صفحات المستقبل

دكاكين… ثورية


السيد “نوفل معروف الدواليبي” يصر على استعمال اسمه الثلاثيعلى الدوام. معه حق، فهو معروف أساساً  باسم أبيه، آخر رئيس وزراء لسوريا قبل حكمالبعث. السيد “معروف الدواليبي” غادر الحكم بسلام ٳلى السعودية دون أنيكلف نفسه عناء مقاومةما سيصبح  “احتلالاً” بعثياً ثمأسدياً لبلده اﻷصلي. سيعود السيد “معروف الدواليبي” لزيارة سوريا لكن تحتجنح الظلام وبصفته مستشاراً خاصاً للملك السعودي.

لا نعرف بماذا أشار السيد “معروف الدواليبي” “رحمهالله” على العاهل السعودي، على كل حال لم تكن استشاراته في صالح الحرية فيسوريا ولا في صالح قضية الشعب السوري. اﻷكيد أن عمله الاستشاري هذا كان في صالحهشخصياً هو وابنه من بعده بدليل الثراء الفاحش للرجل والذي لم يفد الثورة السوريةبشيء على حد علمنا.

لا ننسى أن نظام اﻷسد اﻷب كان حتى وقت ليس بالبعيد، أحد أقرب أصدقاءالمملكة السعودية، أكثر حتى من النظام الديمقراطي السوري اﻷعرج قبل الوحدة وبعدالانفصال. ربما كانت نصائح السيد “معروف” مفيدة في تمتين هذه الصداقةوٳصلاحها خاصة حين سفك حافظ اﻷسد دم أهل حلب مدينة مولده وأتبعه باستباحة حماه عام1982.

السيد  “نوفل الدواليبي”لا يقبل أن يكون عضوا عادياً في معارضة ما ولا حتى في المجلس الوطني الكسيح، فهويقفز فوراً لرئاسة الوزارة قبل أن تنجح الثورة وقبل حتى أن يشهر معارضته ودون أن يبذلجهداً ثورياً غير التنطع لقيادة ثورة سوريا من الخارج. ما الغريب في اﻷمر ؟ ألميصبح ابن الرئيس اﻷسد رئيساً بالوراثة ؟ ألم تصبح ابنة سفير سوريا في فرنسا سفيرةهناك ؟ ما الخطل ٳذاً في أن يصبح ابن رئيس الوزارة اﻷخير رئيس وزراء و “ماحدا أحسن من حدا…”؟.

البعض يجادل أن السيد “نوفل” لا يعدو كونه واجهة للتدخلالسعودي في الشؤون السورية وطريقة ﻹيصال الدعم للثوار دون “توريط”المملكة، لا سمح له، فيما تكره مثل الدفاع عن الديمقراطية وحرية السوريين ودعمحركة تحرير تهدف لتخليص سوريا من حكم وراثي احتلالي قاتل. أكثر من ذلك،  يذهب البعض ٳلى تشبيه السيد ” نوفل الدواليبي”بالراحل الشهيد “رفيق الحريري”.

رغم المآخذ الكثيرة التي للبعض على الرئيس الشهيد، خاصة كرجل أعمالاستفاد من ٳعادة ٳعمار بيروت لحسابه، ٳلا أن في المقارنة غبن واضح للرئيس الحريريالذي أقام امبراطورية ٳعلامية بماله الخاص، سخرها للدفاع عن قضية لبنانواللبنانيين بكل طوائفهم، وهي تساهم اليوم بكشف مجازر اﻷسد في سوريا وأفعال أزلامهفي لبنان. الرئيس الحريري عاد ٳلى لبنان ولم يغادره وعارض اﻷسد من بيته في قريطمودفع الثمن غالياً جداً.

نحن لا ندعو السيد “نوفل” للانتحار عن طريق العودة لحضناﻷسد، لكن الحريري بدأ بتقديم المنح لطلاب لبنان بكل مذاهبهم وأقام أعمالاً خيريةفي بلده وقدم ماله، ثم دمه، رخيصاً لبلده، فاستحق لقب “الشهيد” ( الذيلا نتمناه للسيد نوفل ولا لغيره) وكل الاحترام حتى ممن خاصموه أثناء حياته.

هلا اقتدى السيد “نوفل” بالسيد “غسان عبود” وأمثالهمن السوريين المقتدرين الذين سخروا وقتهم ومالهم دون ضجيج لخدمة الثورة بكل أطيافها،وقت راهن الجميع “أنها أزمة وخلصت”. السيد “عبود” رجل اﻷعمالالعصامي سخر موارد قناة “اورينت” لنشر أخبار الثورة ولولاه لكانالسوريون في أوربا مضطرين لمتابعة أخبار بلدهم على الانترنيت حصرا أو عبر قنواتالجزيرة والعربية التي تسبح بحمد دول بعينها وترفع من شأن زعماء معينين حتى لو لميفعل هؤلاء شيئاً يذكر من أجل سوريا والسوريين. السيد “عبود” لم يتنطعللتفاوض مع ٳسرائيل، مع ٳيماننا أن هذا التفاوض لا بد منه يوماً، ولا هو نصب نفسهناطقاً باسم الثورة ولا حتى مستوزراً في حكومة ظل لسوريا الجديدة.

ٳن كان السيد الدواليبي فعلاً ممثلاً للمصالح السعودية فهذا لا يبشربخير بل ويدل على رداءة في اﻷداء السعودي الغيراحترافي في اﻷزمة. تبدو السعوديةوقد تجاوزتها المأساة السورية مثلما كان الحال بعد انتهاء الحرب العراقيةاﻹيرانية، حيث عجز السعوديون عن احتواء الموقف وقادوا الخلاف بين العراق والكويتٳلى نهايته المأساوية المعروفة.

بعدما أتحفنا ٳخوتنا السعوديون بالدعاء و بالخطابات الحارة وبالدعماللفظي و”باقتراح” تسليح الجيش الحر، انتهى بهم اﻷمر على ما يبدو ٳلىحكومة ظل تزيد من اضطراب الصورة ومن التشتت على الساحة السورية. أخشى ما نخشاه هوأن يكون هناك من “أشار” على الحكومة السعودية ونصحها بتقليد “حافظاﻷسد” وموقفه من الثورة الفلسطينية !

لم يكن هناك من هو أكثر حرارة في الدفاع عن فلسطين والثورة الفلسطينيةوفي المطالبة بالتحرير وفي مقاطعة كل من يتهاون في أمر الكفاح المسلح، من اﻷسدونظامه، في نفس الوقت نعلم جميعاً ما كان يكنه اﻷسد من “مودة” للثورةالفلسطينية التي طعنها في الظهر وآذاها ربما أكثر من اﻹسرائيليين أنفسهم.

في هذا السياق نأمل أن لا تكون حكومة الظل بقيادة السيد نوفلالدواليبي نسخة سعودية عن “فتح – الانتفاضة” ﻷصحابها أبو موسى وأبو خالدالعملة…

ليس السيد الدواليبي وحده من أقام “دكاناً” ثورياً، فآخرونغيره فعلوا نفس الشيء، منهم عسكريون يبحثون عن عمليات  لكي يصدروا بيانات بها ! وهم في معسكرات لجوئهمآمنون. لهؤلاء أيضاً نذكر أن مكان العسكري هو على جبهة القتال وليس خارج أرض المعركة،فالكلمة اﻷخيرة هي للمقاتلين على اﻷرض ولمن يقود و يرسم الخطط ويتصل بالوحداتالمقاتلة مباشرة. هنا أيضاً لا أحد يدعو قيادات الجيش الحر للانتحار مثل الشهيد”الهرموش” ولكن على اﻷقل للتواضع وللاعتراف بأن “من يأكل العصي ليسكمن يعدها”.

نعم، هناك ضرورة للٳمداد وللتواصل مع الخارج ولتنسيق المواقف، لكن هذهمهمات مدنية أساساً في غياب قواعد خلفية عسكرية. بالنسبة للثورة، قيادة الجيش الحريجب أن تكون في الداخل وتراتبيته لا يجوز لها أن تتبع نظام الرتب والترفيعات الآليةالذي وضعه نظام اﻷسد. نظام الرتب والقيادة في الجيش الحر يجب أن يخضع لمعاييرالكفاءة والاستقامة والشجاعة والتضحية في سبيل الوطن، مثل أي جيش يحترم نفسه، وليسمثل “حماة ديار اﻷسد”.

هناك مثال لحركة عنصرية نجحت في ظروف صعبة وانتصرت على عدة جيوش عربيةعام 1948، هي الحركة الصهيونية، وقديما قيل “اعرف عدوك”. لا أحد يقارنالثورة السورية بالحركة الصهيونية، لكن ٳذا تمكنت حركة عنصرية من النجاح فلماذا لاتنجح ثورة عظيمة كالثورة السورية ؟  ماالمانع من أن نتعلم من نجاحات عدونا ؟ ما الذي يفرض علينا أن لا نستعمل طرقاًووسائل ثبتت نجاعتها لدى عدونا ؟ هذا لن يجعل من سوريا وثورتها نظيراً ﻹسرائيل،لكن لنكن منطقيين : هل ٳذا كانت ٳسرائيل عقلانية ينبغي علينا أن نكون مجانين ؟!ٳذا كانت ٳسرائيل دولة تعمل وفق منطق عملي وواقعي هل يجب علينا أن نكون حالمينومثاليين ؟

لننس المثال الصهيوني، ولنأخذ المثال الايرلندي أو الجنوب أفريقي أوأو…

اﻷمثلة التي نجحت في تحولها الديمقراطي وفي بناء دولتها عملت وفقمحورين : اﻷول هو اﻹطار السياسي وهو ٳطار سياسي غير مؤدلج.. بمعنى أن لا بعدايديولوجيا لهذا اﻹطار السياسي الجامع. كل الاتجاهات حتى الأقلوية منها لها الحقأن تتمثل في مجلس تأسيسي أو جمعية عامة دائمة الانعقاد ومفتوحة لكل المعارضين أوالمقاومين دون استثناء أو تخوين. عن هذه الجمعية ينبثق، وفق ممارسة ديمقراطيةشفافة وتوافقية، مكتب تنفيذي أو قيادة يعاد انتخابها وتغييرها دورياً بحسب أدائها.خارج هذا اﻹطار المفتوح لا أحد يحق له العمل بشكل مستقل، يكفي المرء أن ينضم لهذااﻹطار المفتوح للجميع ويعبر عن رأيه أياً كان بحرية ويطرح مواقفه للتصويت فٳن نالتالموافقة صارت موقفاً موحداً ملزماً للجميع.

المكتب التنفيذي وحده له السيادة على الذراع المسلح التابع للقيادة المدنيةالمنتخبة. الجناح المسلح له قيادة على اﻷرض وممثل أو أكثر في المكتب التنفيذي. حينتتخذ القيادة السياسية قراراً فعلى الجناح المسلح التنفيذ.

الجناح المسلح له الحق باختيار رجاله وعملياته وطرق تنفيذها بما يحققالمهمة التي كلفه بها القادة السياسيون مع ٳبداء رأيه للقيادة التي عليها أن تأخذبالحسبان حدود قدرات الجناح المسلح وضروراته التكتيكية.

خارج هذا اﻹطار الواضح يكون كل عمل مهما كانت دوافعه نبيلة، مبادرةفردية هي، في أحسن اﻷحوال غير مجدية، بل قد تكون مؤذية وكل من يخرج عن اﻹطارالتمثيلي الجامع هو في التقييم اﻷخير: “صاحب دكان”.

في النهاية، نعود ٳلى المجلس الوطني السوري وأدائه المزريواللاديمقراطي الذي يشجع على تجاوزه وعلى اعتباره، في أسوأ اﻷحوال”عقبة” في طريق العمل الجماعي السوري وفي أحسنها “دكاناً”ثورياً برعاية تركية قطرية ﻷصحابه من جماعة اﻹخوان المسلمين…

أحمد الشامي    http://www.elaphblog.com/shamblog  ahmadshami29@yahoo.com

نشرت في بيروت اوبسرفرالخميس 3 أيار 2012

http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=75344:chami&catid=39:features

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى