صفحات العالم

حرب السنتين” في سوريا مرشّحة للتمديد بين استعصاء الحلّين العسكري والسياسي

 

    سميح صعب

تقاطعت مع اندلاع الازمة السورية قبل عامين شبكة مصالح اقليمية ودولية جرّدت هذه الازمة من كل مواصفات ما يسمى “الربيع العربي” الذي انطلق أواخر عام 2010 في تونس ومر على مصر وليبيا واليمن والبحرين. وباتت الازمة السورية تحمل وجهاً جيوسياسياً تراجعت معه مطالب الاصلاح ليتقدم النزاع الاهلي وتدخل الاطراف الاقليميين والدوليين طرفاً في النزاع. الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وتركيا وجامعة الدول العربية تطالب بتنحي الرئيس بشار الاسد وبقية رموز النظام، فيما ترفض روسيا والصين وايران تغيير النظام السوري بالقوة على رغم اقرارها بالحاجة الى اجراء اصلاحات سياسية في سوريا. 

ليس الصراع الدولي والعربي الناشئ على سوريا جديداً، فقد حاولت كل من القاهرة وبغداد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي جذب دمشق نحوها كي  تتمكن من بسط نفوذها في المنطقة. وفي اي اتجاه كانت تذهب سوريا كانت الكفة تميل.  وهذا الصراع الدولي نفسه حمى النظام السوري الان في مواجهة الازمة التي اندلعت في 15 آذار 2011. فروسيا ترفض ان يتكرر السيناريو الليبي في سوريا بحيث تخسر موسكو آخر معاقلها في المياه الدافئة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية تحاول روسيا فلاديمير بوتين، التي تعزز اقتصادها في الاعوام الاخيرة نتيجة ارتفاع اسعار النفط،  استرجاع دور على الساحة العالمية فقدته مع انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي في اوائل التسعينات.

وبما ان الروس يستشعرون الانكفاء الاميركي في الاعوام الاخيرة عن الشرق الاوسط لا سيما منذ انسحابهم العسكري الكامل من العراق أواخر 2010، بعد انفلاش في العقدين الاخيرين انتهى بأزمة مالية كبرى عام 2008، فإن موسكو تعتبر ان اللحظة السياسية ربما تكون قد حانت من اجل العودة الى الساحة الدولية. ولذلك استخدمت “الفيتو” مع الصين ثلاث مرات لمنع تمرير  مشاريع قرارات  في مجلس الامن يمكن ان يفسرها الغرب بمثابة ضوء اخضر لشن عمل عسكري ضد سوريا على غرار ما جرى في ليبيا.

والمعاندة الروسية في الموضوع السوري حملت الولايات المتحدة “المنكفئة” عسكرياً الى البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، فكان بيان جنيف في حزيران 2012 لمجموعة العمل الدولية من اجل سوريا. في هذا البيان اعترفت واشنطن بأن لروسيا دوراً في الازمة السورية، الامر الذي لم يكن ليحدث لو كانت اميركا قادرة فعلاً على شن عملية عسكرية ضد سوريا، كما فعلت في الماضي في افغانستان والعراق، وقبل ذلك في يوغوسلافيا السابقة وفي البوسنة وفي حرب الخليج الثانية.

ولا يترجم الانكفاء الاميركي نفسه في الازمة السورية فحسب، بل ايضاً في الموقف من البرنامج النووي الايراني ورفض الرئيس باراك اوباما اللجوء الى الخيار العسكري قبل استنفاد الخيارات الديبلوماسية. وتستخدم ايران ورقة المفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد حول برنامجها النووي من اجل تثبيت  مكاسب حققتها بقوتها الناعمة في العقد الاخير لا سيما بعد سقوط نظام “طالبان” في افغانستان وصدام حسين في العراق. واعتبرت طهران اسقاط الاسد خطاً احمر، والتقطت اقتراح الرئيس المصري محمد مرسي لانشاء لجنة رباعية تضم مصر وايران وتركيا والمملكة العربية السعودية من اجل البحث عن حل سلمي للازمة. لكن لا يبدو ان امام هذه اللجنة أية حظوظ بالنجاح بعد رفض الرياض المشاركة في اعمالها.

لذلك يبقى المسعى الاميركي – الروسي عبر الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الاميركي جون كيري في برلين في شباط الماضي، فضلاً عن اجتماعات نائب وزير الخارجية الاميركي وليم بيرنز ونظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، كما ان اللقاءات التي يعقدها المسؤولون الاميركيون والروس مع المبعوث الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا الاخضر الابرهيمي هي المحاولات الاكثر جدية في البحث عن تسوية سلمية للازمة السورية.

وبات ثمة اعتقاد لدى الجميع ان في امكان واشنطن وموسكو ان تفرضا الحل السياسي اذا ما مارستا ما يكفي من الضغوط على الاطراف السوريين والاقليميين، علماً بأن هناك اطرافاً مثل قطر وتركيا والسعودية ما برحت تراهن على انه لا يزال ثمة مساحة للحل العسكري اذا ما عمدت اميركا واوروبا الى تزويد المعارضة السورية سلاحاً حديثاً يحقق توازناً مع قوة الجيش السوري النظامي. وهذه الدول الاقليمية الثلاث لا ترى تصوراً لأي حل يبقي الاسد في السلطة ولو كان بشكل رمزي بعدما انتقلت الخصومة من السياسة الى الامور الشخصية على ما يبدو. ومن هنا يمكن تفسير القرار الأخير لجامعة الدول العربية بتشجيع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” على تأليف حكومة موقتة، والقرار الآخر بترك الحرية للدول الاعضاء في الجامعة كي تسلح المعارضة السورية.

لكن لا الحل العسكري الذي يفضله العرب والاتراك قريب المنال، ولا الحل السياسي الذي تعمل عليه الولايات المتحدة وروسيا تظهر ملامحه التفصيلية حتى الآن، وان كل الكلام الصادر لا يزال ضبابياً.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى