جماعة الإخوان المسلمين ـ دعوة إلى مراجعة فكرية شاملة/ د. عبد الحميد صيام
نعلن أولا، ومن موقع محايد، أننا لا نتفق مع من يصنف حركة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. هذه تهمة سياسية لا علاقة لها بالواقع، حتى لو ارتكب عنصر هنا أو مجموعة هناك بعض الأعمال المحظورة. فالحركة التي نشأت عام 1928 والتحق بها ملايين من البشر، وانضم إليها العديد من جهابذة الفكر والقلم والعلم واستطاعت أن تنتشر في كافة الدول الإسلامية وأن تنفذ إلى كافة الجاليات المسلمة في العالم وفازت في عديد من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، خاصة عندما توافرت شروط الشفافية والسلمية والمراقبة الدولية، لا يمكن أن تكون حركة إرهابية توضع في صف القاعدة وداعش والنصرة وحركة الشباب الصومالية والحوثيين وطالبان الأفغانية وبوكو حرام النيجيرية والحركة الإسلامية في أوزبكستان. لقد كانت سوريا أول من صنف الحركة على أنها إرهابية بعد مجزرة حماة عام 1982، ولحقت بها مصر عام 2013 وأخيرا التحقت السعودية في هذا الشهر من عام 2014 لتكون الدولة الثالثة التي تصنف الجماعة حركة إرهابية. وتصنيف السعودية هذا أمر غريب، خاصة أنه تصنيف استباقي قبل وقوع الخطر، كما يقولون، ويثير الكثير من التساؤلات، فالبلد الذي صدر الفكر الأصولي للعالم كله والذي فرخ الكثير من الحركات الأصولية والمتطرفة، خاصة أيام ‘الجهاد الأفغاني’ لا يمكن أن يكون مرجعية في ما هو إرهابي وغير إرهابي. ومع تأكيدنا على هذه الحقيقة إلا أننا نود أن نسجل بعض الملاحظات لدعوة الجماعة إلى مراجعة شاملة للكثير من المواقف التي تثير الشكوك في نوايا الجماعة وتعطي خصومهم ألف سهم وسهم لتوجيهها لهم.
ولعل الأزمة الخطيرة التي تمر بها الجماعة هذه الأيام تكون فرصة للمراجعة وتعديل المواقف حقيقة لا بطريقة انتهازية، كما حدث مرارا وتكرارا في الماضي، مما ألحق بالجماعة أكبر الأذى وترك نسبة عالية من الريبة فيها والتخوف منها لدى قطاعات واسعة من الجماهير.
فرسان سجون وأبطال معارضة وإداريون فاشلون
لقد لقي الإخوان المسلمون منذ نشأتهم في آذار/مارس 1928 على يد حسن البنا وستة من عمال قناة السويس الكثير من الاضطهاد والقمع والنفي والسجن وإعدام للقيادات والمجازر. فقد اعتبرت الأنظمة الدكتاتورية وجود تنظيم قوي متماسك يحظى بقاعدة شعبية ويملك أيديولوجية سهلة خطرا عليها فلا بد من قمعه. والحركة تتبع ثلاثة مبادئ لنشر فكرها وتنظيم المؤيدين لها، نشر مبادئ الإسلام الصحيح، كما يفهمونه هم، لإقامة المجتمع الفاضل المتكامل والرحيم والعادل، وثانيا مناهضة العلمانية وشيطنتها واعتبارها صنوا للإلحاد والرذيلة واللامبالاة، وثالثا استخدام منظومة واسعة من الجمعيات الخيرية التي تقربهم من الطبقات الشعبية كدور الأيتام ورياض الأطفال والمدارس والعيادات الطبية ولجان جمع الزكاة وتقديم دروس محو الأمية مجانا، وغير ذلك من خدمات من شأنها توسيع القاعدة الشعبية. لا عجب أن عدد فروع الجماعة في مصر وحدها وصل مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 4000 فرع تضم نحو مليون عضو. لقد عرف كيف يستخدم الإخوان المسلمون المساجد وسيلة مناسبة لتحريض الناس البسطاء على الانضمام للتيار الإسلامي العريض، كخطوة سابقة للانضمام للجماعة. أما بالنسبة لرؤية الجماعة حول النظام السياسي والنظام الاقتصادي والمالي والاجتماعي فتدور أفكار الجماعة حول مجموعة شعارات وآراء فردية فضفاضة وذات مرجعية إسلامية عامة لا تبتعد عن فكرة الشعار فقط مثل، الإسلام هو الحل، ودولة العدالة والاقتصاد الإسلامي وممارسة الشورى. كان الشيخ الشهيد أحمد ياسين عندما يسأل عن مستقبل النظام السياسي في إطار الدولة الفلسطينية يقول ‘عندما تقوم الدولة أقول ما هو موقفنا من النظام’.
اصطدمت الجماعة أولا مع النظام الملكي في مصر منذ قام فرد منها باغتيال القاضي أحمد خازندار في 22 مارس 1948، لأنه أصدر حكما مطولا بالسجن على أحد أفراد الجماعة الذي اغتال ضابطا بريطانيا. تلا ذلك اغتيال رئيس الوزراء آنذاك محمود فهمي النقراشي يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 1948 بعد أن اتخذ قرار حل الجماعة. لقد أدان حسن البنا ذك الاغتيال إلا أن تلك الإدانة لم تشفع له فتم تدبير اغتياله يوم 26 تموز/يوليو 1949 على يد أحد ضباط الشرطة. منذ ذلك اليوم وناشطو الحركة يخرجون من سجن ليدخلوا سجنا آخر، ويعطون رخصة للعمل العلني ثم يمنعون بعدها من ممارسة العمل، وكلما قيل لهم هناك انتخابات بلدية أو جهوية أو وطنية لا يترددون بل يتقدمون بكل حماس للمشاركة فإذا ما فازوا فيها حرموا من قطف ثمارها. فازوا ( أو تيارات قريبة منهم) في انتخابات الجزائر نهاية 1991 فانقض الجيش على الصناديق وألغيت الانتخابات، وفازوا في انتخابات فلسطين عام 2006 وبدأت المؤامرة تحاك فورا لإفشال النتائج، وفازوا في انتخابات تونس في تشرين الأول/أكتوبر 2011 وتم إنهاء هذا الفوز في نهاية كانون الثاني /يناير 2014، وفازوا في انتخابات مصر البرلمانية (نوفمبر2011 إلى يناير 2012) والرئاسية (يونيو 2012)، فحل البرلمان أولا ثم قام الجيش في 3 تموز/ يوليو 2013 بتدبير انقلاب عسكري على محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية بعد سنة من وجوده في الحكم. في المغرب فاز حزب العدالة والتنمية القريب من فكر الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية في 27 نوفمبر 2011 وشكل الحكومة الجديدة وما زال في الحكم، كما أن حزب العدالة والتنمية التركي ذا المرجعية الإسلامية القريبة من فكر الإخوان يحكم في تركيا منذ عام 2002.
تخوفات حقيقية وضرورة إجراء مراجعة أيديولوجية شاملة
مع إقرارنا بمدى الظلم الذي لحق بحركات الإخوان المسلمين في كافة أنحاء العالم العربي، لكننا نقر كذلك أن تصرفاتهم وانتهازيتهم لا تخفى على عين مراقب. فكم تحالفوا مع الأنظمة الاستبدادية ضد حركات الجماهير وتصدوا للأنظمة الوطنية، مثل عبد الناصر وارتموا في أحضان السعودية في ذاك الوقت، وكانوا يتجمعون في حافلات من غزة ويذهبون تحت سمع وبصر الاحتلال الصهيوني لضرب القوى الوطنية في جامعتي بير زيت والنجاح، وكانوا الذراع الطويلة للملك حسين أثناء قمع الحركة الوطنية الأردنية في نهايات 1956 وبداية 1957 واختاروا أن يواجهوا بالسلاح نظام حافظ الأسد بعد رفضه السير مع أنور السادات في كامب ديفيد واستولوا على مدينة حماة وبدأوا يخزنون فيها السلاح وأعلنوها إمارة إسلامية وتباكوا على انقلاب الجزائر ضد شرعية الصندوق الانتخابي، بينما أيدوا انقلاب البشير- الترابي في السودان عام 1989 ضد الرئيس المنتخب الصادق المهدي، وفي مصر انتظروا أسبوعا أو أكثر بعد بداية الثورة لينضموا لها، ولكن عندما دعا عمر سليمان إلى الحوار الوطني كانوا أول الواصلين وآخر المغادرين، ثم تحالفوا مع المجلس العسكري ضد شباب الثورة وطعنوا الثورة في ظهرها كي يصلوا إلى الحكم. وبعد وصولهم إلى الحكم بدأت عملية الأخونة وبدأ مجلس الإرشاد أو قيادة الإخوان المكونة من ‘الخمسة البررة’ كما كانوا يسمون (الشاطر، بديع، العريان، البلتاجي، مرسي) يتصرف وكأنه باق 500 سنة أخرى.
وكي تجدد الجماعة نفسها وتعيد صياغة برنامج سياسي متكامل يطرح حلولا دنيوية تتعامل مع الواقع وقضاياه المعقدة، ويطرح إجابات أرضية على قضايا ومشاكل موجودة في الأرض وحلها يحتاج إلى فكر أرضي وحلول تجيب عن قضايا البطالة والإسكان والتلوث والمواصلات والبيئة والاستيراد والتصدير والتربية والصناعة والتجارة والمعاملات البنكية إلى نهاية القائمة. ولا مانع أن يستند ذاك التفكير إلى مرجعية خلقية ومنظومة ثقافية تعود إلى الإسلام ومقاصده العليا كحاضنة حضارية ومرجعية خلقية وروحية.
ونود أن نطرح بعض القضايا التي تثير تخوفات قطاعات واسعة من الشعوب، نعرضها هنا ونترك الأمر لقيادات الحركة، التي لا بد أن تطرح كثيرا من هذه المسائل للنقاش من أجل إيجاد مخارج للأزمة الحادة والوجودية التي تعيشها الحركة:
أولا: المرجعية الدنيوية في السياسة – السياسة عمل دنيوي بامتياز ويتعامل مع قضايا دنيوية كما أسلفنا قبل قليل وبحاجة إلى مراجع دنيوية من خبراء الاقتصاد والبيئة والتجارة والعمل والهندسة والمواصلات والصحة والاتصالات والتكنولوجيا وغير ذلك. شيوخ المساجد وعلماء الحديث والتفسير والفقه وفرسان الفتاوى يجب أن ينحصر عملهم في ما يعرفون ويجب ألا يتجاوزوا معارفهم إلى معارف الآخرين تحت غطاء الدين؛
ثانيا: المساواة بين الرجل والمرأة لقد حان الوقت أن تعلن الحركة موقفا واضحا تماما من قضية المساواة بين الجنسين (وليس التكامل كما يصرون) فالحياة التي نعيشها اليوم تتطلب الخبرة والوعي والعلم من المرأة، بنفس المقدار التي تحتاجه من الرجل بدون أي تفريق.
ثالثا: المساواة التامة بين أبناء الوطن المواطنة المتساوية تماما 100′ وليس 99′ يجب أن تكون واضحة في فكر الجماعة حتى لا يخشاهم مسيحي أو كردي أو آشوري أو أرمني أو غير متدين. ليس من حقهم أن يفتشوا على قلوب الناس ويصدروا الفرمانات في التحريم والتكفير والردة وما إلى ذلك؛
رابعا: الإيمان بتداول السلطة يجب أن يكون هناك وضوح تام في مسألة الديمقراطية والقبول بتداول السطة. الديمقراطية ليست سلما يصعد عليه الإخوان للسلطة ثم يحرقونه خلفهم كي لا يصعد عليه أحد، حيث لا ديمقراطية في الإسلام كما كان يقول علي بلحاج أحد قادة التيار الإسلامي في الجزائر؛
خامسا – توضيح إزدواجية الوطن والأمة يلام الإخوان المسلمون بأن انتماءهم للأمة الإسلامية أقوى من انتمائهم لأوطانهم، وهذا شيء خطير ويصيبهم في مقتل، كما حدث أيام ‘الجهاد في أفغانستان’ عندما طرحت التيارات الإسلامية شعار ‘طريق القدس يمر من كابل’. وليتذكروا قول سيد الأنام عليه السلام ‘خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي’. وقال عندما غادر مكة ‘والله لتعلمين أنك أحب أرض الله إليّ’. وعندما طلب الله من رسوله تبليغ أمانة الرسالة قال له ‘وأنذر عشيرتك الأقربين’. هذه مسألة بحاجة إلى توضيح كي لا يبقى أحد يشكك في نوايا الجماعة. وقد أحسنت الحركة الإسلامية الفلسطينية عندما تخلت عن هذا المفهوم وشكلت حركة حماس، بعد انطلاق الانتفاضة الأولى واعتبرت نفسها جزءا من الحركات الوطنية المناهضة للاحتلال.
لقد آن الأوان أن تتحول الحركة إلى حزب سياسي شامل يضم أنصاره في كل مكان تحت سقف أيديولوجي واحد يقدم رؤية شاملة وحلولا لعالم معقد مقسم مليء بالتناقضات والصراعات، ولتكن هناك خلفية أو مرجعية خلقية وثقافية ي
وحضارية تستند إلى الموروث الإسلامي الغني والعظيم بدون فرضه على أحد أو تخــــوين أو تكفير من يخالفهم الرأي، سواء كان مسلـــما أو غير مسلم، متدينا أو غير متدين، رجلا أو امرأة، فقطعة الأرض المحددة بحدود معينة ويسكنها شعب متجانس في الخـَـلق والخُلق والوعي والثقافة واللغة والتاريح والجغرافيا من حقهم جميعا أن يتساووا أمام القانون ويتساووا في المواطنة ويتساووا في فرص إدارة دفة البلاد عن طريق الصناديق لا عن طريق الفتاوى.
‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك
القدس العربي