صفحات سوريةعلي العبدالله

جوزات واشنطن الفارغة/ علي العبد الله

 

توالت اعلانات واشنطن عن قرارات بخصوص سوريا عشية وصول وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وخلال الزيارة، بدءا من اعتبار بعثة الائتلاف في الولايات المتحدة بعثة أجنبية تتمتع بامتيازات دبلوماسية، الى زيادة الدعم الانساني بمقدار 27 مليون دولار، وصولا الى الترتيب لاستقبال الوفد في البيت الابيض، بالإضافة الى اعلان لائحة العقوبات الجديدة ضد شخصيات بارزة في النظام السوري وشركة بانياس للنفط وبنك “تامب بانك” الروسي ورئيسه ميخائيل غورغيفيتش.

فهل حصل تغير في الموقف الامريكي من الثورة السورية ام ان للقرارات الامريكية أهدافا أخرى؟.

في البدء لابد من الاشارة الى الاهتمام الكبير بالزيارة والاحتفاء بالوفد وترتيب لقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى: وزير الخارجية جون كيري، المبعوث الامريكي الى سورية دانيال روبنستاين، وأعضاء في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ (النواب أدام سميث وأدام كيسنجر وكارل ليفن، ونواب في لجان الاستخبارات بينهم رئيسة اللجنة ديان فينستاين) ومسؤولون في وزارة الدفاع (مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة مايكل شيهان ومساعد الوزير للسياسة الدفاعية مايكل لمبكين)، واستقباله في البيت الابيض من قبل مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، حيث عرج الرئيس الامريكي على الاجتماع، ودعوة الوفد للحديث امام مراكز ابحاث هامة من التي تشارك في صياغة السياسة الامريكية( معهد أمريكا للسلام، المركز الاطلنطي، معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى)، وتغطية الزيارة اعلاميا من قبل صحف هامة كـ الوشنطن بوست ونيويورك تايمز والوول ستريت جورنال، كما وإجراء مقابلات تلفزيونية وصحافية عديدة مع الوفد، وخاصة مع رئيسه.

اما على صعيد المضمون فقد نقل عن فحوى اجتماع الوفد مع اعضاء الكونغرس تناوله لموضوع تعاون استراتيجي بين الولايات المتحدة والائتلاف لمحاربة القاعدة وحزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا، وقيام رئيس هيئة الاركان في المجلس العسكري الأعلى العميد عبدالاله البشير بتقديم “عرض للوضع العسكري وحاجة الجيش السوري الحر لأسلحة نوعية، لمواجهة طائرات النظام للدفاع عن المناطق المحررة وحماية المدنيين، وضمانات تقنية وتنظيمية لعدم وصول هذه الاسلحة لأيدي الجماعات المتطرفة”. وقد وصف جو الاجتماع بـ “الايجابي والمشجع”.

وقد كان لافتا كلام وزير الخارجية كيري لدى استقباله للوفد وإشادته بالائتلاف ووصفه بأوصاف تجميلية، ان جاز التعبير، قال:”مؤسسة شاملة ومعتدلة ملتزمة بالشعب السوري وبحماية كل الناس وكل الأقليات وكل الحقوق في داخل سورية. الائتلاف السوري المعارض صوت لجميع السوريين الذي تعرضوا لقمع النظام على مدى عقود”، وحديثه عن شراكة متنامية بين الطرفين، وتطلعه إلى متابعة الحوار “ليشمل كل الأمور التي تهمنا بشكل مشترك في سورية بما فيها إنهاء العنف ومواجهة النظام وتخفيف الأزمة الإنسانية والبناء لليوم الذي نرى فيه حكومة ممثلة بالفعل للشعب، وتلبي احتياجات الشعب السوري”.

لا يستطيع المراقب المحايد تحاشي الدهشة لمستوى الاهتمام الأمريكي بالزيارة، خاصة اذا التقى الرئيس الامريكي بالوفد، وللأقوال التي تنضح بالايجابية والحماسة، ولا ان يقاوم الاستغراب الذي يثيره تناقض هذه الأقوال مع واقع الحال حيث لم تزل الادارة الامريكية ليس فقط تمتنع عن ارسال أسلحة للجيش السوري الحر بل وتمنع الدول الاخرى عن تقديمها، وقد تسرب من أجواء ترتيب الزيارة طلب الادارة عدم طرح موضوع الأسلحة خلالها، وعيونها مبثوثة في كل الطرق والمنافذ لهذا الغرض.

يمكن وضع هذا الموقف الأمريكي الايجابي والمتحمس ضمن اطار السياقات التالية:

– الاهتمام بالوفد، وخاصة رئيسه أحمد الجربا المحسوب على السعودية( خاطبه كيري بالرئيس، وقال يسعدني جداً أن أرحب في وزارة الخارجية بشخص يفهم أفضل من أي شخص آخر الرهان في الصراع في سوريا والحرب على التطرف)، كرسالة ود ومجاملة للمملكة العربية السعودية، التي لم تخرج راضية من مباحثات الرئيس الامريكي مع الملك عبدالله خلال زيارته للرياض اواخر شهر آذار 2014، فقد نقل عن ولي ولي العهد الامير مقرن بن عبدالعزيز قوله عن زيارة الرئيس الأمريكي للرياض انها “كانت مناسبة لتوضيح بعض القضايا”، ناهيك عن الرسائل التي حملتها المناورات العسكرية السعودية ( سيف عبدالله) وما تلاها من عرض عسكري كبير احتوى على صواريخ صينية بعيدة المدى من طراز DF-3 قادرة على حمل رؤوس نووية. وقد كان لافتا في هذا السياق استبعاد السيد بدر جاموس، الأمين العام للائتلاف والمحسوب على قطر، من وفد الائتلاف حيث لم تمنحه واشنطن تأشيرة دخول.

– رسالة تحذير للنظام السوري وحليفته ايران ردا على التصعيد العسكري والسياسي، خاصة اجراء انتخابات رئاسية وترشح بشار الأسد، والتصريحات الايرانية عالية النبرة حول انتصارها والأسد في سوريا، واستعدادها لإرسال 130 الف مقاتل الى سوريا، وتشكيل حزب الله السوري، مفادها ان واشنطن لن تسمح بهزيمة الثورة وان لا خيار إلا الحل السياسي والعودة الى جنيف. يمكن تلمس ذلك في استخدام وزير الخارجية كيري تعبير “ومواجهة النظام” في حديثه عن قضايا الحوار مع الائتلاف، وفي مباركة واشنطن لتحرك فرنسي لإصدار قرار من مجلس الأمن لإحالة الملف السوري الى المحكمة الجنائية الدولية، خاصة وان اغلاق ملف الاسلحة الكيماوية السورية سينهي الحاجة الى تعاون النظام في تسليم تلك الاسلحة ما يفتح باب التحرك المباشر ضده.

– رسالة تحذير الى روسيا باستعداد واشنطن لتغيير قواعد الاشتباك في سوريا ما لم تعدل موسكو موقفها من الازمة الاوكرانية.

– تطوير العلاقة مع الائتلاف ودعمه سياسيا وعسكريا مقابل تعديل في اولوياته وإعطاء محاربة الارهاب اولوية ودفع الكتائب المرتبطة به للقتال ضد الجماعات المتطرفة بعد ان زاد خطرها واتسع نطاق تأثيرها وتمددها الى دول الجوار. وقد نقلت وسائل الاعلام تركز الحديث في وزارة الدفاع(البنتاغون) على محاربة الارهاب.

وعليه يمكن اعتبار الاهتمام بالزيارة والاحتفاء بالوفد ورئيسه(بدأت الصحف السعودية بالتزامن مع الزيارة وصف السيد احمد الجربا بـ”زعيم” الائتلاف في موقف يهدف الى تكريسه قائدا للثورة السورية في ضوء حديث متواتر عن تحرك لإعادة انتخابه رئيسا مرة ثالثة عبر تعديل النظام الداخلي للائتلاف الذي يحدد الرئاسة بفترتين)، وان ما بدا احتضانا أمريكيا للائتلاف وما يمثله، ودعما معنويا ورمزيا لقيادته، وفق توصيف مراسلة جريدة الحياة في واشنطن جويس كرم(السقف الامريكي لدعم المعارضة- الحياة:11/5/2014)، ليس اكثر من توظيف أمريكي للزيارة للتصويب على اهداف ترتبط بالإستراتيجية الامريكية وخدمة لمصالح امريكية، واستخدام الائتلاف قذيفة في مدفع أمريكي. فالقرارات الامريكية ليست اكثر من جوزات فارغة لن تجدي في تحسين الوضع الإنساني أو وقف القتل والتدمير الذي ينفذه النظام وحلفاؤه ضد المواطنين السوريين العزل.

\\ كاتب سوري \\

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى