولات أبيه في القضاء على الارهابيين وكيف تكون هي الطريقة المثلى لمن أراد أن يخرج على حكم العائلة, بالاضافة الى عزلته وعدم مخالطته للناس ومعرفته لهمومهم ومشاكلهم.
ان وصول بشار الاسد الى حكم سوريا بلاخبرة ولاتجربة ولاتاريخ وما عرف عنه من ضعف الشخصية وكثرة مقارنته بأبيه وادعاء بعض رجالات الحكم القديم انه رئيس بارادتهم ليس بامكانياته كلها عوامل دفعته لكي يثبت انه جدير بالمنصب وقادر على القيادة وانه يستطيع ان يقوم بما لم يقم به والده”فالعقد النفسية لاتفهم المنطق, فهي اندفاع لاشعوري يدفع صاحبه نحو الهدف بلا روية أو تفكير”(وعاظ السلاطين-د.علي الوردي-ص169-دار كوفان- لندن-الطبعة الثانية-1995).
ويذكر لنا التاريخ أمثلة كثيرة على ردة فعل الضعيف فقد قتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي , واستباح جيشه المدينة المنورة واغتصب الف بكر فيها في وقعة الحرة ليثبت للناس بانه جدير بخلافة المسلمين ولم يصل اليها فقط لأن أباه معاوية قد ورثه اياها كما يقول الناس.
2- المجتمع المحيط:
قالت العرب قديما”:”الناس من خوف الذل في ذل”, وقالت ايضا”:”كما تكونوا يول عليكم”.
يأتي الطاغية الى الحكم بعد حالة من الفوضى والاضطراب التي تعم البلاد فترنو له العيون وتشرئب له الاعناق ليعيد الاستقرار والأمن والامان اليها فاذا كان ذا طموح شخصي كبير والبلد لاتحكمه المؤسسات زاد توغله في الدكتاتورية وزاد ظلمه وزاد خضوع الناس له فيتحول الى طاغية.(الطاغية-ص90)
ان سكوت الناس على ظلم الطاغية واستبداده هو مايفسح له المجال في التمادي في طغيانه وفي المثل الدارج قيل: يافرعون من فرعنك؟ قال: لم أجد من يردني.
عندما كان عبد الملك بن مروان على فراش الموت قال لابنه الوليد: “اذا مت فشمر واتزر والبس جلد النمر وضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه ومن سكت مات بدائه”.(الطاغية ص174 عن البداية والنهاية)
لقد تنازل المجتمع العربي عن مسؤولياته والقيام بمهامه وتساهل مع طغيان حكامه حتى وصل الى مرحلة الاستعباد وانكار الوجود ولم يستطع ان يحمي نفسه او نخبه فتغول الطغيان الى حد غير مسبوق وغير محتمل.(اسباب الانسداد السوري-فايز سارة-العربية نت-4-11-2012)
يؤكد علماء النفس ان مدة ثماني سنوات يقضيها المسؤول في منصبه هي المدة المثالية لأن تجاوز هذه المدة يحمل معه احتمالات كبيرة لأن تنمو عنده مشاعر العظمة وتمكن شهوة الحكم وجمع الثروة واخضاع الناس وتكوين مراكز قوة وابتعاده عن الناس وانعزاله وعدم معرفته الحقيقية بهمومهم ومشاكلهم وحاجاتهم.
ان قيام المجتمع بواجب المراقبة والمحاسبة وحماية نفسه ونخبه هي التي تمنع من تمادي الطغيان وقد قام الانكليز باسقاط تشرشل والفرنسيون باسقاط ديغول في الانتخابات على الرغم من الانجازات العظيمة التي قدموها لامتيهما وهو رد فعل ارادي حتى لاتتغول الأنا لدى أي منهما ويتحولان الى شخصين لايمكن للانكليز او الفرنسيين العيش بدونهما وبالتالي يتحولان الى طاغيتين.
عندما انهزم العرب امام اسرائيل في حرب حزيران 1967لم تخرج الجماهير تطالب بمحاسبة المسؤول عن الهزيمة ولكنها خرجت تطالب عبد الناصر بالعودة عن الاستقالة, وفي سوريا كانت جماهير الشعب تسأل عن سلامة القيادة ولم يكن يهمها احتلال الجولان وانهزام الجيش.
تناولت نظريات كثيرة دراسة ظاهرة تكوين الطغاة والعلاقة بين الحالة النفسية للطاغية والمجتمع وسوف نعرض باختصار لنظريتين تتناولان الموضوع :
: Sadomasochism السادومازوخية
و هي النظرية التي تفسر الرغبة في تحقيق السعادة عن طريق العدوان , وهي نحت من كلمتي السادية المازوخية .
والسادية هي الرغبة والتلذذ في السيطرة على الاخر وبتلاعه وايقاع الاذى عليه.
والمازوخية هي التلذذ في تحمل الأذى والبحث عن شخص قادر على ايقاع الأذى على ذات الباحث وقادر على السيطرة عليها وابتلاعها, وهما حالتان نفسيتان متناقضتان ولاتوجدان عند شخص واحد ولكن لاتعملان الا مع بعضهما,تحب الشخصية السادية الشخصية التي تخضع لها لأنها تملئ فراغها النفسي ولكنها لاتحترمها.
الساديون هم الطغاة والمازوخيون هم الشعوب ,والطاغية يفكر لهم ويقودهم ويوجههم وهم يرضخون لهم ويتغنون بأمجاده ويتصاغرون امام عظمته فلا وجود ولا قدرة ولا اعتبار ولا حياة لهم أو لدولهم أو لاوطانهم من دونه ومن دون مواهبه وكفاءاته التي هي منحة الهية حبا الله بها هذا الشعب المسكين بارساله هذا القائد وهم بذلك يركنون الى اللاعتماد والكسل والذل ويبتعدون عن تحمل المسؤولية أو القيام باي عمل له قيمة على مستوى الامة لأن القائد كفاهم ولأن هذه الأعمال واجب عليه وحق له وهو أجدر من يقوم بها وهم قد اقتنعوا أنهم عاجزون عن ذلك حتى من قبل أن يحاولوا.(الطاغية ص285)
يعمل الطاغية(السادي) على ارهاق شعبه بالحروب وبذل الفقر ونقص المواد الضرورية للحياة اليومية وبالمراقبة الامنية لأدنى تحركاتهم حتى تتأكد مازوخيتهم وبالتالي حاجتهم اليه وتعلقهم به لتأمين أمنهم واحتياجاتهم.
(Pain, aggression, fantasy, and concept of sadomasochism. William I. Grossman.M.D)
: Stockholm Syndrome متلازمة استوكهولم
من الطبيعي أن تكون العلاقة بين مرتكب الجريمة والضحية هي علاقة تنافر والمشاعر التي يحملها الضحية لمتكب الجرم هي مشاعر الكراهية,لكن وفقا” لهذه النظرية تتحول العلاقة بين الضحية ومرتكب الجريمة الى علاقة تعايش أقرب الى المحبة منها الى الكراهية حيث يصبح الضحية مثل الطفل الذي يحتاج الى رعاية ويمارس مرتكب الجرم دورلألام التي تمنح هذه الرعاية.
الضحية في هذه الحالة هو الشعب الذي يحتاج الى الرعاية والأمن والخدمات والام الحنون هو الطاغية يمارس مسؤولية كل شئ وفي حالة فقدانه فلن يكون شئ بالمتناول.
)FBI Law Enforcement Bulletin-July 2007, Volume 76,Number 7(
يربي الطاغية الناس على الذل والقهر والظلم, يقول هتلر:”ان الطفل في المدرسة يجب أن يتعلم الصمت وأن يتحمل الظلم بصمت”.
واذكر عندما التحقت بالخدمة الالزامية في الحيش العربي السوري كانت أول نصيحة وجهها الينا الضابط المسؤول وكنا مائة وواحدا” وثلاثين من حملة الشهادات الجامعية هي” انما أنتم هنا لتتعلموا الذل ولتعتادوا عليه” وكنت أتساءل كيف يحارب الذليل اسرائيل واكتشفت بعد قيام الثورة السورية أن المطلوب ليس محاربة اسرائيل وانما الخضوع للطاغية ولذلك كان ميكافيللي ينصح الأمير أن يكون أذاه دائما” ساحقا” لأن الأذى البسيط قد يدفع الناس للتفكير بالانتقام.(راجع في الموضوع: اغراء السلطة- مسار العنف في علاقة الشرطة بالمواطن عبر التاريخ-بسمة عبد العزيز-دار صفصافة للنشر-2011 حيث يتدرب رجال الشرطة في الكليات على ايقاع الاذلال بالمنسبين الجدد وينتقل ذللد الى مراكز العمل ويمارس الاذلال بشكل هرمي).
3-بطانة الطاغية:
في أنظمة الحكم الأوليغاركية القديمة كان يتحدد مدى اقتراب الناس من دائرة الطبقة الحاكمة اعتمادا” على مايملكونه من ثروة مادية, وكلما ازدادت الثروة ازداد قربهم من مركز دائرة الحكم, ويجب أن لاتقل الثروة عند حد ادنى حتى يسمح للشخص بالدخول ضمن الدائرة, وفي أيامنا فيكون المقياس هو قدرة الشخص على النفاق والتملق وقدرته على تحمل الاذلال وبيع النفس وكلما زادت هذه المقدرة وزادت وضاعته اقترب أكثر من دائرة الحكم وترقى أكثر في المناصب الحكومية.
اخترع الفقهاء المسلمون على عهد بني امية مذهب الجبر وفيه أن أمير المؤمنين هو قدر الهي وهو خليفة الله وسلطانه في الأرض لكي يبرروا لخلفاء بني أمية ابتعادهم عن سلوك الخلفاء الراشدين حتى أصبح من المستساغ أن يقول في وقت متاخر ابن هانئ الاندلسي:
ماشئت لا ماشاءت الاقدار فاحكم فانت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار
وقد أعجب الرشيد مرة بجارية لأبيه المهدي فلما راودها عن نفسها قالت له اني لا أحل لك فقد طاف بي أبوك, فاستفتى ابا يوسف فقال ابو يوسف:”اهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيرها في رقبتي”(الطاغية ص184 عن تاريخ الخلفاء ض280)
وصل الأمر بالفقهاء أن يكفروا من خرج على السلطان مع أن الكفر في الاسلام ليس من المتشابهات ومع أن من خرج على السلطان في زمن صدور هذه الفتاوي رجال من أعظم المسلمين علما” ونسبا” فكان أغلبهم ينتمون الى العترة النبوية الشريفة كاالامام زيد ويحيى بن زيد ومحمد النفس الزكية وغيرهم.
ان الفتاوى التي تحرم الخروج على الحاكم خوفا” من الفتنة ولايزال يستعملها فقهاؤنا الى اليوم دون أن ينظروا فيها وكأنها من التنزيل انما صدرت من فقهاء كانوا يعيشون في ظل نعيم الحاكم ويدركون أنه اذا تغير هذا الحاكم سوف يفقدون ماهم فيه من رفاهية لأن اغلب من كان يخرج على الحكام كان يدعو الى العدالة الاجتماعية والمساواة واعادة توزيع الثروات.
لاينفك هؤلاء الفقهاء ومن تبعهم يعتمدون على الحديث الشريف”اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي كأن أنفه زبيبة ما أقام فيكم الصلاة”, وكأن الصلاة هي مقياس الدين وكأن الحاكم الذي يقيم الصلاة يصبح مبرأ” من كل عيب وتغفر له الصلاة كل ذنب ويتناسون الحديث الشريف “اذا رأيت امتي تكره أن تقول للظالم أنت ظالم , فقد تودع منهم”,و الاخر”ان أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر”, ودعوة الاسلام هي دعوة العدل قبل كل شئ والصلاة التي لاتقود الى العدل ليست الا طقوسا” لاتحمي صاحبها من نار ولاتدخله جنة, كان مارتن لوثر كينج المصلح الكبير يقول:”ان الحاكم السئ هو عقاب للناس على سوئهم وعلاج للشر المستشري في نفوسهم” ويرى ان”العصيان على الحكام اشد سوءا” من أخطائهم مهما بلغت”.(الطاغية ص145)
اجتمعت يوما بالشيخ كريم راجح وسأله احد الحاضرين ان كان التقى بالأسد خلال الثورة, فقال نعم دعاني مع خمسة عشر شيخا من مشايخ دمشق وكانت طلبات المشايخ تدور حول تحصيل بعض الدعم لمدرسة أو معهد شرعي يملكه أحدهم أو يديره الاخر والدماء في سوريا تسفك بكل أنواع الأسلحة والأعراض تنتهك على قوارع الطرق,ان الطغاة وجدوا في الواعظين خير أعوان لهم على الهاء الناس وتخديرهم فقد اشتغل الناس بوعظ بعضهم بعضا, فنسوا بذلك ماحل بهم من بلاء على أيدي الطغاة من ظلم, ويقال ان معاوية اعطى جماعة كل واحد منهم مئة الف الاواحدا” فأعطاه سبعين الفا”, فلما سأل هذا عن السبب قال له معاوية اني اشتريت من هؤلاء دينهم وأبقيتك على دينك, فقال الرجل وأنا اشتر مني ديني. .(وعاظ السلاطين-ص223 )
ان الوعظ والفوقية والخطب الرنانة من دون اعطاء المثال العملي والقيادة من أعلى اي من فوق الناس وليس معهم هي أساليب منفرة , والوعظ ممل وينسى والكلام النظري مدعاة للحفظ وليس للتطبيق أما المثال العملي والسلوك القويم هو الذي يترسخ ويحاول الناس تقليده والتمثل به,وماوجد الناس من الوعاظ الا كثرة الكلام المنمق وعند الاختبار يكونون اكثر الناس ارتباطا” بالطاغية وتعلقا بأذياله وتبريرا” لظلمه جريا وراء المناصب والمال.
ان تربية الناس في المساجد على دروس الفقه والحديث والتفسير ومحاربة الأفكار الجديدة والاجتهاد والعلوم الحديثة مع اهمال لفقه المقاصد والاولويات وفرض الاجتهادات الفقهية القديمة على مشاكل المجتمع الحالية وكأن الفقه تنزيل من التنزيل وليس من صنع البشر ليواجهوا مشكلاتهم المتجددة في الزمان والمكان ويتجاهلون أو يجهلون أن القران انما هو قواعد تاصيلية وليس نصوصا” تفصيلية.
في محاضرة له في الولايات المتحد ة الامريكية كان أحد كبار فقهاء دمشق ومن اكثر المرتبطين بالنظام السوري والمبررين له سلوكه يقول انه قد ربى ستة الاف مريد على الاسلام الصيح والسنة القويمة يأتمرون بأمره, ولما علق أحد الحاضرين مغتبطا أن هؤلاء سيكونون الطليعة لتحرير فلسطين فيرد منتفظا: والله ما لهذا أعددتهم”, ان لم تكن اعددتهم لنصرة المظلوم وتحرير الارض المغتصبة وثالث الحرمين الشريفين, فهل أعددتهم ليتجادلوا في مدة الحيض والنفاس وجواز حلق اللحية واعفاء الشارب ووضع ربطة العنق.
حقيقة ان المطلوب من علماء الدين أكثر مما هو مطلوب من غيرهم من العلماء في باقي مجالات العلم لأنهم يصدرون عن الكتاب والسنة, لكن سلوكم عمليا لم يتميز عن سلوك باقي الناس فالجميع يصدرون عن نفسية انسانية تستهويها الشهوات وحب الولد والزوجة والمال والجاه والأضواء,ان الأثر السلبي لعلماء الدين اذا نافقوا للطاغية اكبر من أثر غيرهم لأنهم يتحدثون باسم الدين الذي جاء لتحرير الناس من الظلم وتحقيق العدالة, كما أن الناس تحمل لهم صورة مثالية وترى في أقوالهم وأفعالهم أمثلة يقتدى بها وقد عرف هؤلاء العلماء هذا الشعور عند الناس فأوغلوا في ممارسة هذا الدور وتمادوا في نفاقهم وتملقهم للحكام, يقول الكواكبي:”يتخذ المستبد بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الدين”,ويذكر المؤرخون أن يزيد بن الوليد عندما تولى الخلافة جاء بأربعين شيخا” شهدوا له أنه ماعلى الخلفاء من حساب ولاعذاب.(الطاغية ص43), والامام أحمد كان وحيدا” في وجه المأمون أثناء محنة خلق القران على كثرة العلماء.
وباقي العلماء من مختبف فروع العلم لايختلفون عن علماء الدين وان كان أثرهم على الناس أقل لكن تعزيزهم لظلم الطاغية وتثبيت حكمه مهم, فقد عين الدكتور محمد اياد الشطي وزيرا” للصحة على عهد حافظ الاسد وهو عالم باثولوجي وأستاذ جامعي مرموق ومن عائلة دمشقية عريقة, وعندما عوتب على ذلك قال انه يريد أن يحمي القطاع الصحي والأطباء فكانت النتيجة أنه لم يحم القطاع الصحي ولا الأطباء وأفسد نفسه, وكما يقول المثل الانكليزي”اذا أردت أن تعرف حقيقة انسان فاعطه مالا” أو سلطة”.
ان المطلوب من الناس هو السعي الى العلم والمعرفة أيا” كان مصدرها وعلى اختلاف أنواعها واحترام العقل بصرف النظر عن حامل هذه المعارف والعلوم وعدم الانجرار وراء الطقوس والمظاهر والشكليات.
ان الدائرة الضيقة للحاكم تعمل مافي وسعها لعزل الطاغية عن الناس وتقوم بمنع أية معلومة لاتكون فيها فائدة لها من الوصول اليه ويملؤون وقته وذهنه بما يقنعه بعظمته وانجازاته وتغني الناس بحبه ويقومون بما يحلو لهم لتحقيق مصالحهم الشخصية.وعلى مر التاريخ كان رجال الدين وأكثرهم من التجار أو الاقطاعيين يتحالفون مع التجار وقادة الجيش والطبقة الارستقراطية في خدمة الحاكم ضد الناس.( راجع-اعيان الشام واستعصاء العلمانية في سوريا-صخر أبو حجر-المركز العربي للابحاث ودراسات السياسات-18-8-2012)
كيف يستمر الطاغية:
يسيطر الطاغية على وسائل الاعلام ومن خلاله ينشر فكرا” أو أيديولوجية يسيطر بها على الناس ويلزمهم بها الزاما” ويربط به كل مؤسسات ومرافق الدولة, ويلغي مبدأ فصل السلطات ويلغي الأحزاب ويقهر المعارضة.
تقضي وسائل الاعلام في بلد الطاغية معظم وقتها وهي تنشر صوره وتحركاته حتى الخاصة منها وأقواله والأشعار والأغاني التي تمجده.
يتماهى الطاغية مع الدولة فيصبح هو الدولة والدولة هو(شعار الله, سوريا , بشار وبس هو تعبير غير واع عن تقديس الرئيس وتماهيه مع الدولة وانكار الشعب), فهو الذي أحياها وهو الذي يميتها وكل خير فيها فمنه وذهابه يؤدي الى زوالها أو تفتيتها وينشر في روع الناس أن ظواهر الطبيعة تتأثر بموته, والناس من دونه هوام لايقدرون على شئ, يعملون بقدرته ويكسبون من خيره ويسبحون بحمده, وهو الراعي لكل شئ, وكل شئ لم يقم ولم يتطور الا به وبسبب عبقريته والهامه, فهو راعي العلم والرياضة والاقتصاد والسياسة وهو بطل الحرب وبطل السلام, وأفعاله وأقواله نور تهتدي بها الأجيال, ولولا الدين لكان هو ربكم الاعلى وهو كذلك وان لم يصرح.
هو رئيس الحزب الوحيد ورئيس قيادتيه القطرية والقومية وان سمح باحزاب صورية فهو رئيس الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم هذه الأحزاب ,وهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس الامن القومي وهو الرئيس الفخري لكل المؤسسات والحاصل على العشرات من شهادات الدكتوراة الفخرية وأوسمة البطولة من دون أن يخوض أي معركة حربية أو حتى أن يحضر دورة تدريبية. يجمع الطاغية حوله الكثير من العلماء والمفكرين ليبدي للناس أن حكمه يواكب تطور العصر ويعطيه صفة الحداثة والمعرفة.
وكما انتشرت ظاهرة عسكرة العمل في الاتحاد السوفييتي, انتشرت عندنا ظاهرة عسكرة التعليم, فا لطلاب في جميع المراحل العمرية يلتحقون بمنظمات تابعة للحزب تركز على تثبيت أياديولوجية الحزب في عقولهم, ويتبعون من خلالها دورات تدريب شبه عسكرية تربي فيهم مشاعر العنف والقسوة والخوف والشك والكراهية.
يهتم الطاغية بنشر التعليم الديني فتكثر على عهده المدارس والمعاهد الشرعية ليكسب من خلالها رجال الدين,ويقوم هؤلاء بنشر التعليم الديني التقليدي التي كما يقول الكواكبي لاتزيل غباوة ولا تمحو غشاوة, ونبذ كل ماهو جديد ومفيد ويدعو الى اعمال العقل والحرية الفكرية وحرية الرأي والتعبير والديموقراطية, وتكفير العلمانية واهدار دم الليبراليين.
ان نشر المعرفة التي تقود الى طرح الاسئلة الكبرى عن الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية هو عمل معرفة محرم و مؤامرة تجب محاربتها.
أثر حكم الطاغية-تحطيم الانسان:
من نافلة القول ان تحطيم الانسان هو تحطيم للمجتمع والامة.
مهما أنجز الطاغية من منجزات عمرانية وحضارية وتنموية(ستالين مثالا) فانه يقتل في الانسان نوازع الخير والحق والعدل وينمي فيه نوازع الشر والنفاق والرياء والتملق بما يثيره لديه من خوف وقهر وجزع وحاجة.
يعتمد التعليم في بلد الطاغية على الحفظ والتلقين لا على تنمية النشاط الذهني والمحاكمة العقلية,وينتسب الى الكليات الجامعية طلاب لم يحصلوا على الدرجات التي تؤهلهم للانتساب اليها,لكنهم يخضعون لدورات تدريبية أو يشاركون في مناسبات يقيمها الطاغية( دورة العاب المتوسط في اللاذقية-1987 حيث كان لكل طالب مشارك الحق في الحصول على 45 علامة تضاف الى درجاته في الثانوية العامة في العام الذي يمتحن فيه) فيحصلون على درجات اضافية تمكنهم من الدخول الى بعض الكليات التي لاتؤهلهم لها درجاتهم الحقيقية ويحرمون المستحقين منها, فيتخرج في الجامعات طلاب بلا كفاءات يشغلون الوظائف المتوافرة في الدولة فيقل الانتاج وينهار الاقتصاد, اما أصحاب الكفاءات فيستذلون لطلب لقمة العيش أو يهاجرون من البلد, يقول المنصور لابنه:” اني تركت لك الناس ثلاثة أصناف:فقيرا” لايرجو الاغناك,وخائفا” لايرجو الا امنك, ومسجونا” لايرجو الا الفرج منك”.
يتراجع الانتاج لأن الانسان غير الحر انسان غير منتج فهو لايشعر بالولاء للوطن لان الوطن هو الطاغية والطاغية غير محبوب.
يتحول كل انسان الى طاغية في البيت والعمل والمدرسة تقليدا للطاغية وتنفيسا عن الاحتقان المكبوت.
يستقيل العقل لان الطغيان يلغي الحرية والحرية هي ماهية العقل.
يزداد البعد النفسي بين الحالكم والمحكوم ويصبح كل مايقوله الحاكم كذبا” حتى لو كان صحيحا, وكل ما يفعله طغيانا” وظلما” حتى لو كان فيه مصلحة, فنفسية المحكوم قد جبلت على كرهه وعدم الثقة به,فتسيطر على المحكوم عقلية المؤامرة التي تعزو كل مايقوم به الحاكم الى مؤامرة عميقة الجذور يقوم بها الحاكم مع القوى العظمى ضدا” بالوطن والامة, فيبتعد الناس عن دراسة الواقع كما هو لا كما يتخيلونه وفي هذا ابتعاد عن تحمل المسؤلية عما يحصل لهم ولأوطانهم وتعليقا” لها على مؤامرات الأخرين وخيانتهم وارتباطهم بالامبريالية.
ان الافقار المادي والاقتصادي والقهر الاجتماعي يؤدي الى انهيار بنيان القيم والاخلاق الاجتماعية, فتنتشر الرشوة والسرقة والنفاق والتملق والتعامل مع الأمن ضد ابناء الوطن حتى لو كانوا من المقربين اليهم لاحبا” بالوطن ودفاعا” عن مصلحته لكن تملقا” للطاغية وخدمة له يقول توماس بين:”ان الفقر يتحدى كل فضيلة وسلام لأنه يورث صاحبه درجة من الانحطاط والتامر تكتسح أمامها كل شئ”(وعاظ السلاطين-ص69) , ويقول ابو ذر:”اذا ذهب الفقر الى بلد قال له الكفر خذني معك”, وحتى لتجد أن علية القوم يتملقون لرجال الأمن ويقدمون لهم فروض الولاء والطاعة مع أنهم هم من يقدم المال لهم حتى يحافظوا على وجاهتهم ومكانتهم فيخسرون بذلك احترام الناس لهم أما احترامهم لانفسهم فأمر ليس داخلا” ضمن حساباتهم.
تزداد النزعة الطائفية والقبلية في بلد الطاغية لأن شعور الانسان بأنه ضعيف يدفعه للجوء الى المكونات الاجتماعية الأساسية القديمة كخط دفاع أخير لحماية نفسه فتزداد عصبيته وانفعاله ويزداد معها تخلف المجتمع وتنافر افراده وتناحرهم وينقلب الوعي فتصبح الخلافات القبلية والطائفية هي صاحبة الأولوية وينسى الناس السبب في ذلك وهو حكم الطاغية ويبتهج الطاغية لذلك ويشجع عليه ويجهض كل محاولة لحل مثل هذه الخلافات.
نتيجة للقهر والظلم والاذلال يلجأ الناس الى الدين المغذي الرئيسي لأغلب الناس في مجتمعاتنا فالدين قد وعد الصابرين والمظلومين بالخير والجنة في الاخرة وبعذاب الظالمين وتنتشر مقولة ” الدنيا بالوجوه والاخرة بالأعمال” كتعبير عن الاستقالة واليأس, وتظهر وتزداد الاتجاهات الأصولية المتطرفة.
يلغي الطاغية اي دور للأحزاب او لمؤسسات المجتمع المدني وبالتالي يلغي أي دور للمعارضة مما يؤدي الى التصحر السياسي وجمود المجتمع والحكومة لأن وجود المعارضة يؤدي الى تطوير اداء الحكومة ويرتقي بالمجتمع من خلال التدافع بين الطرفين.
لاتخلو الدنيا من طاغية ولاتخلو نفس أي انسان من طاغية مختبئ فاذا تهيأت الظروف خرج من مكمنه ليعيث فسادا”, والمعول كله على المجتمع أن يمنع مثل هذا الطاغية أن يستفرد بالحكم وبحياة الناس ومستقبل الشعوب والأوطان بانشاء مؤسساته الديموقراطية والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة.
يقول الكواكبي :”فناء دولة الاستبداد لايصيب المستبدين وحدهم, بل يشمل الأرض والناس والديار, لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو فيل ثائر في مصنع فخار وتحطم أهلها ونفسها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال, وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد, وعدم تأملهم معنى الاية الكريمة:(واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة, وأعلموا ان الله شديد العقاب)”.
المراجع:
1- الطاغية-د.امام عبد الفتاح امام-عالم المعرفة –العدد-183-مارس1994
2- أعيان الشام واستعصاء العلمانية في سوريا-صخر أبو حجر-مركز الدوحة للأبحاث ودراسات السياسات-18-8-2012)
http://www.alice-miller.com/flyers_en.php?page=3 (Alice Miller-The root of violence) 3-
http://www.alice-miller.com/articles_en.php?lang=en&nid=51&grp=11 4-
(Alice Miller-The origin of torture in endured child abuse)
http://www.alice-miller.com/articles_en.php?lang=en&nid=47&grp=115-
(Alice Miller-The ignorance or how we produce the evil)
6- وعاظ السلاطين-د.علي الوردي-ص169-دار كوفان- لندن-الطبعة الثانية-1995
(Pain, aggression, fantasy, and concept of sadomasochism. William I. Grossman.M.D)7-
http://internationalpsychoanalysis.net/wp-content/uploads/2011/02/PainAggressionFantasy.pdf
)FBI Law Enforcement Bulletin-July 2007, Volume 76,Number 7)8-
http://www.fbi.gov/stats-services/publications/law-enforcement-bulletin/2007-pdfs/july07leb.pdf