صفحات الثقافة

جائزة “مان بوكر” لعام 2013 لإلينور كاتن

الكتّاب الذكور يُسألون عما يفكّرون فيه

فيما تُسأل الكاتبات عمّا يشعرن به

إعداد وترجمة فوزي محيدلي

أن تكون الكاتبة شابة نيوزيلندية في عمر الثمانية والعشرين وتضع مؤلفاً ينضح بلغز من التاريخ، وأسلوب يستثمر الفلك ضمن صفحات تفوق الثمانمئة (832 صفحة)، ومن ثمّ تربح أرفع جائزة أدبية في بريطانيا، فهي لا شك امرأة “ظاهرة”. هذا ما غدته إلينور كاتن ليلة الثلاثاء 15 تشرين الأول من هذا العام.

لدى صعودها الى المنصة لتسلم الجائزة قالت كاتن: أمر مهم كون “لجنة التحكيم تجاوزت مسألة عمري”، “أشعر بالشرف وبالفخر لأن أعيش في عالم حيث لا تتدخل سيرة الشخص في طريقة النظر الى عمله”.

هذا العمل المنطوي على حكاية ملحمية من الحب والجريمة والتآمر والخداع، يتموضع في نيوزيلندا ستينيات القرن التاسع عشر، أيام حمى الذهب في تلك البلاد. وقد تفوقت تلك المرأة الشابة على مؤلفين مكرسين من أمثال كولم تويبين الايرلندي (67 سنة) والانكليزي جيم كريس (في ستينيات العمر كذلك).

قال رئيس لجنة التحكيم روبرت ماكفارلين: “عمل أخّاذ، عمل ألمعي. انه مترام من دون حشد. يمكن مقاربته كلغز لجريمة مع ما يشبه استحضار الأرواح، ومع وجود الجثث، والمرافعات القضائية والأحاجي. ولا بد من الاعتراف أن المسرات التي تولدها هذه الرواية من خلال تلك الطرق ليست بالقليلة أبداً”.

بدورها وصفت لجنة “مان بوكر” العمل على أنه “بكل بساطة برّاق، رواية ذات حرفة عالية وقلب رقيق”.

هذه هي رواية كاتن الثانية، أما روايتها الأولى “التمرين” (2008) فتتعامل مع ردات الفعل تجاه علاقة بين أستاذ ذكر وبين فتاة في مدرسته الثانوية.

الحبكة والأسلوب

تدور أحداث الرواية في عام 1866 وتبدأ مع وصول وولتر موودي الى نيوزيلندا ليحقق لنفسه ثروة من مناجم ذهب البلد. يلتقي صدفة في فندق بلدة هوكتيكا باجتماع متوتر لاثني عشر رجلاً من المحليين الذين التقوا سراً لمناقشة سلسلة من الجرائم غير المحلولة، ثمة مثلاً رجل غني اختفى، وبنت هوى حاولت الانتحار، فضلاً عن ثروة طائلة وجدت في منزل سكير لا حظ له. وسرعان ما ينخرط وولتر داخل اللغز ليواجه بسلسلة من الأقدار أو المصائر هي من مثل تعقيد وغرابة سماء الليل.

ولفهم الحبكة لا بد من قراءة ما قاله رئيس لجنة التحكيم ماكفارلين في كلمته: “العمل يستمد قوته من صراع غريب بين الإكراه القسري وبين الاهتداء: بين صفحاته، يتفاعل الرجال والنساء تبعاً لأقدارهم الثابتة، فيما الذهب، كرقاقات وكتل وقطع معدنية، وسبائك، لا يني يغير أشكاله في ما حولهم”.

من جهتها قالت إلينور كاتن في الحفل: لدى كتابة العمل كان لديَّ سؤال أود طرحه، ولا أراني حتى الآن أجبت على ذلك السؤال بشكل محدد. السؤال يتعلق بمعرفة الذات ومدى الدرجة التي تعمل معرفتك فيه بقدرك أو مصيرك على افسادك كشخص. العديد من الشخصيات في الكتاب منهمكون في ماضيهم أما في ما خص الأسلوب فيقول ماكفارلين: “انه مشبوك بشكل جميل، دون ضوضاء ادعائية. إنه عمل تجريبي لكن دون اسقاط، بأي حال، لفضائل السرد التقليدي. انها قصة “آسرة بشكل غير عادي”.

مقابلة بعد الجائزة

بعد مرور 12 ساعة على نيلها جائزة مان بوكر أجرت شارلوت هيغينز من “الغارديان” المقابلة التالية مع الروائية كاتن.

[ مع الجائزة تأتي تلك البركة الملتبسة، والشهرة، لكنك تبدين منزعجة من المعاملة غير المتساوية التي تعطى للرجال والنساء في عين الجمهور أو لنقل في العلني؟

ـ لفت نظري أن الكتّاب الذكور يُسألون عما يفكرون فيه فيما تُسأل الكاتبات عما يشعرن به. ضمن تجربتي، وتجربة كثيرات من الكاتبات، تميل معظم الأسئلة الموجهة إليهن خلال المقابلات لأن تكون حولى مدى تمتعهن بالحظ لأن يكن حيث وصلن. إذن، حول الحظ والهوية وكيف طرقت الفكرة بابهن نادراً ما يشغل صحافيو المقابلات أنفسهم بالمرأة كمفكرة جدية، أو فيلسوفة، وكشخص له انهماكات تدعمه لمدى الحياة”.

[ ثم هناك مسألة شبابك (صغر عمرك)؟

ـ مع أن كتاب “اللامعون” لقي استقبلاً جيداً في بريطانيا، إلا أنه كان عرضة لاستقبال ينطوي على “تنمر” (استضعاف) من مراجعين نقديين ذكور ينتمون الى جيل أكبر سناً لا سيما في نيوزيلندا. الأشخاص الذين اتسمت ردة فعلهم السلبية بكونها الأكثر اتقاداً وعنفاً، كانوا ممن تجاوزوا الخامسة والأربعين.

أحد الأشياء التي تتعلمينها في المدرسة في خصوص “التنمّر” على الآخر هو أن هذا له دائماً علاقة بذاك الآخر أكثر مما بك أنتِ. لا أعتقد أن لعمري شأناً بما بين دفتي الكتاب، حتى أكثر من كوني أكتب باليد اليمنى مثلاً.

[ هل العمر وحده هو الذي أثار حفيظة البعض الذي ذكرت؟

ـ أعتقد أن الأمر يتعلق بكوكبة معيّنة من الأسباب تضم العمر، والجندر فضلاً عن الطبيعة الخاصة للرواية التي أثارت بمجموعها شعوراً بالانزعاج من قبل بعض النقاد الذين رأوا أن جرأتي بلغت حد الوقاحة من خلال وضع كتاب طويل يأخذ من وقت الناس. ثمة في فحوى قولهم ما معناه: من تعتبرين نفسك؟ لا يمكنك فعل ذلك. وثمة أمر آخر له علاقة بالمسألة يتمثل بتلاوة الرواية عبر الشخص الثالث. وهذا ينطوي بدوره على المعنى التالي: حسناً، يمكننا السماح بذلك إذا صدر عن رجل فوق الخمسين، لكن لا نقبل أن يحدثنا عما ترويه شخص مثلك (في مثل عمرك).

[ تتصرف الشخصيات تبعاً لتحركات النجوم والأبراج الفلكية حسبما هي عليه ابتداء من 27 كانون الثاني لعام 1866 (يصاب وولتر موودي بحمى البحث عن الذهب في نيوزيلندا). في الوقت نفسه، الرواية مقسمة الى 12 جزءاً (ثمة اجتماع لإثني عشر رجلاً يمثلون الأبراج الفلكية) وكل جزء هو نصف طول الجزء الذي يليه. هكذا تتهادى الرواية متضائلة صوب النهاية.

هذا القانون من التنظيم، كل فصل تسبقه خريطة فلكية وكل شخص يمثل برجاً سماوياً، قد يبدو خادعاً بل اصطناعياً في حال وصفه، لكن كامل الأبراج ليست إسقاطية على الرواية بل هي عضوية الانتماء الى أفكار الرواية. المفارقة هي أن العلاقة، هي من جهة، بين الشخصيات كونهم أسياد قدرهم ومن جهة أخرى بين أن تكون تلك الأقدار مرسومة سلفاً. البنية الفلكية هنا أشبه بالتركيبة التي قد يعمل عليها المؤلف الموسيقي، باخ مثلاً والتي تستكشف الأنماط والأنظمة في عملها.

[ يرى البعض أن الشيء المنمق أو المشغول بتعمد بنيوياً هو أقل مستوى من غير المشغول؟

ـ هذا أمر يصيبني بالذهول. أكثر ما أشعر به كشخص أني حيّة وانسانوية ومليئة بالاعجاب حين أتأمل التعقيدات. قدرة البشر على قراءة المعنى داخل التراكيب أو الأنماط هي أكثر صفة مميزة لنا.

[ قال أحد أعضاء لجنة التحكيم للجائزة الناقد ستيوارت كيلي إن ما ميّزك هو قدرتك على جعل الرواية تفكر بطريقة لا تفعله الرواية عادة، طريقة جعل علم الفلك والرأسمالية تدخلان الموقف كنظامين متنافسين للتعامل مع العالم. كونِك ابنة فيلسوف كيف أثّر ذلك عليك؟

ـ تشكل لي الرواية أداة للتفكير عبرها، كما للشعور بواسطتها. هي بنظري مركبة لحمل الفلسفة على نحو أفضل من القياسات والتركيبات المنطقية.

[ ما أكثر ما تحبينه في الرواية؟

ـ أكثر ما أحب بخصوص الرواية هو مقاومتها للانغلاق أو حسم النقاش ووجودها، اذا شاء القارئ ذلك، لمقابلة ممكنة مقابلة الشبه بلقاء بإنسان ما.

مقتطف من “اللامعون”

لدى ترك جوزف بريتكارد مكتب السيد نيلسين، لم يتوجه مباشرة الى مختبره في شارع كولينغوود. شق طريقه الى الغريديرون، واحد من ستين أو سبعين فندقاً على جانبي شارع ريفيل الموجود في جزء ذلك الشارع الأكثر احتشاداً بالناس وحيوية.

شكلّت هذه المؤسسة (بلونها الأصفر الفاتح ومصاريع نوافذها الخادعة، والتي بانت عن واجهة فرحة حتى مع تساقط المطر)، شكلت مكان اقامة مألوفاً للآنسة آنّا ويزيريل. ومع أنه لم تكن من عادة الأخيرة التجاوب كثيراً مع المتصلين في مثل هذا الوقت من اليوم، فإنه لم يكن من عادة بريتكارد انجاز أعماله إلا تبعاً لجدوله الخاص به. داس الرجل الدرجات بقوة وفتح الباب من دون أي ايماءة سلام الى الذين على الشرفة، الجالسين في صف فيما أحذيتهم على الدرابزين مشغولين بقص وتنظيف أظافرهم وبصق التبغ صوب الوحل. نظروا اليه بشيء من التسلية فيما هو يمرّ صوب الردهة ملاحظين فيما الباب انغلق مع ضربة مكتومة خلفه أن ثمة رجلاً قرّر بلا ريب بلوغ منتهى أمر ما.

لم يكن بريتكارد قد التقى بآنّا لأسابيع عدة. لم يكن قد سمع بمحاولة انتحارها إلا من شخص ثالث، عبر ديك مانيرنيغ، الذي اعتمد بدوره على ذكاء السيد آه سوك الصيني الذي أدار مختلى الأفيون في كانيير. عادة ما تمركز عمل آنّا في كانيير التشانيا تاون، ولهذا السبب عُرفت بين العامة بآنّا “الرجل الصيني” لقب أساء الى اسمها في بعض الدوائر فيما قوّاه في أماكن أخرى. لم يكن بريتكارد من أي من المعسكرين فاهتمامه ضئيل جداً بالحياة الخاصة للآخرين، لذا لم يشعر لا بالدغدغة ولا بالنفور بأن بائعة الهوى كانت محبذة بشكل خاص في مختلى آه سوك وأن قرب موتها، كما أُخبر مانيرنيغ بريتكارد لاحقاً، كاد يتسبب بإصابة الرجل بالهستيريا.

لم يكن مانيرنيغ يتكلم لغة أهل الكانتون، لكنه يعرف معنى عدد من الكلمات المكتوبة، بما في ذلك كلمات معدن، يريد، يموت ما يكفي لإجراء مكالمة عبر أحرف تصويرية بمساعدة كتاب الجيب خاصته الذي أبلاه الاستعمال حتى صار صاحبه قادراً على اجراء تلميحات ضمنية بلاغية متطورة عبر تصفح الأوراق والاشارة بأصابعه الى خصام سابق مثلاً، أو تسوية سابقة، أو عملية بيع سابقة).

ما أزعجه أن آنّا لم تتصل به بنفسها. كان صيدلياً، وهو كان بالنسبة لمختليات الساحل الغربي المزود الوحيد بالأفيون ضمن منطقة جنوب نهر الغراي. الى ذلك في ما خص تناول جرعة زائدة، كان خبيراً. كان عليها الاتصال به، أن تطلب نصيحته. لم يعتقد بريتكارد أن آنّا حاولت انهاء حياتها. لم يصدّق ذلك. كان متأكداً بأنها أُجبرت على تناول المخدر ضد إرادتها، أو أن المادة استُبدلت بهدف ايذائها. حاول استرداد بقية الكتلة من المختلى الصيني، ليفحصها بحثاً عن آثار سُم لكن “آه سوك” استشاط غضباً للاستجابة لهذا الطلب معلناً قراره الغاضب (ثانية عبر مانيرنيغ) عدم التعامل ثانية مع الصيدلي، لم يكترث بريتكارد للتهديد، لديه العديد من الزبائن في هوكيتكا، وبيع الأفيون لم يشكل سوى نسبة ضئيلة جداً من عائداته لكن فضوله المهني بخصوص الحادث لم ينطفئ بعد. عليه الآن سؤال المرأة بنفسه.

لم يكن المالك موجوداً حين دخل بريتكارد ردهة فندق غريديرون وشعر وكأن المكان يوحي بصليل مندثر… كان ثمة وصيف أو خادم يتكئ على مكتب ويقرأ عدداً قديماً من مجلة “الييدر” متلفظاً في الوقت نفسه الكلمات ومتابعاً إياها برأس إصبعه مع قراءته كل سطر… رفع رأسه مؤمئاً للصيدلي حال مروره، رمى بريتكارد قطعة شيلنغ صوبه، التقطه الآخر بمهارة ومرره فوق قفا يده “ثمة أحد قادم”، نادى الصبي فيما شرع بريتكارد بصعود الدرجات، فما كان من الأخير إلا ان أصدر ضحكة مع شخرة. بمقدوره التحول الى القسوة حين تُظلم روحه، والآن كان يشعر بالقسوة. كان الرواق ساكناً، لكنه وضع أذنه على باب آنّا ويزيريل وأطرق للحظة قبل أن يقرع.

كان تخمين هارالد نيلسين صحيحاً بأن علاقة بريتكارد بآنّا كانت أكثر مكابدة ومصدراً للعذاب من علاقته هو بها، بيد أنه كان على خطأ بأن الصيدلي واقع في حبها. واقعاً، ذوق بريتكارد في المرأة كان أرثوذوكسياً أو تقليدياً، وحتى أنه يميل الى الصبايا. كان أقرب الى الوقوع في حب فتاة تعمل في ملبنة ما أن ينجذب الى بنت هوى حتى مهما بدت العاملة باردة أو كانت بنت الهوى مثيرة. كان يقدّر النقاء والبساطة، الملابس البسيطة، الصوت العام، الارادة السهلة، مع القليل من الطموح، مما ينطوي طبعاً على شيء من التناقض. امرأته المثالية تناقض شخصه بشكل كامل. يجب أن تكون ملمة حيث يخفق هو ومتماسكة حيث يفشل كما وأنها يجب أن تكون ملاذاً. أرادها رمحاً من نور، شاءها سلوى، بركة. أما آنّا ويزيريل فبكل الافراط أو السكر الذي يغشاها بدت أشبه به. وهو لم يكرهها لذلك بالتحديد بل أشفق عليها.

بالإجمال كان بريتكارد مغلق الفم في ما خص الجنس اللطيف. لم يستمتع بالحديث عن النساء مع غيره من الرجال، وهذه كممارسة هي باعتقاده أشبه بالتهريج أو النهيق. كان يحتفظ بالصمت وتبعاً لذلك اعتبره أصحابه من دون عيوب، فيما اعتبرته النساء عميقاً ولغزياً. لم يكن غير وسيم، وعمله في حال جيدة. كان من الممكن اعتباره العازب الأكثر تأهلاً، لو أنه عمل أقل وغامر في الدخول الى المجتمع أكثر. لكن بريتكارد كان يكره المجموعات الكبيرة من الصحبة، حيث المطلوب من كل رجل العمل كمندوب للجنس الخاص به، ويقدم مزاياه بشكل لعوب تحت تمحيص الموجودين. تشعره التجمعات الكبيرة بالاختناق والانزعاج. كان يفضل الصحبة الوثيقة، والقليل من الأصدقاء التي يخلص لها بشراسة، كما كان مخلصاً لآنّا بطريقته الخاصة. الألفة التي كان يشعر بها حين يكون معها سببها واقع أن الرجل غير مضطر لمناقشة أمر بنات الهوى الخاصة به مع غيره من الرجال. بنت الهوى أمر خاص، وجبة تؤكل على حدة. إنها هذه الوحدة ما كان يبحث عنه في آنّا. شكّلت وحدة خاصة له، وحين يكون معها، كان يحتفظ بمسافة عنها.

أحب بريتكارد مرة واحدة فقط في حياته، وقد مضت ستة عشرة سنة منذ أن تحولت ماري مينزيس الى السيدة ماري فيركين، وانتقلت الى جورجيا لتتابع حياة شغلها الشاغل القطن والأرض الحمراء، وما تخيله بريتكارد لها هو بمثابة بطء مكلف مصنوع من الثروة والسماء الخالية من الغيوم. لم يكن يدري اذا كانت قد قضت وما اذا كان السيد فيركين لم يزل حياً وسواء رزق بأولاد، وما حل بهم، سواء هرمت من دون مرض، أو هرمت بشكل سيء، لم يدر بذلك. كانت لم تزل ماري منزيس في ذهنه. حين رآها آخر مرة كانت في الخامسة والعشرين، ترتدي الموسلين البسيط ذا الأغصان فيما شعرها معقوص صوب صدغيها، أما معصماها وأناملها فليست مزينة بشيء. كانا يجلسان قرب أصيص نافذة، ويودعان بعضهما.

“يا جوزيف”، قالت (كتب ذلك فيما بعد على كتاب الجبيب خاصته ليتذكر كلامها كل الوقت)، “يا جوزيف، لا أعتقد أنك كنت لمرة على وئام مع الطيبة. من الجيد أنك لم تقم علاقة جسدية معي. ستتذكرني بولع شديد. لو كنت نمت معي لاختلف الأمر.

سمع وقع أقدام آتية من الجهة المقابلة للباب.

“آوه، هذا أنت”. كانت هذه تحية آنّا من دون أي اضافة. بدت عليها خيبة الأمل: لا بد أنها كانت تنتظر شخصاً آخر.

خطا بريتكارد صوب الداخل من دون أن ينبس ببنت شفة، ثم أغلق الباب خلفه. قصدت آنّا بقعة النور المربعة التي قرب النافذة.

كانت ترتدي ملابس الحداد، لكن مع زي تقليدي للفستان (قسم التنورة على شكل جرس فيما الخصر مستدق ومزموم) ولون القماش باهت، ما جعل بريتكارد يفترض أنه لم يخاط خصيصاً لها: لا بد أنه عطية، أو من مخلفات امرأة قضت. كان أمراً مستغرباً رؤية بنت هوى في حداد الأمر أشبه برؤية رجل كهنوت متغندر أو طفل له شارب. هذا يتسبب بارتباك واحدنا، كما فكر بريتكارد بينه وبين نفسه.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى