صفحات العالم

توحيد المعارضة السورية


بلال صعب

في عطلة نهاية هذا الأسبوع، سافرت هيلاري كلينتون على نحو غير متوقع إلى تركيا قصد مناقشة الأزمة في سوريا والالتقاء بشخصيات المعارضة السورية. ويجدر برئيسة الدبلوماسية الأميركية أن تحثهم على ضرورة توحيد صفوفهم المتصدعة بسرعة.

فمن بين كل التفسيرات التي تقدم بشأن لماذا لم يُطح بالرئيس السوري بشار الأسد بعد، فإن أهمها ربما هي تلك المتعلقة بالمعارضة السورية، ذلك أن عجز هذه الأخيرة المستمر عن توحيد صفوفها ساهم كثيراً في تراجع مستوى الانتفاضة التي دامت أطول من أي انتفاضة أخرى في الشرق الأوسط. بالطبع، نحن لا نقصد من وراء هذا التقليلَ من شأن الظروف الصعبة جداً التي تواجه المعارضة. فجيشها، الجيش السوري الحر، يخوض، في نهاية المطاف، قتالا ضد آلة القتل التي يمتلكها الأسد واستراتيجية هذا الأخير القائمة على “فرق تسد”، مع دعم دولي قليل.

غير أن هذا الواقع لا ينبغي أن يحجب هنا حقيقة أن أداء المعارضة السياسية السورية كان حتى الآن فظيعاً، وأن سلوكها يأتي عادة بنتائج عكسية. غير أن المعارضة السياسية، وخاصة المجلس الوطني السوري، ليست حالة ميؤوساً منها؛ فهي تستطيع وينبغي أن تبذل جهدا أكبر لأن الشعب السوري يستحق ذلك. والواقع أن المرء ليس مضطراً ليكون خبيراً في سوريا أو حتى على اطلاع على حالة المعارضة السورية ليعرف مشاكلها العميقة. ولنتأمل هذا المثال الذي وقع مؤخراً. ففي إطار محاولاتهم التخطيط لليوم الذي يلي سقوط الأسد، طرحت ثلاث مجموعات مختلفة من المعارضة السورية مقترحات مختلفة لحكومة انتقالية. فهذا المعارض والناشط المخضرم هيثم المالح، وهو رئيس مجلس أمناء الثورة السورية، وكان في الماضي عضوا في “المجلس الوطني السوري” (استقال بسبب عدم موافقته على تكتيكات المجلس)، يحاول تشكيل حكومة انتقالية في القاهرة مؤلفة من تقنوقراطيين. غير أن محاولته قوبلت بانتقادات شديدة من قبل “المجلس الوطني السوري”، الذي يوجد أعضاؤه، على نحو يبعث على السخرية، بصدد عقد محادثات حول تشكيل حكومة انتقالية مختلفة.

وفي الأثناء، عبر الجيش السوري الحر عن رفضه القوي لكلتا المبادرتين ودعا بدلا من ذلك إلى إنشاء مجلس أعلى للدفاع يشمل شخصيات عسكرية ومدنية. وقد خص قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد المجلس بكلمات قاسية، قائلاً إنه مكون من انتهازيين يرغبون في “الركوب على الثورة والاتجار بدماء الشهداء”.

ولئن كان خبر انقسامات المعارضة السورية ليس بالأمر الجديد، فإن الوقت موات لنفهم بشكل جيد مدى خطورة هذه المشكلة، والأسباب الكامنة وراءها، وكيف يمكن إدارتها أو حلها.

ولنبدأ بالخطورة. فالأعضاء الكبار في المجلس الوطني السوري الذي تفاعلتُ معهم عن كثب في واشنطن وعواصم أوروبية منذ بدء الانتفاضة يشددون على أنه لا توجد انقسامات بهذا المعنى بين المجلس ومجموعات معارضة أخرى مثل منظمة هيثم المالح. ويصفونها بأنها “خلافات” عادية ينبغي توقعها بين أشخاص ينحدرون من خلفيات سياسية مختلفة. ولكن اعذروني، فهذا هراء! ذلك أن الواقع يشير إلى أن هناك انقسامات حقيقية في الصفوف، حالت دون تحرك جماعي فعال وتخطيط استراتيجي؛ وهذه الانقسامات لاحظها المسؤولون الأميركيون والأوروبيون والعرب.

ولكن ما الذي يسبب هذه الانقسامات؟ كثيرون قالوا إن عددا من أعضاء المعارضة السورية، ولاسيما المجلس الوطني السوري، يفتقرون إلى التجربة السياسية بسبب القمع الذي مارسه النظام السوري لعقود طويلة. ولذلك، فإنهم سيرتكبون أخطاء لا محالة في تعاملهم مع بعضهم البعض. كما أنهم لم يطوروا بعد ثقافة التفاوض والسعي إلى التوصل إلى توافقات وحلول وسط. ثم إنهم جدد على لعبة السياسة، ولذلك لا يمكن لومهم.

آسف، ولكنني لستُ مقتنعا بهذا الكلام.

ثم هناك سبب ممكن آخر يتمثل في حقيقة أن مجموعات مختلفة من المعارضة السورية لديها شبكات دعم أجنبي مختلفة، وهي شبكات إما مترابطة أو متنافسة حول مستقبل سوريا. ذلك أن بعض هذه المجموعات مدعومة من قطر، وأخرى من السعودية، هذا في حين تدعم تركيا “الجيش السوري الحر” بشكل رئيسي. ونظرا للأجندات المتنافسة لهذه القوى الإقليمية، فإن مجموعات المعارضة السورية ينتهي بها المطاف إلى الدفع في اتجاهات مختلفة ومقاتلة بعضها البعض. تفسير يبدو أكثر إقناعا من انعدام التجربة؛ إلا أن مجموعات المعارضة المختلفة هذه اتخذت قرارات عن وعي بالسعي وراء مساعدة أو دعم خارجي على حساب الوحدة. ولذلك، فإنها تستحق نصيباً من اللوم.

والواقع أن الانقسام له علاقة بالذهنية والمقاربة. ولأن المجلس الوطني السوري يعتبر أكبر مجموعة معارضة سياسية، ولديه أكبر الإمكانيات، فإنه يجب وضع أخطائه وعيوبه تحت الضوء. وباختصار، فإن المجلس يقوم بتهميش وإقصاء شخصيات المعارضة التي لا تشاطره آراءه وتكتيكاته.

فرغم كل الليبرالية التي يعتنقونها، إلا أن ليبراليي المجلس الوطني السوري يثبتون أنهم غير ليبراليين، وغير مستعدين أو غير قادرين على قبول آراء لا تنسجم تماما مع آرائهم. والأدهى من ذلك أنهم كثيراً ما يسمون أولئك الذين لا يتفقون معهم وأولئك الذين ينشقون من صفوفهم بأنهم “خونة” للقضية.

إن التسامح السياسي ليس ترفاً، بل هو أساسي للتجربة الديمقراطية. وقد عبر توماس جيفرسون (الرئيس الثالث وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) عن ذلك على نحو بليغ خلال خطاب تنصيبه الأول حين قال: إن أولئك الذين قد يرغبون في حل الاتحاد الذي أُسس حديثا ينبغي “عدم المساس بهم كشاهد على الأمن والسلامة التي يتم التسامح بهما مع الآراء الخاطئة “في بلد”حيث يُترك العقل حرا لمواجهتها”.

والواقع أنه حري بالمجلس الوطني السوري أن يتبع هذه النصيحة. ولئن كان التوافق مع كل مجموعات المعارضة السورية الرئيسية، التي لديها مصداقية في أعين الشعب السوري صعبا، إلا أنه سيخدم المعركة ضد الأسد، وكذلك الجهد العام ضد الطغيان والاستبداد. كما أنه سيسرع الانتقال نحو الديمقراطية عندما تسقط دمشق.

باحث بمركز دراسات حظر الانتشار النووي بمعهد مونتري للدراسات الدولية في كاليفورنيا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “كريستيان ساينس مونيتور”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى