صفحات الناس

توتّر على فايسبوك/ حـازم الأميـن

 

شهد “فايسبوك” في جدارَيه اللبناني والسوري أخيراً سجالاً حول واقعة قتل مراهق لبناني طفلاً سورياً لاجئاً، بعد أن اغتصبه. فامتدّ النقاش ليشمل مستويات أخرى من العلاقات اللبنانية – السورية. وهنا مساهمة في هذا النقاش:

ثمة لبنان سلبي في الوعي الجماعي السوري، وسورية سلبية في الوعي الجماعي اللبناني. وثمة هويتان حديثتان تشكلتا في سياقين تاريخيَّين وسياسيَّين واجتماعيَّين مختلفَين. الدولة الكبيرة والدولة الصغيرة، فهذه المعادلة المتوترة التي لطالما ربطت بين الدول المتجاورة أضيفت إليها في الحالة السورية – اللبنانية عناصر توتر أخرى. منها احتلال النظام السوري لبنان لعقود طويلة، ومنها ارتهان جماعات لبنانية لهذا النظام، ومعاداة جماعات لبنانية أخرى له. وقبل ذلك كانت الهوية اللبنانية الرسمية تتماهى مع نموذجها الغربي وتتعثر في هذا التماهي، وتصطدم بالهوية الرسمية السورية التي كانت تتشكل على الضدّ من هذا النموذج.

اليوم تختبر الهويتان غير المتحابتين مستويات جديدة من العلاقة. فالسوريون ثاروا على النظام في بلدهم وقالوا: “لا نريد هذا النظام”. واللبنانيون بدورهم استقبلوا الثورة السورية تبعاً لانقساماتهم الطائفية بالدرجة الأولى، ثم السياسية والإجتماعية والثقافية. وفي هذه الأثناء جرت أكبر عملية نزوح سوري إلى لبنان. أكثر من ثلث عدد اللبنانيين من السوريين لجأوا إلى لبنان. وقد وصفت إحدى المنظمات الدولية هذه الظاهرة، بأنها أكبر عملية نزوح تشهدها دولة في التاريخ الحديث.

لأسباب كثيرة، لم ترافق هذه الواقعة اضطرابات واسعة بين البيئة المستقبلة والبيئة الوافدة، على رغم الأثمان الكبيرة التي دفعها كل من الجماعتين في سياق النزوح والاستقبال. وإحصاء حوادث الصدام بين نحو مليون ونصف المليون لاجئ وبين ضعفهم من اللبنانيين يؤشر إلى أننا ما زلنا ضمن المؤشرات غير المخيفة.

ثمة مستوى من الضيق أبدته جهات سياسية لبنانية. فالوزير العوني جبران باسيل اختلط في وعيه البائس مزيج من الهلع الطائفي وخرافة التفوق، ووظّفهما في تحالفه مع النظام في سورية، فنجم عن ذلك تصريحات تنضح كراهية. لكن، دائماً ما كان يجري موازنة الشقاء العوني برغبة جنبلاطية في حماية ما يمكن حمايته من البراثن العونية. وقد نجح وليد جنبلاط وفريقه إلى حد مقبول في الحد من الخسائر. وبما أن غالبية البيئة المُستقبِلة كانت في مناطق الشبه الطائفي والامتداد الاجتماعي (طرابلس – حمص وعرسال – القلمون)، مثلت القلاقل نوعاً من تخبط البيئة الواحدة بنفسها وبحالها، فتولى والد مغتصب الطفل السوري تسليم ابنه إلى الشرطة، فيما نافس العامل السوري من آل دندشي من قلعة الحصن العامل اللبناني من آل دندشي من عكار.

النزوح كان قسرياً، وهو أمر لم يلحظه خطاب الكراهية العوني. فهؤلاء النازحون لم يختاروا بإرادتهم مغادرة بيوتهم وبلداتهم ووطنهم. لقد طردهم حليف جبران باسيل مستعملاً الطائرات. وإذا كان من مسؤول عن “التغيير الديموغرافي” الذي أحدثه نزوحهم، فهو حليف العونيين، بشار الأسد، وهو من يجب أن يُدان بالخطاب “الوطني اللبناني”.

كل هذا جرى خارج معادلة “التوتر الهويّاتي” وبقي في سياقه العادي.

لكنّ عيناً ثالثة كانت تراقب. ذاك أن “التوتر الهويّاتي” استمر يُغذي وعي مثقفين على ضفتي المأزق. وكان من السهل إضافة الروايات الصغرى الى الرواية الكبرى. ذاك أن الأخيرة ما زالت تشتغل. والسياقان اللذان أنتجا الهويتين لم ينحرفا عن مساريهما بفعل الثورة في سورية، وبفعل ارتداداتها اللبنانية. فالهويتان أقوى في مستواهما الذهني عنه في مستواهما الحياتي، وهو أمر طبيعي على كل حال، فالهويات اليقظة إنما تكون يقظة في المناطق الحية من الوعي الجماعي، وهي تصيب مستوى من المدارك لا يبلغ الأطراف.

الحاجة الى استئناف النقاش حول وعينا السلبي ببعضنا بعضاً توازي حاجتنا الى إسقاط النظام في دمشق.

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى