حروب بـ«الوكالة» في سوريا وعليها
عريب الرنتاوي
لعلها المرة الأولى التي يتأكد فيها اشتراك عناصر من حزب الله في مهام قتالية في سوريا…الحزب ألمح إلى ذلك ولم يصرح…لكن الدلائل المحيطة بمقتل عدد من كوادره العسكرية أثناء “تأديتهم للواجب” تسمح بالاعتقاد بأننا أمام خطوة تحضيرية لإشهار الانخراط المباشر للحزب في الحرب الدائرة في سوريا وعليها.
قبل ذلك، كانت أنباء وتقارير تتحدث عن وجود خبراء إيرانيين ومستشارين روس في سوريا، وظيفتهم تقديم الدعم والمشورة للقيادة العسكرية والأمنية السورية على الأرض، في حادثة الطائرة التركية مثلا، جرى تداول تقارير ومعلومات عن “دور روسي بإسقاطها”…والمختطفون الإيرانيون لدى المعارضة قيل أنهم جزء من شبكة قد يصل تعدادها إلى حوالي الـ”2000” خبير ومستشار، يساندون النظام السوري في حربه على المعارضة، أو “العصابات المسلحة” وفقاً للخطاب الرسمي السوري المعتمد.
في المقابل، كنا نتابع أنباء سقوط “المجاهدين” من مختلف الجنسيات في معارك ومواجهات مسلحة على الأرض السورية…هؤلاء كما تجمع التقارير، مدعومون مادياً وتسليحياً ولوجستياً، من منظمات لبنانية وعربية، وعواصم محسوبة على “المحور الآخر”، المتشكل أساسا من المثلث القطري-السعودي- التركي، الذي يجاهر بدعمه المفتوح للمعارضة السياسية والمسلحة في سوريا.
ولم يعد الوجود الأمني والاستخباري الغربي- العربي-التركي على الأرض السورية، أمراً تحرص هذه الأطراف على نفيه وإنكاره، بعد أن نُشرت عشرات التقارير في صحف الغرب، التي تتحدث عن هذه المسألة وتكشف جوانب مختلفة من عمل هؤلاء العملاء، سواء في مجال الدعم الفني واللوجستي أو في حقل التدريب ورفع المهارات وبناء القدرات الخاصة بالجيش السوري الحر وبقية فصائل المعارضة المسلحة.
نحن إذن، أمام حرب إقليمية – دولية، تشن بالوكالة في سوريا وعليها….تنخرط فيها عواصم إقليمية ودولية بنشاط منقطع النظير…وبصورة تزداد وضوحاً و”علانية” يوماً إثر آخر….وأحسب أن “السياقات السياسية” لهذه الحرب، باتت معروفة وواضحة للعيان، فعندما تعلن روسيا وإيران وحزب الله أن سوريا هي خط دفاعها المتقدم، وأن حرب النظام السوري هي حروبها الخاصة، فمعنى ذلك أنها لن تبخل بتقديم المال والسلاح وشتى أشكال الدعم للنظام…وعندما تعلن الدوحة والرياض وباريس ولندن وواشطن وأنقرة، بأن الأسد لن يبقي على مقعده الرئاسي الوثير، يصبح مفهوماً أنها لن تتوانى عن تقديم “الغالي والنفيس” لدعم معارضيه.
المضحك المبكي -على قاعدة شر البلية…- أنه ما أن يقع فريق على أية معلومة دالة على تورط الفريق الآخر بإرسال العناصر والخبراء والجواسيس و”المجاهدين” للقتال في سوريا، حتى تقوم الدنيا ولا تقعد…لكأنه يعتبر أن تدخل حلفائه في شؤون سوريا الداخلية، و حربها الأهلية الطاحنة، هو من باب “الدعم الأخوي المنزه عن كل غرض”، وأن الشر المستطير كله، يسير في ركاب “الوافدين” لدعم الفريق الآخر.
لم يمض على”ربيع سوريا” سوى أشهر معدودات حتى استحال خريفاً…لم يمض على ثورة الشعب السوري سوى أشهر معدودات، حتى فتحت سوريا أبوابها لكل أشكال التدخلات الإقليمية والدولية في شؤونها الداخلية…لم يمض على الحرب في سوريا سوى فترة قصيرة للغاية حتى صارت حروبا مركبةً، إقليمية ودولية، تكاد تنسينا أهداف الثورة السورية وشعاراتها الأولى.
في ظني، أن تطورات الأزمة السورية، ما زالت مفتوحة على مزيد من التصعيد والتصاعد، ما لم يتحقق التوافق الأمريكي الروسي على ملامح الحل النهائي وخريطة الطريق الموصلة إليه…ومثل هذا التوافق، الصعب وليس المستحيل، ينتظر استحقاقين اثنين: الأول، مصائر “أم المعارك” في حلب، فهذه المدينة التي كانت الأخيرة في الإلتحاق بركب الثورة، ستقول الكلمة الأخيرة على ما يبدو، في تحديد وجهة سير الأزمة السورية واتجاهات تطورها، سلماً أم حرباً…والثاني، هو الانتخابات الأمريكية بعد شهر من الآن، حيث لا حراك سياسياً إو عسكرياً جدياً قبل هذا الاستحقاق…سوريا بانتظار شهر حاسم، سياسياً وميدانياً
إن تفتحت الآفاق أم التسوية السياسية، سيتراجع منسوب العنف، الذي يوليه الأخضر الإبراهيمي الاهتمام الرئيس في مبادرته وأفكاره ولائحة أولوياته، وإن بدا أن هذه “التسويةالصفقة” متعذرة، فلن تظل حروب الإقليم على سوريا، تُداور بـ”الوكالة” وعبر الوكلاء الحصريين…الأزمة حينها ستأخذ منحى جديداً، يصبح معها مقتل استشهادي ليبي أو تونسي، أو مصرع مقاتل من حزب الله، خبراً ثانوياً لا توليه الصحافة الاهتمام الذى أولته لخبر مقتل عناصر حزب الله في سوريا مؤخراً.
الدستور