حسين العوداتصفحات سورية

جديد الرئيس الأسد القديم


حسين العودات

ألقى الرئيس بشار الأسد خطاباً قبل أيام أمام مجلس الشعب السوري ، وكان الجميع ينتظرون هذا الخطاب، ويفترضون أنه سوف يتناول تطور الأزمة السورية، والظروف المحيطة بها، وسيكون ذلك مدار الخطاب وشاغله الأكبر.

وكان من المفترض ، حسب رأي الشعب السوري والمراقبين أنه سيجيب على عديد من الأسئلة التي تتعلق بالأزمة السورية (واقعها، تطورها، ملامح حلولها) وغير ذلك، خاصة وأن الخطاب جاء بعد أن تطورت هذه الأزمة تطوراً مخيفاً، وربما انزلقت نحو التسبب بالفوضى والحرب الأهلية التي قد تتطور إلى حرب طائفية.

كما أشار معظم المراقبين (المعارضة، بان كي مون، كوفي عنان، ومعظم وزراء الخارجية الأوروبيين)، لهذه الأسباب ولغيرها، وللحاجة القصوى لوضع الأزمة السورية على طريق الحل، توقع الجميع خطاباً مهتماً بالوصف والتحليل واقتراح الحلول. ولكن يبدو أن الرئيس الأسد لم يحقق رغبات الشعب السوري أو المراقبين أو القوى العربية والدولية ذات العلاقة التي كانت تنتظر خطاباً مختلفاً، فلم يتضمن خطابه ما كانوا يتوقعون.

كرس الرئيس الأسد معظم خطابه، لمهاجمة عدة أطراف داخلية وخارجية، منها المعارضة الداخلية والخارجية والمنتفضين والحراك الشعبي والدول الإقليمية وعدد من الدول الأجنبية، وكان هجوماً عنيفاً ينم إما عن ضعف كبير أو عن شعور مفرط بالقوة. وفي الحالات كلها لم يترك هامشاً للتصالح مع هذه القوى، وكأنه أغلق الأبواب معها، وقطع الصلات.

وقرر أن يسد جميع الطرق الموصلة إليها.أشار الرئيس الأسد في خطابه إلى الحراك الشعبي والانتفاضة السورية على أنها تدخل خارجي تقوم به عصابات مسلحة ومواطنون مأجورون وإرهابيون وما أشبه ذلك، دون أن يشير إلى وجود أزمة داخل النظام وداخل المجتمع، أو يعتبر أن المنتفضين والحراك الشعبي يطالبون بحقوق مشروعة للشعب السوري.

ويهدفون إلى إقامة نظام سياسي جديد ديمقراطي تعددي يحترم معايير الدولة الحديثة، وقد وصل به الأمر إلى اعتبار المتظاهرين والمنتفضين مرتزقة، يأخذون أجوراً من الخارج للتظاهر وقتل الآخرين، ومن الملاحظ أنه لم يتجاهل فقط أسباب الأزمة وبنيتها وآفاق تطورها أو يقترح الحلول المناسبة لها بل تجاهل أيضاً مبادرة كوفي عنان، وهي المبادرة الوحيدة التي أجمع عليها الداخل والخارج وقبلتها المعارضة والعرب والغرب الأوروبي والروسي والصينيون، وكان تجاهله للمبادرة ملفتاً ومثيراً للانتباه.

يبدو من خطاب الرئيس الأسد أن السلطة السورية ما زالت حتى الآن، وبعد مرور خمسة عشر شهراً على الانتفاضة، تتجاهل أن تغييب حقوق الإنسان السوري هي سبب الحراك، كما تنكر وجود أزمة داخل النظام تحتاج إلى حل.

ويلاحظ أن الموقف الذي تضمنه خطاب الرئيس هو الذي صرحت به الناطقة باسم الرئاسة في الأسبوع الأول من الانتفاضة أي في مارس العام الماضي، حيث قالت إن هذه الانتفاضة هي من فعل تدخل خارجي وعصابات مسلحة ومندسين ومتمردين وما يشبه ذلك.

وعرض التلفزيون السوري في الأسبوع الثاني من انطلاقتها أسلحة وأموالاً قال ان السلطة وجدتها في الجامع العمري بدرعا، والأمر نفسه كرره الرئيس الآن في خطابه أمام مجلس الشعب. وكأن الظروف لم تتغير قيد أنملة خلال خمسة عشر شهراً.

هناك أمر لافت للانتباه في خطاب الرئيس وهو أنه ألقى بالمسؤولية في المخالفات والممارسات والارتكابات التي حصلت خلال قمع الانتفاضة على الأفراد وليس على المؤسسات التي ينتسبون إليها، أي أنه أراد القول إن هذه تصرفات فردية وليست سياسة مؤسسة أو سلطة.

ويعرف السوريون أن دخول البيوت وحرقها وسرقتها وتدميرها وقتل المواطنين المتظاهرين وغير المتظاهرين، هي أسلوب عمل وممارسات القوات الأمنية والعسكرية في سورية وليست نتيجة لتصرفات فردية، وهي نهج اتبع في جميع القرى والمدن والبلدات السورية دون أن تمنع السلطة أو المؤسسات ممارسته.

وبالتالي فالقول بأنه تصرف فردي فيه بعض المبالغة والبعد عن الواقع، فلا يمكن ممارسة التعذيب والقتل والنهب وإعطاء الحق للعسكريين ورجال الأمن بأن يعملوا ما يشاؤون خارج القانون، هو تصرف فردي من وراء ظهر المؤسسة والسلطة، ويبدو أن الرئيس أراد أن يبرئ سياسة السلطة من المجازر التي حدثت والتي كان آخرها (مجزرة الحولة). لم يتناول خطاب الرئيس بجدية الاهتمام بالحل السياسي .

وأكد مجدداً على الحل الأمني، ومر مروراً سريعاً على مقترح الحوار مع المعارضة، وأوحى بأنه يضع شروطاً لمن سيحاورهم من جهة، وأن الحوار هو أن يبدي هؤلاء رأيهم بالقوانين والمراسيم ( الإصلاحية) التي صدرت في هذا الإطار وتعديلها من جهة أخرى.

وبالتالي فإنه رفض واقعياً البحث في تغيير بنية النظام السياسي وتطويرها. وما على المعارضة حسب خطابه إلا أن تأتي طائعة لتطلب منه بعض التعديلات على إجراءاته (الإصلاحية)، هذا بعد أن اتهم معظم المعارضة ليس بقصر النظر والبعد عن المسؤولية الوطنية والحس الوطني فقط وإنما أيضاً بالتعامل مع الخارج.

باختصار كرر الرئيس بشار الأسد في خطابه أقوال السلطة ومواقفها التي تكررها منذ أكثر من عام، حتى أنه أعاد بعض العبارات التي وردت في خطاباته السابقة كما هي. ويبدو واضحاً رفضه لأي مشروع حل سياسي للأزمة السورية، واستطراداً رفضه لمبادرة عنان وللمواقف الأخرى ذات العلاقة، وأخيراً تأكيده المضمر بأنه لن يتراجع عن الحل الأمني قيد أنملة، ولن يقبل أية تسوية تاريخية أو سياسية، أو أي اتفاق من شأنه تفكيك الأزمة السورية وحلها، إلا حسب ما تراه السلطة القائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى