صفحات العالم

حرب سوريا غير السورية/ مهند الحاج علي

 

 

أكثر ما يدعو للتفكر في فشل الاتفاق الروسي-الأميركي الأخير، هو طبيعة الحرب السورية. وهذه دعوة كذلك للسؤال عن ماهية صراع لا يبدو اتفاق بين دولتين بارزتين، قادراً على إنهائه أو حتى التخفيف من حدته تمهيداً لمفاوضات حول الحل النهائي.

أول هذه الأسئلة هو هل باتت الحرب السورية مرتبطة بقضايا دولية متباعدة؟

لروسيا ملفات أخرى تتفاوض حولها مع الولايات المتحدة وأوروبا، من أوكرانيا وجورجيا وتوسع الحلف الأطلسي شرقاً، إلى آسيا الوسطى. وتركيا تفاوض على دورها في الشرق الأوسط والعالم، ولدخول الاتحاد الأوروبي وتواجه أعداء داخليين أبرزهم مقيم في الولايات المتحدة. كما للصين، وهي لاعب يزداد انخراطه دعماً للنظام، حساسيات من الأزمة الحدودية في بحر الصين الجنوبي، إلى تايوان وكوريا الشمالية وقضايا اقتصادية كتثبيت العملة والتجارة الحرة. وللدول العربية الداعمة مالياً لفصائل سورية، هموم تتجاوز الوضع السوري، من حرب اليمن إلى احتواء النفوذ الإيراني.

والواقع أن تدويل الحرب السورية، ليس واضح المعالم، ولا يُشبه في ذلك حروباً كثيرة في منطقتنا يتصارع فيها طرفان اقليميان، بل بات أقرب إلى كرة ثلج تزداد تعقيداً. بيد أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يضم ٦٠ دولة شاركت بشكل أو بآخر في الغارات الجوية ضد تنظيم ”داعش“، ولبعضها علاقات تمويل مع فصائل وقوى على الأرض. هناك دولتان على الأقل، الولايات المتحدة وبريطانيا، لديها قوات خاصة على الأرض تُشارك في قتال التنظيم انطلاقاً من مناطق نفوذ الأكراد. جنوباً، تُدير تركيبة قريبة، مع غلبة أردنية، غرفة العمليات الدولية المشتركة المعروفة بإسم ”الموك“.

ولتركيا نفوذ واسع شمال سوريا، من حزامها الأمني في جرابلس، إلى مناطق سيطرة فصائل ”جيش الفتح“ و”الحزب الإسلامي التركستاني“ (مقاتلون من أقلية الإيغور شرق الصين) الدائرة في فلكها. وهذا النفوذ خاضع لحسابات وسياسات مختلفة، مثل مواجهة الخطر الانفصالي الكردي، وهو همّ يتعارض جذرياً مع السياسة الأميركية في سوريا.

على جانب النظام، هناك تعقيدات مماثلة. ميليشيات شيعية عراقية ولبنانية وسورية وأفغانية وباكستانية تدور جميعها في فلك إيران. يُقابلها دور روسي فاعل ومؤثر جوّاً ومركز نفوذه وحضوره في اللاذقية. وبين النفوذين الروسي والإيراني، ينكفئ النظام إلى لاعب ثانوي.

وليس بعيداً عن الواقع الدولي، يُطرح سؤال ثان عن مدى علاقة الحرب السورية بصعود يميني في أوروبا والولايات المتحدة، وقد يُشكل اصطفافات دولية مختلفة؟

الولايات المتحدة على أبواب إدارة جديدة. إن فازت هيلاري كلينتون، قد تزيد حدة مشاركة القوات الأميركية، ومعها احتمالات المواجهة مع روسيا. لكن لفوز خصمها الجمهوري، وهو غير مرجح حتى هذه اللحظة، انعكاسات مغايرة، في ضوء الكيمياء بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بعد الانتخابات الأميركية بشهر، يبدأ أول الاستحقاقات الأوروبية التي ستُقرر وجهة القارة واتحادها. في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، تختار النمسا رئيساً في استحقاق يبدو مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف نوربرت هوفر الأوفر حظاً فيه. والأخير يريد بعد فوزه التأسيس لإتحاد ضمن إتحاد مع مكونات الامبراطورية النمسوية-المجرية، وعلى رأسها المجر، حيث يحكم حزب يميني متشدد، وجمهورية التشيك وكرواتيا. فرنسا وألمانيا حيث لليمين حظوظ متزايدة، تشهدان انتخابات مصيرية العام المقبل.

لكن يُخطئ من يعتقد بأن اليمين المتشدد سيكتسح أوروبا، أو سيُمنى بخسارة فادحة. الأرجح أن يقسم القارة والاتحاد، سيما أن العام المقبل  سيشهد أيضاً بدء عملية خروج المملكة المتحدة وسط مفاوضات شاقة. ولهذا الخروج عواقب على متانة الإتحاد وطبيعة السياسة فيه، والاصطفافات في العلاقات والصراعات الدولية.

ولحرب سوريا في كل ذلك حصة. المجر رفضت الالتزام بحصتها الأوروبية من اللاجئين، وباتت حكومتها اليمينية تساويهم بالارهابيين والمجرمين، في حين تريد لوكسمبورغ طردها من الاتحاد الأوروبي. إنها انعكاسات حرب سوريا، بلاجئيها، تهز قلب أوروبا وإتحادها. هذه السنة، وتحديداً من شهر تشرين الثاني (أكتوبر) المقبل حتى الانتخابات الألمانية صيف عام 2017، ستُرسم صورة عالم جديد لا تبعث بوادره على التفاؤل، لكنه سيُحدد مسار الحرب والسلم في سوريا.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى