جدل علماني و”المدى”: وكيلة ماركيز تتدخل لوقف القرصنة/ عمار أحمد الشقيري
تُظهر وثائق حصلت عليها “ضفة ثالثة” أُرسلت من وكالة كارمن بالثيس – الوكالة التي تحتفظ بحقوق أعمال غابرييل ماركيز- إلى الأستاذ محمد رشاد (رئيس اتحاد الناشرين العرب) تناشد الاتحاد باتخاذ موقف ضد كل الجهات التي نشرت أعمالا لوكيلها دون اتفاق، قبلها وفي حديث قصير مع إكرام أنطاكي لصالح مجلّة الكرمل، العدد الثالث صيف 1981 كان ماركيز يشتكي: “إنَّكم تنشرون كتبي باللغة العربيّة، وأنا أبحثُ عنكم للمحاسبة”. فيما اشتكت زوجة بارغاس يوسّا، دونيا باتريثيا من نفس الموضوع، من هنا تفتح ضفة ثالثة ملف حقوق المؤلفين الأصليين لهذه الترجمات، وتسلّط الضوء تحديداً على ما يجري من خلافات بين دار المدى-متهمة بعدم دفع حقوق مؤلفين- والمترجم الذي أنجز ترجمات هؤلاء المؤلفين صالح علمانيّ، ودار التنوير التي أعادت طباعة هذه الأعمال محطّ الخلاف.
تسلسل الأحداث
ظهرت قصّة الخلاف بين المُترجم صالح علمانيّ ودار المدى للثقافة والنشر للعلن يوم الثامن من الشهر الجاري آب/ أغسطس، حين طالب علماني في منشور له على صفحته في “فيسبوك” الدار بحذف اسمه “عن جميع الأعمال التي ترجمها لها ما دامت تطبعها قرصنة وبلا احترام لحقوق مؤلفيها”، مُعلّلاً ذلك بأنَّه يرفض ربط اسمه “بسرقات دار المدى”. ردّت دار المدى في بيان لها بتاريخ 10 آب/ أغسطس، بعنوان: “المدى تضع المترجم صالح علماني والمتعاطفين معه أمام ما يفند مزاعمه وتقاضيه”. معتبرةً ما يجري “حملة تشهير وتعريض”، حيث هدّدت في البيان بالتوجه “للاحتكام أمام القضاء لملاحقته”. قبل التاريخين وفي يوم الثالث من يونيو/ حزيران كانت دار التنوير تعلن عن صدور أول طبعة شرعية (مرخصة) لمائة عام من العزلة، وهي الرواية التي صدرت في 2005 عن دار المدى.
ليس لعلماني حقوق ولا للمدى
يؤكّد بيان دار المدى أنَّ علماني كان يُوحي للدار أنَّه “يحمل موافقات المؤلفين لترجمة بعض الأعمال، وأنَّه حصل على بعضها “دعم ترجمة”. الأمر الذي ينفيه علماني في حديث لضفة ثالثة، مؤكّداً: “إن من واجب الدار لا المُترجم الحصول على حقوق النشر”، ويضرب مثالاً على ذلك: أخبرت “دونيا باتريثيا زوجة بارغاس يوسا بأنَّني فخور بما فعلت. ردّت باتريثيا يومها: معك كل الحق، وهذا دور الوكيل الأدبي، وسوف يلاحقهم الوكيل الأدبيّ.
يُضيف علماني، أنا أطالبهم باحترام حقوق المؤلفين أو حذف اسمي عن أغلفة كتبهم المقرصنة، أما عن مطالبه الماليّة مع الدار فهو يؤكد أيضاً أن ليس له حقوق عندها. وفي تعليقه على توقيت هذه المطالبات، ولماذا الآن، ولم يُطالب بها من قبل، سيردّ: التقيت بموظفة من وكالة كارمن بالثيس في شهر مايو/أيار، في معرض الكتاب بأبو ظبي. وعلمت منها أن دار المدى لا تلتزم بالحقوق الأدبية والفكرية للمؤلفين. وقالت إنها تفاوضت مع دار المدى من أجل تسوية أوضاعهم والتحول إلى دار تعمل وفق القانون، ولكنهم رفضوا ذلك وأصرّوا على مواصلة القرصنة، على حدّ تعبيره.
حاولنا الاتصال والاستفسار من دار المدى، غير أنَّها لم تجب عن الأسئلة، أعدنا الكرة مرّة ثانية ولم تلتفت للأسئلة، ويبدو أنَّها تلتزم بما جاء في البيان، الذي عرضَ اتفاقيّات مع وكلاء مؤلفين مثل جوزيه ساراماجو، وأورهان باموك، وآخرين للتدليل على سلامة موقفها مع بعض المؤلفين، غير أنها لم تعرض أي اتفاق بما يتعلّق بمؤلفين آخرين مثل أعمال ماركيز، وهي مثار الجدل في هذا الخلاف.
رسالة وكيلة ماركيز
حصلت ضفة ثالثة على وثائق من وكالة “كارمن بالثيس – وكيلة أعمال ماركيز- مؤرخة بتاريخ 21/4/2017، يظهر من خلالها أنَّها تمنح دار التنوير حقاً حصريّاً بالنشر لترجمات أعمال ماركيز( مائة عام من العزلة، الحبّ في زمن الكوليرا، خريف البطريرك، والجنرال في متاهته) لمدة ست سنوات.
وتُظهر الوثائق الموجهة إلى الأستاذ محمد رشاد (رئيس اتحاد الناشرين العرب) مُناشدة من قبل الوكالة للاتحاد باتخاذ موقف ضد كل “المقرصنين” لهذه الروايات، وتوضح أن حقوق نشر الترجمة هي لدار التنوير. مع إشارتها أيضاً إلى أنَّها على علمٍ بما هو غير شرعي من نشر ترجمات أعمال وكلائها.
يبقى جزء من القضيّة غير مُعلن، عند دار المدى، ترفض الإفصاح عنه كي لا “يُضعف موقفها أمام القضاء، فكل ما كتبه علماني يدخل في باب الشتم والتشهير وتشويه المواقف والتلفيق، مما ينبغي أن يعالجه القضاء وليس بالأسلوب الذي اعتمده صالح علماني”، هذا كما جاء في بيان الدار. والذي أكّد التفاف علمانيّ “على حقوق المدى المبرمة بعقود ضامنة، ستنشرها ليطلع عليها القراء ومن تعاطف معه دون التمعن في ادعائه أو انتظار الرد على مزاعمه المغرضة”.
الناشر أم المُترجم؟
يذهب صالح علماني خلال حديثه لضفة ثالثة إلى أنَّ المعنيّ بالحصول على حقوق نشر ترجمات الأعمال دار النشر، وتذهب دار المدى إلى أنَّ علماني “أوحى للمدى أنه يحمل موافقات المؤلفين وأنه حصل على بعضها “دعم ترجمة”. تبقى الاتهامات بين الطرفين، فيما هدّدت دار المدى بأنَّها ستواصل بكل الوسائل القانونية والمهنية الأخلاقية ملاحقة الأطراف المتعدية على حقوقها: المترجم صالح علماني، ليس على انتهاكه العقود المبرمة مع دار المدى فحسب، بل على حملته المغرضة للإساءة إلى سمعة الدار والتشهير بها. والناشر العربي على انتهاكه ملكية حقوق الغير والتواطؤ في تشجيع المترجم على هذا الانتهاك”.
تؤكّد دار التنوير في مراسلة معنا أن لا حقوق نشر ترجمات لأعمال ماركيز شرعيّة غير ما حصلت عليه هي، وأنَّها “حصلت على حقوق ترجمة ونشر كتب ماركيز باللغة العربية بموجب عقد موقّع من زوجة ماركيز، الوكيلة القانونية للحقوق” وتضيف أنَّه لم يسبق لأحد أن حصل على حقوق نشر أعمال ماركيز بالعربية قبلنا، وهو أمرٌ مؤسف أثاره ماركيز نفسه أكثر من مرّة وتحدّث عن نشر كتبه بالعربية من دون حقوق. وهذا ما يؤكده علمانيّ أن الاتفاق الذي وقّعه مع التنوير لم يتلقَّ بموجبه إلّا أجورا رمزيّة فقط، وأنَّ دافعه ليس ماديّاً. والمدى تقول إنَّها تحترم حقوق الناشر الأجنبي، وتدعو هؤلاء الناشرين إلى احترام حقوقنا في حيازة الترجمات وعدم تشجيع تعدي المترجم المتجاوز على هذه الحقوق ومواصلة سلوكه السابق.
الحقوق
تفتح قضيّة الخلاف هذه بين دار المدى، ودار التنوير، والمُترجم صالح علماني، ووكيلة أعمال ماركيز الجدل حول حقوق نشر الترجمات لأعمال عالميّة في الوطن العربيّ، وفي حين لا تتوافر أرقام دقيقة حول حجم التجاوزات، فإنَّ الشواهد التي اشتكى فيها مؤلفون عالميون من قرصنة أعمالهم في الوطن العربيّ كثيرة.
تنصّ المادة 8 من اتفاقية “برن” لحماية المصنفات الأدبيّة والفنية على “يتمتّع مؤلفو المصنفات الأدبيّة والفنيّة الذين تحميهم هذه الاتفاقيّة بحق استئثاريّ في ترجمة أو التصريح بترجمة مصنفاتهم طوال مدة حماية ما لهم من حقوق في المصنفات الأصليّة”، غير أنَّ سؤالا هنا يُطرح، عن مدى التزام الكثر من دور النشر بهذه الاتفاقيات، بالإضافة إلى قضيّة أخرى تتعلق بأجور المُترجمين والعقود الموقعة مع دور النشر في الوطن العربيّ.
قامت دار المدى بنشر قائمة بمؤلفات من 46 عنواناً قام علماني بترجمتها وصدرت عن دور نشر مثل الفارابي، الأهالي، وزارة الثقافة السوريّة، وكتبت المدى أنَّ هذه القائمة نشرت دون الحصول على حقوق نشر، في محاولة منها للتدليل على نهج علماني بالترجمة، الأمر الذي يفتح سؤالا سيأتي ردّه من قبل علماني فيما يتعلّق بقضية مشابهة لقضية أعمال ماركيز:” قلتُ مرةً لدونيا باتريثيا زوجة بارغاس يوسا: أنا فخور بما فعلت. أما الحقوق فطالبي بها دار النشر. قالت: معك كل الحق، وهذا دور الوكيل الأدبي وسوف يلاحقكم الوكيل الأدبي”.
أخيراً، يُشار إلى أنَّ أعمالاً عالميّة تُنشر ترجماتها للعربيّة في أكثر من طبعة، وفي مثال على ذلك تُرجمت مائة عام من العزلة عن طريق المصري سليمان العطّار (دار آفاق)، (سعاد الصباح)، ودار دانية للنشر والتوزيع بدون اسم مترجم 1991، سامي الجندي عن دار الجندي، 2009، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2016، (حدث خلاف بين المدى وقصور الثقافة انتهى بوضع لوغو الدار على الطبعة)، محمد الحاج خليل(المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، صالح علماني عن دار المدى 2005، وأخيراً التنوير – وكما تدّعي الدار- هي الطبعة الشرعية الأولى والمرخصّة 2017. وبين هذه الإصدارات ثمة العشرات من الطبعات غير المُرخصّة والمسروقة عن طبعات بالأصل هي مسروقة.
ضفة ثالثة