صفحات الناس

حدود أوروبا المفتوحة ترعبني/ يارا وهبي

 

أحرص دوماً عندما أسافر برفقة زوجي، إلى أيّ بلد أوروبي، على توصيته الوصية نفسها: إذا كنت نائمة ونحن نعبر الحدود، أيقظني. وهو قلّما يفعل ذلك، ما يجعلني أتذمّر بشدّة إذا صحوت ووجدتُ نفسي أصبحت خارج ألمانيا، من دون أن أرى الخطّ الفاصل.

لكن عن أيّ خطّ فاصل أبحث؟ يتساءل زوجي. وكثيراً ما أصحو وأنا في حالة من الخوف، وأسأله: لماذا لم توقظني؟، فيجيب هو: لكن لماذا؟ ليس هنالك فرق؟ لا في الطبيعة ولا في لون السماء، وما زالنا ضمن الحدود، لم نصل المدينة وجهتنا.

فلماذا فعلاً أريد ألا تفوتني رؤية الحدود؟

لأنّ عبور الحدود ما زال يعني لي كثيراً. فحتّى الآن لم أقتنع أنّ مشكلة ما لن تحدث، أو أن شرطياً أو جندياً لن يسأل؟

وكيف لي القدرة على عبور الحدود الأوروبية، وأنا التي ما زلت أحمل جواز سفر سورياً، أنتظر في مطار الإمارات لكي أحصل على الفيزا (تأشيرة الدخول) التي يتركها كفيلي في مكتب الجوازات. وأنا التي يعبر زوجي الألماني من دون “التشييك” (التأكّد والتمحيص) في أيةّ ورقة ثبوتية تخصّه. إذ يكفي أن يرفع جواز سفره في وجه موظّف الجوازات لكي يعبر حدود بلادي من دون أدنى سؤال، أو أقلّ ورقة رسمية. فكيف لي أن أعتاد الحدود المفتوحة، وأنا التي طال انتظاري على الحدود اللبنانية، لأصل ضفتي السورية، بينما يدقّق رجال الأمن ويتفحّصون الهوية وملامحي؟

وكم قضيت أوقاتاً عصيبة في أيام البرد الشديد وأنا أنتظر الصفّ الطويل من السيارات لكي ينتهي. فكيف لي اعتياد أنّ رجل الشرطة، أو الجندي الواقف على الحدود السويسرية، لن يعبث بحقائبي ويبعثر أشيائي رغم زياراتي المتعدّدة إليها؟ وأنّه يكفي مرور السيارة من المنفذ المبرمج حتّى تكون عملية التفتيش قد انتهت. وأنا التي عانيت سابقاً ما عانيت من فتح الحقائب وإعادة ترتيبها، في مطار دمشق الدولي.

فقط أمتلك هوية ألمانية، أجوب بموجبها أوروبا كلّها. ما من أحد يسألني عن فيزتي، ولا عن أيّ أوراق أخرى. هوية تظهر أنّني شخص مقيم في ألمانيا ليس إلا. هكذا يكفي أن تكون مقيماً لتتنقّل في القارة الأوروبية بأكملها. وهي ميزة حصلت عليها كما كثيرون غيري. ميزة منحها الاتحاد الأوروبي لسكّانه جميعاً، مبنية على ثقة الجار في الجار، وثقته في من يستضيف. قد تكون في محلّها مرّات كثيرة، وقد لا تكون في مرّات أخرى. لكنّها تجربة حتّى الآن حصدت كثيراً من النتائج الإيجابية.

هذه “الهوية” تجعلني عابرة قاريّة، وجواز سفري وهويّتي العربية وملامحي الشرقية لا يختلف اثنان على أصالتها، وأتكلّم العربية بطلاقة بطبيعة الحال. لكن كلّ هذا لم يمكّني ولم يمكّن غيري من اجتياز الحدود، ولا من بناء رابط الثقة هذا، ولا رابط المودّة على أقلّ تقدير، ولا رسم ابتسامة على وجوه كثيرين من العاملين في مطاراتنا الدولية. فأنا، بكلّ ما أملك من مقوّمات عروبية، متّهمة حتّى تثبت براءتي.

أخجل أن أجيب زوجي أنّ ما يجعلني أحرص على اليقظة التامة ونحن نعبر الحدود، هو حدود “بلاد العرب أوطاني”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى