تورط اردوغان في سورية
دانيال بايبس
لماذا تعامل الحكومة التركية نظام الاسد في سوريا بهذا العدوان؟ ربما يأمل رئيس الوزراء اردوغان ان يساعد اطلاق القذائف على سوريا على تولي حكومة تابعة للحكم، وربما يتوقع ان يساعده ارسال طائرة حربية الى المجال الجوي السوري أو اعتراض طائرة مدنية سورية في طريقها من روسيا على ان ينال اعجاب الغرب ويُقبل في حلف شمال الاطلسي. ومن المنطقي ان نفترض ان كل ذلك هو بمثابة صرف انتباه كبير عن الازمة الاقتصادية التي أخذت تقترب.
يمكن ان نفهم اعمال اردوغان في سياق يرجع الى الوراء نحوا من نصف قرن. في زمن الحرب الباردة، كانت أنقرة تجلس مع واشنطن عضوا في حلف شمال الاطلسي، حتى حينما كانت دمشق تخدم موسكو مثل ‘كوبا الشرق الاوسط’. وسببت العلاقات المتكدرة بين تركيا وسوريا أحداث محلية ايضا منها الاختلاف في شأن الحدود، وعدم الاتفاق على مصادر الماء، ودعم سوري للجبهة الكردية السرية ‘حزب العمال الكردستاني’. وتوصلت الاثنتان الى شفا حرب في 1998، حينما منع توقيت استكانة حكومة الاسد صراعا عسكريا.
بدأ عهد جديد في تشرين الثاني 2002 حينما حل حزب العدالة والتنمية، وهو حزب اسلامي ذكي امتنع عن الارهاب والدعوة الى حكم الاسلام في العالم، محل احزاب المركز اليمين والمركز اليسار التي حكمت أنقرة زمنا طويلا. وزادت قوته الانتخابية بفضل حكم ذي خبرة ورقابة على النمو الاقتصادي السريع الذي لم يسبق له مثيل وصار في طريق الى احراز هدف اردوغان المُخمن ألا وهو إبطال ثورة أتاتورك والمجيء بالشريعة الاسلامية الى تركيا.
ترك حزب العدالة والتنمية مظلة حماية واشنطن عن شعور بالأمن وبدأ في طريق مستقل عثماني جديد، يقصد الى ان يصبح قوة اقليمية كما كانت الحال في قرون مضت. وكان معنى ذلك بالنسبة لسوريا انهاء عداوة دامت عقدين وأن تحظى بتأثير عن طريق التجارة وعلاقات رمزية مثل تدريبات عسكرية مشتركة، وعطلة مشتركة للزعماء وفريق من الوزراء يُنحون كلاميا الحاجز الذي شوش على الحدود المشتركة.
منذ كانون الثاني 2011 تلاشت هذه الخطط حينما استيقظ الشعب السوري بعد اربعين سنة من الاستبداد ودعا الى اسقاط المستبد بصورة غير عنيفة في البداية. وقد منح اردوغان في البدء الاسد نصائح سياسية بنّاءة رفضها هذا الأخير بكلتا يديه من اجل قمع عنيف. وكان رد اردوغان السني على ذلك انه ندد بالاسد العلوي وبدأ يساعد قوات المتمردين السنيين. وحينما تحولت المواجهة لتصبح عنيفة وانفصالية واسلامية، وأصبحت في واقع الامر حربا أهلية سنية علوية، مع عشرات الآلاف من القتلى وأضعاف ذلك من الجرحى وأكثر منهم ممن جلوا عن بيوتهم، أصبحت الرعاية والمساعدة التركيتان ضروريتين للمتمردين.
ان ما كان يبدو في البداية فكرة براقة أصبح خطأ اردوغان الجدي الأول. ان نظريات المؤامرة الغامضة التي استعملها من اجل ان يسجن ويُخيف القيادة العسكرية جعلته يبقى مع قوة قتالية غير فعالة. وقد تجمع اللاجئون غير المرغوب فيهم من سوريا في مدن الحدود مع تركيا بل وراءها. ان السياسة التركية المفاجئة التي هي معارضة الحرب في كل ما يتعلق بسوريا مع معارضة خاصة من قبل العلويين وهم طائفة دينية تبلغ نحوا من خُمس السكان في تركيا وهي تختلف عن العلويين في سوريا لكنها تُقاسمهم تراثا شيعيا. وانتقم الاسد باحياء دعمه لحزب العمال الكردستاني الذي أصبح عنفه المتصاعد ينشيء مشكلة محلية لاردوغان. اجل، قد يصبح الاكراد الذين أضاعوا فرصتهم حينما تمت صياغة الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الاولى هم المنتصرين الأكبر من هذه العداوات الحالية.
ما يزال لدمشق وكيل قوي في موسكو، حيث تعرض حكومة بوتين مساعدتها للتسليح واستعمال الفيتو في الامم المتحدة. هذا الى ان الاسد يربح من مساعدة ايرانية عنيفة لا تكل ومستمرة برغم المشكلات الاقتصادية الباهظة. وفي مقابل ذلك ما تزال أنقرة تنتمي رسميا الى حلف شمال الاطلسي وتتمتع بالحق النظري في المادة (5) التي تضمن ان يفضي هجوم على واحدة من اعضاء المنظمة الى عمل عسكري اذا كان ذلك واجبا، في حين لا تُبدي قوات حلف شمال الاطلسي الثقيلة أية نية للتدخل في سوريا.
ان نجاح عشر سنوات أثر في رأس اردوغان وأغراه بدخول مغامرة فاشلة قد تضعف شعبيته. ربما لم يتعلم بعد من أخطاء وتجربة الماضي لكنه يراهن على الصندوق كله من اجل جهاده لنظام الاسد، وهو ماضٍ مع القوة كلها نحو اسقاطه وتخليص نفسه.
وفي الاجابة عن السؤال الافتتاحي نقول ان تهييج العداوة التركية ينبع في الأساس من طموح رجل واحد واعجابه بنفسه. يجب على دول الغرب ان تظل بعيدة قدر المستطاع وان تدعه يطأ لغم نفسه.
‘ رئيس منتدى الشرق الاوسط