صفحات سورية

قمة “نواطير” سوريا/ بسام مقداد

 

 

في أول تعليق على بيان قمة أنقرة الثلاثية ، بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا ، نقلت نوفوستي عن أحد المحللين الروس قوله ، بأن البيان يشير إلى أن “التوافق الإقليمي” حول سوريا قد تم . إلا أنه يستدرك على الفور ليقول ، بأن ” من المبكر الحديث عن السلام في سوريا ” ، ويعتبر أن البيان المشترك هو بمثابة إشارة إلى الولايات المتحدة ، بأن الدول الإقليمية تؤيد السلام في سوريا ، وعليها أن تأخذ ذلك بالإعتبار ، أو أن “تقترح مشروع سلام آخر” ، أو أن تنسحب من سوريا.

يجمع المعلقون الروس على أن بحث خريطة مناطق النفوذ في سوريا بين الدول الثلاث ، قد شكل الموضوع الرئيسي على جدول أعمال القمة  ، تحت عنوان “بحث وضع مناطق خفض التصعيد” ، كما أعلن عشية القمة، مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف . فالدول الثلاث هي الرابح الأساسي من ” جميع “الإنتصارات ” ، التي تحققت في سوريا مؤخراً ، وحان الوقت لبحث النتائج ، التي تحققت بعد مرور سنة ، تقريباً ، على اتخاذ “القرار التاريخي” بإنشاء “مناطق خفض التصعيد ، وتقاسم المسؤولية عن مستقبل البلاد” ، حسب صحيفة الكرملين “vzgliad” .

كانت “مناطق خفض التصعيد” تمثل ، بالنسبة للدول الثلاث ، “آلية لشرعنة تواجدها على الأرض السورية ، والمشاركة في الصراع السوري كضمانة لتنفيذ نظام التهدئة” ، على قول كبير اساتذة “مدرسة الإقتصاد العليا” ليونيد إيساييف . لكن هذه المناطق قد فشلت في تأدية وظيفتها ، حسب إيساييف ، وعلى رؤساء الدول الثلاث “اتخاذ قرار بشأن وجودها المقبل” .

ويتفق مع رأي إيساييف هذا معظم المواقع والمعلقين الروس . فقد رأى أحد خبراء “المجلس الروسي للعلاقات الدولية”، أن نظام مناطق خفض التصعيد، “قد سقط” ، وعلى زعماء الترويكا أن يتخذوا “قراراً مبدئياً” بشأن المحاولات التالية لخفض التصعيد .

وتقول في السياق عينه صحيفة الكرملين ، أن من المشكوك به نجاح الأهداف ، التي وضعت “لمناطق خفض التصعيد” في تحسين الوضع الإنساني ، وتشكيل ظروف مؤاتية لتقدم التسوية السياسية للصراع ، على الرغم من مرور سنة ، تقريباُ ، على إعلانها.

إن جميع المناطق، التي أعلن عنها، تقع في أكثر المناطق السورية توتراً. ومشكلتها الأساسية ، حسب الصحيفة ، ليست في تكرار الصدامات المسلحة فيها ، بل في الغياب الواضح للسعي إلى وقف إطلاق النار لدى الأطراف المتصارعة . وأكثر المناطق تفجراً بين المناطق الأربع ، هي منطقة جنوب سوريا ، حيث تتقاطع مصالح عدد كبير جداً من الدول: إسرائيل ، الأردن ، إيران ، روسيا ، الولايات المتحدة ، بحيث أن أقل التغيرات في ميزان القوى ، يمكن أن تؤدي إلى ” مواجهات جدية” .

وفي سياق تعدادها لمساوئ مذكرة إعلان “مناطق خفض التصعيد ” ، تتوقف الصحيفة عند ما ورد في المذكرة من ضرورة “خلق الظروف للتسوية السياسية ” . إلا أن الوثيقة لا تتضمن صياغات ملموسة لكيفية تحقيق هذه التسوية السياسية. وتقول الصحيفة، بأن المجتمع الدولي أجرى ، منذ العام 2012 ، جملة من المفاوضات في إطار منصات مختلفة ، وفي مدن مختلفة (جنيف ، فيينا، أستانة ، سوتشي) ، وبمشاركة مجموعات مختلفة ( موسكو ، الرياض ، القاهرة ، أستانة) ، إلا أنه لم يتوصل إلى أية نتائج جدية . والأمر، على كلٍ، مفهوم : فالصراع السوري الطويل ولَّد أطرافاً كثيرة ، كل منها يتوخى مصالحه الخاصة على طاولة المفاوضات .

وتؤكد الصحيفة ، إن تناقضات الدول الثلاث الضامنة لنظام وقف إطلاق النار في سوريا ، مسؤولة، من ضمن تناقضات اللاعبين الآخرين، عن تسعير الصراع في سوريا. فالحلقة الرئيسية ، التي تجمع هذه البلدان، هي الخلافات مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، ودفعت الرغبة في خلق توازن مع الأميركيين في المنطقة إلى توحيد جهود هذه الدول . فالمصالح الخارجية بين موسكو وطهران تتطابق ، من حيث وحدة الدولة السورية و المحافظة على النظام . لكن الإختلافات تبرز في النظرة إلى مستقبل دمشق ، ودور ومكان كل مشارك في الصراع السوري . فإذا كانت طهران معنية بالمحافظة على غلبة الأقلية العلوية على الأكثرية السنية ، مما يتيح لها تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط ، فإن روسيا لا يسعها ، على قول الصحيفة ، التخلي عن علاقاتها مع كل دول الشرق الأوسط ، ومعاداة السنة في المنطقة والعالم ككل.

أما مصالح تركيا في سوريا ، فهي غالباً ما تتناقض مع المصالح الروسية والإيرانية ، حسب الصحيفة ، التي تذكر بموقف تركيا من الرئيس الأسد في بداية الصراع ، وموقفها من الأكراد والإحراج الذي تتسبب به لكل من موسكو وطهران ، خاصة في عملية “غصن الزيتون” .

وتخلص الصحيفة إلى القول ، بأن الصراع في سوريا مستمر ، والإستقرار فيها” لن يحل قريباً” ، إذا ما أخذنا بالإعتبار تضارب مصالح اللاعبين الأساسيين وتناقضاتهم، وتؤكد ، أن كل الأمور في هذا الصراع تتولى حلها “المساومة السياسية على طاولة المفاوضات” .

يبدو أن قمة “ترويكا الشرق الأوسط الكبرى” ، كما يسميها إعلام الكرملين ، قد عُقدت نتيجة اقتناع الدول الثلاث، بأن وقت “القطاف” قد حان في سوريا ، في ظل “انتصاراتها” التي حققها كل طرف على جبهته، وفي ظل تخاذل الغرب وأحاديث ترامب عن قرب انسحابه من سوريا . ولهذا توافقوا جميعاً على إعادة البحث في خريطة توزع مناطق النفوذ، التي رسموها في أيار/مايو السنة الماضية ، وأطلقوا عليها تسمية “مناطق خفض التصعيد”، في محاولة لفرض واقع سياسي في سوريا يضمن تثبيت هذه المناطق في حدودها الراهنة ، أو توسيعها إذا أمكن ذلك . والبلدان الثلاثة معنية ، على قول أحد المواقع الروسية ، ليس فقط بإعادة البحث في المناطق المذكورة ، بل أيضاً بقضايا إعادة إعمار سوريا ، التي تتطلب مليارات الدولارات غير المتوفرة لدى البلدان الثلاثة ، مما يدفعها للبحث عنها لدى بلدان أخرى ، على قول الموقع المذكور.

ويشبه وضع البلدان الثلاثة في بحثها عن “السلام” في سوريا وإعادة إعمارها ، وضع نواطير الأملاك العامة أو الخاصة، التي يعيثون فساداً في نهبها وتدميرها ، وما أن يحين وقت الحساب ، حتى يبدأون بالصراخ وطلب العون والمساعدة ، واتهام الآخرين ، بمن فيهم أصحاب الأملاك أنفسهم ، بتدمير ونهب ملكياتهم .

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى