جورج اورويل.. كل الكتاب انانيون وكسالى!
بيروت ـ (رويترز) ـ من جورج جحا: قال الكاتب البريطاني الشهير الراحل جورج اورويل ان كل الكتاب معتزون بأنفسهم وأنانيون وكسالى وإن وعي الكاتب بتحيزه السياسي يجعله يدرك كيف يتصرف سياسيا دون التضحية بالقيم الجمالية والفكرية.
اريك بلير الذي عرف باسم جورج اورويل واشتهر بكتابيه ‘مزرعة الحيوانات’ و’1984′ اللذين حظيا بشهرة واسعة كان يتحدث في كتاب له ترجم الى العربية وحمل عنوان ‘لماذا اكتب’. الكتاب ترجمه علي مدن وهو من البحرين وصدر في 298 صفحة متوسطة القطع عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
حمل الكتاب مقدمة بقلم برنارد كريك و19 مقالة بينها واحدة بعنوان ‘لماذا اكتب’ كتبها جورج اورويل سنة 1946.
وقال اورويل ‘كل الكتاب معتزون بأنفسهم وأنانيون وكسالى وفي قاع دوافعهم يكمن غموض ما. تأليف كتاب هو صراع رهيب ومرهق كما لو كان نوبة طويلة من مرض مؤلم. لن يحاول المرء القيام بشيء كهذا أبدا لو لم يكن مدفوعا بشيطان ما هو ليس قادرا لا على مقاومته ولا فهمه إذ ان الغريزة ذاتها قد تكون هي التي تجعل رضيعا يصرخ من اجل ان يحظى بالانتباه’.
وشدد على الدافع السياسي في عملية الكتابة وقال ‘لا يمكنني القول بيقين اي دافع من دوافعي هو الاقوى لكنني اعلم ايها يستحق ان يتبع وعند استرجاعي لعملي السابق يمكنني ان ارى دون تباين انه حينما افتقرت للقصد السياسي كتبت كتبا بلا روح وخدعت الى جمل قرمزية وجمل بلا معنى وصفات تزيينية وهراء بشكل عام’.
اضاف انه في ‘مزرعة الحيوانات’ حاول ‘بوعي كامل بما كنت افعل ان امزج الهدف السياسي بالهدف الفني’. وقد اعتبرت ‘مزرعة الحيوانات’ عملا بارزا في مقاومة نظام الحكم الشمولي.
وقال انه اعتقد ‘ان هناك اربعة دوافع على الاقل لكتابة النثر توجد بدرجات متفاوتة لدى كل كاتب وعند كل كاتب ستكون النسب متفاوتة من وقت لاخر حسب الجو العام الذي يعبش فيه’.
وأورد هذه الدوافع الاربعة على الشكل التالي: اولا ‘حب الذات الصرف: الرغبة في ان تبدو ذكيا.. ان يتم الحديث عنك.. ان تذكر بعد الموت.. ان تنتقم من الكبار الذين وبخوك في طفولتك… الخ. من الهراء التظاهر بأن هذا ليس بدافع بل دافع قوي.
‘الكتّاب يتحلون بهذه الصفة الى جانب العلماء والفنانين والسياسيين والمحامين والجنود ورجال الاعمال الناجحين – باختصار لدى كل النخب الانسانية. الغالبية العظمى من البشر هم انانيون تماما. بعد سن الثلاثين يتخلون تقريبا عن وعيهم بفرديتهم بالكامل ويعيشون بشكل رئيس من اجل الاخرين’.
اما الدافع الثاني فهو عنده ‘الحماس الجمالي: ادراك الجمال في العالم الخارجي او من ناحية اخرى في الكلمات وترتيبها الصحيح.. البهجة من اثر صوت واحد على الاخر.. في تماسك النثر الجيد او ايقاع قصة جيد.. الرغبة في مشاركة تجربة يشعر المرء انها قيّمة ويتعين عدم تفويتها.
‘الدافع الجمالي واهن جدا عند الكثير من الكتاب لكن حتى مؤلف الكتيبات او الكتب المدرسية ستكون لديه كلمات ومصطلحات مدللة تروق له دون اسباب نفعية او قد يهتم بقوة بأسلوب الطباعة.. اتساع الهوامش. لا يوجد كتاب يخلو من الاعتبارات الجمالية’.
الدافع الثالث اسماه اورويل ‘الحافز التاريخي: الرغبة في رؤية الاشياء كما هي لاكتشاف حقائق صحيحة وحفظها من اجل استخدام الاجيال القادمة’.
اما الدافع الرابع فهو عنده ‘الهدف السياسي: باستخدام كلمة ‘سياسي’ بأشمل معنى ممكن. الرغية في دفع العالم في اتجاه معين: لتغيير أفكار الاخرين حول نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي نحوه. مرة اخرى لا يوجد كتاب يخلو من التحيز السياسي. الرأي القائل ان الفن ينبغي الا يربطه شيء بالسياسة هو بحد ذاته موقف سياسي’.
وقال انه في البداية كان شخصا ‘ترجح فيه كفة الدوافع الثلاثة الاولى على كفة الرابع′ اي الدافع السياسي.’ لكنه بعد ان مرّ بالفقر وبالشعور بالفشل ادى ذلك الى تعاظم ‘كراهيتي الفطرية للسلطوية وجعلني واعيا للمرة الاولى بوجود الطبقات العاملة لكن هذه التجارب لم تكن كافية لمنحي توجها سياسيا دقيقا. بعدها جاء هتلر والحرب الاسبانية الاهلية.
‘الحرب (الاهلية) الاسبانية وأحداث أخرى في عامي 1936 1937 ادارت كفة الميزان ومنذئذ عرفت اين اقف. كل سطر من العمل الجاد الذي كتبته منذ 1937 قد كتب بشكل مباشر او غير مباشر ضد الشمولية ومن اجل الديمقراطية الاشتراكية كما افهمها.
‘بدا لي عبثا في زمن مثل زماننا الاعتقاد بأن بإمكان المرء تفادي الكتابة في مواضيع كهذه. السؤال ببساطة.. اي صف يتخذ المرء وأي مقاربة يتبعها. وكلما كان المرء واعيا بتحيزه السياسي كلما حظي بفرصة اكبر للتصرف سياسيا دون التضحية بنزاهته الجمالية والفكرية… اكثر ما رغبت به طوال السنوات العشر الماضية هو ان اجعل من الكتابة السياسية فنا’.