ثائرة البنطال/ روجيه عوطة
للفيلم القصير، الذي نشره “أبو نضارة” على شبكته الفيديوية، عنوانان. الأول، بالعربية، “معارضة الداخل”، والثاني، بالفرنسية، “إمرأة البنطال”. أما الرابط بينهما، فيتمثل بشخصية المدرّسة السورية سعاد نوفل، التي تُقدم على جرأة يومية في وجه “الدولة الداعشية” في محافظة الرقة، أكان من خلال اللافتات التي تحملها أمام المقر الإسلامي، أو عبر مظهرها البنطالي، الذي يجد فيه “القاعديون” منظر حرام، لا بد من إزالته.
غير أن نوفل لا تتحدى، أو بالأحرى تتغلب على الخوف من “داعش” فحسب، بل أنها تطيح ذكرية المجتمع القاسية بالتوازي. فلا تكترث، كإمرأة، إلى وصفها الإجتماعي كطرف ضعيف، لا قوة له ولا حول، كما لا تقيم وزناً لقاعدة الحجب، التي يجري تطبيقها بحق السافرة باللباس، واللغة، والسلوك. بوقوفها المستمر أمام مركز “داعش”، تواجه أكثر من سلطة، وأكثر من نظام.
وقد تكمن خطورة نوفل، بالنسبة للداعشيين، في معارضتها إياهم من داخلين متطابقين، أي من الداخل الفعلي، الذي يخضع لإرهابهم، ومن الداخل الرمزي، الذي يمتثل لإديولوجيتهم. فعندما تقول نوفل في بداية الفيلم، أنها “بتصلي المغرب وبتطلع”، تشير إلى انطلاقها من طقس ديني نحو مواجهة “جماعة” أصولية، كما لو أنها تخرج على الإديولوجيا بالإيمان. بالتالي، تعلن أنه في مقدور المرء أن يكون مؤمناً، من دون أن يكون “داعشياً”، ويذعن للـ”دولة الإسلامية”.
بهذا الخروج المضاعف، تجد نوفل أن السلطة القاعدية قد أرخت بظلالها على الرقة، مستغلة ً ذعر الناس، بالإضافة إلى الإنفلات الأمني، الذي سمح لها بالإنتشار العسكري. “يا فرعون من فرعنك، قاله، تفرعنت وما حدا ردني”، لا سيما أنه استند في استبداده إلى أحكام دينية، على أساسها، كرس أفعال “مشايخه” السوريين أو “المهاجرين”، الذين غالباً ما يطلقون الإساءات بحق نوفل، محاولين الضغط عليها، والحطّ من عزمها، ونيتها المعقودة على الحرية.
لكن، “خوف ما في خوف”، بحسب مُدَرِسة الحرية، رغم أن “الداعشيين” يمنعون الناس من الكلام معها، تماماً، مثلما جرى مع تلميذها السابق “صالح”، الذي كانت تعلمه، قبل انضمامه إلى ميليشيا “الدولة”. فذات يوم، اقترب من سعاد، وسألها عن سبب تظاهرها أمام المقر، خصوصا ً أن وقوفها، بالنسبة إليه، يناقض ما علمته إياه في المدرسة. فأجابته، “الدولة عم تخطف وتعتقل الشباب رفقاتنا السلميين…إذا أنا آنستك مربيتك على الفضيلة والأخلاق، معقول يطلع معي عمل سيئ”، فرد صالح مستغرباً ونافياً. إلا أن واحداً من المقاتلين، تدخل لمقاطعة الشاب، آمراً إياه بالإبتعاد عن المرأة، ذاك، أن “أمير” الجماعة هو الذي أصدر هذا الأمر حيال لا شرعية الكلام مع نوفل.
وهنا، تؤكد الأخيرة أن المقاتل الذي قاطع صالح، لم يكن سورياً، بل مهاجراً، “يعني مشربين شبابنا شغلات ما أنزل الله بها من سلطان”. فـ”داعش” تُخضع الرقاويين وتعرضهم لتهديدات قاتلة، ولهذا السبب، يتداركون نوفل أمام مقر “الدولة”، لكنهم، يجشعونها بعيداً عنه، وبسر الإشارة أو بحديث سريع.
لا تقاوم سعاد نوفل “الدولة” بلافتاتها، أو بسلوكها فحسب، بل أنها تزعج “الداعشيين” بمظهرها أيضاً. إذ يتحول بنطالها إلى علامة ثورية، سرعان ما يقع على نقيضه في الجهة المقابلة منه. البنطال في مواجهة القناع، هذا ما تثبته جرأة نوفل، التي لا تقر بـ”شرعية” اللباس القاعدي، كالرداء “الأفغاني”، أو لثام الظلام.”هذا لباسي من ثلاثين سنة”، تقول سعاد، قبل أن تُدرج بنطالها في سياق التحرر من الأقنعة وما تخفيه من لحى، هي، أيضاً، تشكل جزءاً نمطياً من الإرتداء التطرفي. “كتير أمور عم تصير بالمحافظة كلها مقنعين…عم يخطفوا، عم يسرقوا، عم يعتقلوا…ولما تجي الناس تسأل عن ولادها، مين خطفهم، والله مقنعين”. فمن ناحية الظاهرة هذه، تطالب نوفل مقاتلي “داعش” بنزع الأقنعة عن وجوههم بهدف منع الإلتباس الأمني، ومكافحة الأحداث الجرمية، التي تجري تحت قناع “دولتهم”.
البنطال النسائي الذي ترتديه سعاد يومياً أمام القناع، يرفض سلطة الأخير الذكرية، ويكشف عن وجهها الإرهابي، كما يعري إديولوجيتها. فإمرأة البنطال تعارض دواخل كثيرة، أكانت قاعدية، أم بعثية، أو بطريركية وماضوية إلخ. وعلى هذه المناوأة، تمثل سعاد نوفل الشجاعة القاطعة بسلوكها، ولغتها، ومظهرها…كما لو أنها تصرخ:”أيها السوريون، ارتدوا البناطيل…وثوروا على الأقنعة”.
المدن