صفحات العالم

ثورة مغدورة !

 

صالح القلاب

لن تكون كل محاولات جمْع رأس المعارضة ورأس النظام السوري على مخدة واحدة وبـ»الحلال» إلاَّ مجرد إضاعة للوقت وإلاّ مجرد المزيد من إزهاق أرواح السوريين وتدمير مدنهم وقراهم فهذا النظام مصرٌ على أنه باقٍ لا محالة وأنه منتصر «بلا أدنى شك» بينما المعارضة تقول أنه وبعد كل هذه الأعداد من القتلى والجرحى والمفقودين والمشردين والمهجرين وبعد كل هذا الدمار والخراب من غير الممكن العودة إلى المربع الأول عندما كان الوضع في البدايات في الستة شهور الأولى لـ»الثورة» تسمح بالمساومة على بقاء بشار الأسد رئيساً للبلاد بعقد الإتفاق معه على بعض التحسينات الإصلاحية.

وبهذا فإن كل طرف من هذين الطرفين لا يرى إلاَّ حلاًّ واحداً «إمَّا في مدار الأفلاك وإمَّا في مقر الأسماء»..إما منتصر أو مهزوم وإما غالب أو مغلوب ولعلَّ ما يؤكد أنه لم يعد هنا إلاَّ هذا الخيار إنْ بالنسبة للنظام وإن بالنسبة للمعارضة أنَّ الساحة السورية قد تحولت وعلى غرار ما كان عليه الوضع في خمسينات القرن الماضي، أي في مرحلة الإنقلابات العسكرية المتضادة، إلى ساحة صراعات دولية وإقليمية فهناك إنحياز طائفي لهذا النظام الطائفي بالأموال والأسحلة والذخائر والمقاتلين وبالسياسة أيضاً وهناك التدخل الروسي الذي تجاوز كل الحدود يقابله دعم كلامي غربي متضائل ومتراجع ولكن يُبقي على المناوشات والإحتكاكات الدولية.

منذ إنقلاب حسني الزعيم عام 1949 الذي لم يعمر سوى مائة وسبعة وثلاثين يوماً وحتى إنقلاب عفيف البزري، الذي أخذ سوريا إلى أحضان عبد الناصر والوحدة القصيرة العمر مع مصر، بقي هذا البلد العربي الإستراتيجي مسرحاً لتصفية الحسابات بين الإتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية من جهة وبين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرأسمالية أي بين الغرب والشرق من جهة أخرى وأيضاً بين صراع الشركات البترولية وكذلك بين الذين كانوا ينادون بوحدة الهلال الخصيب مع العراق وبين الرافضين لهذا وفي مقدمتهم مصر الملكية وبخاصة في عهد الملك فاروق.

الآن، أي منذ إندلاع هذه الأحداث الدامية في هذا البلد العربي المحوري، ثبت أن سوريا بقيت كما كانت ساحة لتطاحن المعسكرات وللصراعات الدولية وأيضاً للصراعات الإقليمية التي هي إنعكاس للصراعات الدولية وأن كل إنقلابات ستينات القرن الماضي بداية بإنقلابي الإنفصالي عبد الكريم النحلاوي وإنتهاءً بإنقلابات التصفيات البعثية-البعثية من الثامن من مارس (آذار) 1963 إلى الثالث والعشرين من فبراير (شباط) 1966 وأخيراً وليس آخراً إنتهاء بإنقلاب حافظ الأسد على رفاقه هذا الإنقلاب الذي جرت تسميته :»الحركة التصحيحية»!!

وحالياً فإن الملاحظ أن الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة يظهر عجزاً مثيراً للعديد من التساؤلات الجدية ويظهر «ميوعة» هي حمالة أوجه إزاء كل هذا الصراع المحتدم في سوريا والذي بعد إستخدام بشار الأسد للصواريخ البالستية من طراز «سكود» ضد مدينة حلب وضد تجمعات فقراء الشعب السوري في الأحياء المحيطة بها فإنه غير مستبعد، إذا تواصلت الأمور على ما هي عليه حالياً، أن يستخدم الأسلحة «الكيماوية» بينما هناك وفي الإتجاه ذاته كل هذا الهجوم الكاسح الذي تقوم به إيران الخمينية ومعها حزب الله ثم وهناك الموقف الروسي الذي لا يقل دعماً ومساندة بل ومشاركة فعلية بالسلاح وبالخبراء والمواقف السياسية عن موقف الولي الفقيه علي خامنئي.. وهذا في الحقيقة يدعو للتساؤل عمَّا إذا كانت هناك مؤامرة وعمَّا إذا كانت هناك تسويات وإن مؤقتة بين الولايات المتحدة ومن معها وبين موسكو.. وعمَّا إذا كان الشعب السوري سيتلقى المزيد من خناجر الغدر في الظهر وفي الخاصرة وعمَّا إذا كانت هذه الثورة العظيمة الواعدة ستصبح ثورة مغدورة!!

الرأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى