جائزة نجيب محفوظ للسوداني حمور زيادة.. ومساءلة “المهدية”/ أسامة فاروق
أعلنت في القاهرة جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2014 وفاز بها الكاتب السوداني حمور زيادة عن روايته “شوق الدرويش” ليصبح الكاتب السوداني الأول الذي يحصل على الجائزة حاملة اسم أديب نوبل.
الاحتفالية التي أقيمت في القاعة الشرقية بالجامعة الأميركية بميدان التحرير، بدأت بكلمة افتتاحية للدكتورة تحية عبد الناصر، تبعها خطاب الفائز، الذي أثنى زيادة على التراث السوداني الغني وقال: “ما حاولت رواية “عشق الدرويش” تقديمه هو جزء من قصص “بلد الرجال ذوي الوجوه المحروقة”، قصص المعاناة والأحلام والطموح والهزائم والتاريخ والأساطير”. وخصّ زيادة لجنة التحكيم بالتحية على اختيار روايته لتنضم لقائمة من الأسماء اللامعة في الأدب العربي حصلت على هذه الجائزة، من بينهم يوسف إدريس، وخيري شلبي، وإدوارد الخراط، وإبراهيم عبد المجيد، وغيرهم “ممن أتشرف بالانضمام لقائمتهم كأول كاتب سوداني”.
أما لجنة التحكيم فلم تُشد بتنويع المؤلف للشخصيات والأحداث فحسب، بل بـ”الثراء الملحمي” الذي يظهر من خلال السرد، فالرواية تصور الدمار الذي سببته الانتفاضة المهدية، وتتألق في سردها لعالم الحب والاستبداد والعبودية والثورة في السودان، “تتشابك علاقات القوى على المستويين الإقليمي والمحلي منذ اندلاع الثورة المهدية وحتى سقوط الخرطوم، وتتناول لوحة متعددة الألوان وواسعة النطاق من الشخصيات والأحداث لترسم صورة لزمان ومكان غير مألوفين لمعظم القراء، في تناغم رائع وثري ما بين السرد والأشعار والأغاني والفلكلور والوثائق التاريخية، والتراتيل المسيحية، والصوفية، وآيات من الكتاب المقدس والقرآن، وحتى الكتابة عن الكتابة ذاتها”.
تسرد الرواية رحلة أبطالها الثلاثة الذين ربطتهم أقدارهم بأحداث جسام، في خرطوم أواخر القرن الثامن عشر، ليكونوا شهوداً على عبثية الحياة التي تفرّقهم ثم تلقي بهم في نهايات متشابهة، يقودهم إليها السؤال العتيد عن معنى الإنسان.
رواية “شوق الدرويش” الصادرة عن دار “العين” والمرشحة أيضا للمنافسة على جائزة “بوكر”، هي العمل الرابع لحَمُّور زيادة، إذ نشر قبلها مجموعتين قصصيتين: “سيرة أم درمانية” و”النوم عند قدمي الجبل”، إضافة إلى رواية “الكونج”. وكما وصفها النقاد، فإن “شوق الدرويش” تمثل نموذجاً للرواية التاريخية الناضجة، ذلك أنها لا تعود إلى الماضي إلا لتطرح أسئلة الحاضر الملتبسة، ورغم أن المؤلف يعيد في روايته تفكيك وتركيب الزمان والأحداث، ويتحرك كيفما شاء بين الماضي والحاضر ذهابا وعودة، إلا أن الرواية تحتفظ بتماسكها، وبأجوائها الخاصة الغريبة، وبتأثيرها القوى.
عبر شخصيات رئيسة ثلاث، يجدل زيادة قصة الحب والموت والإيمان وتساؤلات الحرية بحذق يجعله يغطي فترة واسعة وغنية بالتفاصيل من تاريخ المهدية، على الرغم من التوتر والحساسية التي تعتري تناول هذه الفترة نظراً إلى الاختلاف بين من يرونها ثورة وطنية طردت الاستعمار التركي لكن تم تشويهها من قبل المؤرخين الأجانب، والفريق الآخر الذي ينظر إليها بوصفها حقبة من الإرهاب والقتل والترويع بسبب التطرّف الديني، وذلك بالاستناد إلى الروايات الشفهية المحلية وما سطّره الناجون من الأسرى المصريين والأوروبيين.
يقول عنها الناقد محمود عبد الشكور: رواية كبيرة حقاً بحجم أسئلتها، بدرجة نجاحها الفني، وبهذه المستويات البارعة في قراءة التاريخ، إنها رواية عن عصرنا بقدر ما هي رواية عن زمن قديم، يسمو الإنسان بالقلب وبالعقل وبالروح، ويسقط بالانتقام وبغياب العقل والتسامح، يتحرر بالحب حتى إذا كان عبداً، ويستعبده الانتقام حتى لو كان حراً، نمتلك عاطفة تجعلنا نستدعي الجنة إلى الأرض، ونمتلك غرائز وشهوات وضلالاً يجعل من حياتنا جحيماً مستعراً، حتى مع سطوة القدر، لابد أن نصمد بشجاعة. تقول رواية “شوق الدرويش” على لسان بخيت: “ليس العالم إلا من نحبهم، إن فارقناهم فارقنا العالم”، وتقول على لسان ثيودورا: “الإنسان كائن وحيد. مهما أحاط به ضجيج البشر.لا يمشي معه درب وجعه سواه”، وتختتم الرواية بكلمات ابن عربي: “..والعشق داء في القلوب دفين”، وليست التراجيديا فى جوهرها الإ تجسيداً لوجع إنساني لكائن وحيد مشى وراء أشواق قلبه كالدروايش، فحصد الخيبة، ذلك أن بين المثال والواقع هوة لم نستطع أن نردمها أبدا.
الجائزة، تمنحها الجامعة الأميركية سنوياً منذ العام 1996، تكريماً لاسم نجيب محفوظ، في 11 كانون الأول/ديسمبر من كل عام، لدعم ترجمة الأدب العربي المعاصر. ويحصل الفائز على ميدالية فضية ومبلغ مالي رمزي قدره ألف دولار، كما تتم ترجمة العمل الفائز إلى اللغة الإنكليزية، من خلال مراكز الجامعة الأميركية للنشر في القاهرة ونيويورك ولندن.
ضمت لجنة التحكيم هذا العام الدكتورة تحية عبد الناصر، أستاذة الأدب الانكليزي والمقارن في الجامعة الأميركية بالقاهرة، والدكتورة شيرين أبو النجا، أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة؛ والدكتورة منى طلبة، الأستاذة المساعدة للأدب العربي بجامعة عين شمس، وهمفري ديفيز، المترجم البارز للأدب العربي؛ والدكتور رشيد العناني، أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة إيكستر.
فاز بالجائزة العام الماضي الكاتب السوري خالد خليفة، ومن قبله: الراحلة لطيفة الزيات، والراحل خيري شلبي، وإبراهيم عبد المجيد، ومريد البرغوثي، وعزت القمحاوي.
حمور زيادة من مواليد أم درمان – السودان العام 1977، درس تقنية المعلومات وعلوم الكومبيوتر، وتخرج العام 2002، عمل باحثاً فى مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ثم عمل في الصحافة السودانية، وتولى مسؤولية إصدار الملف الثقافي لصحيفة “الأخبار” السودانية. غادر السودان نهاية العام 2009 للإقامة في القاهرة.
المدن