صفحات العالم

“حزب الله” أمام تحديات أكثر خطورة

روزانا بومنصف

رغم ان الانتفاضة الشعبية في سوريا تتصل باعتبارات سورية لا علاقة لها بالخارج، تماما مثلما كانت عليه الانتفاضات في الدول العربية الاخرى، فان مصادفتها في هذا التوقيت يعزز موقف “حزب الله” في الدفاع الذي يقيمه في وجه المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، اذ ان مواجهة النظام السوري لما اعتبرته ايران حليفته مؤامرة اسرائيلية اميركية تهدف الى النيل منه تجعل من افرقاء هذا المحور “ضحية” ككل ما دامت ايران هي في مواجهة في الاصل مع المجتمع الدولي، وذلك لاعتبارات اهمها المشروع النووي الايراني وانضم النظام السوري الى هذه المواجهة بعد المطالبة الدولية بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد. ولذلك يسهل على “حزب الله” ان يدرج ما يواجهه في موضوع المحكمة في السياق نفسه، علما انه يعتبر نفسه مستهدفا منذ صدور القرار 1559 ويمكنه ان يسوق هذه النظرية لدى مناصريه وجمهوره باعتباره جزءا لا يتجزأ من المحور المواجه للغرب، تماما مثلما يسهل القول بادراج لبنان ككل من ضمن ما يسمى محور الممانعة تحت عناوين مشابهة .

ويقول مراقبون ديبلوماسيون في بيروت ان “حزب الله” يحاول ان يظهر كأن موضوع المحكمة لا يعنيه وانه مرتاح الى وضعه أياً تكن الامور. وهو لن يأبه لاجراءات المحكمة التي لا يقيم لها وزنا. وقد ظهر حديث أحد المتهمين من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري لمجلة “تايم” الاميركية، قبل نفي الحزب لحصوله واتضاح ملابساته، بمثابة تحد للمجتمع الدولي يماثل كما يقول هؤلاء المراقبون ما قام به الرئيس الايراني احمدي نجاد لدى تعيينه احمد فاهيدي وزيرا للدفاع الايراني فور اصدار الانتربول مذكرة توقيف دولية في حق هذا الاخير لاتهامه من محكمة ارجنتينية بالضلوع في تفجير مركز يهودي العام 1994، بما يرمز ذلك من رسالة استهانة ايرانية بالمعايير الدولية والرغبة في المواجهة على كل الأصعدة. وقد اثارت زيارة الوزير الايراني الشهر الماضي لبوليفيا ازمة مع الارجنتين لهذا السبب ولم تعمد الدولة المضيفة الى توقيف الضيف رغم وجود مذكرة توقيف عن الانتربول، واثارت الزيارة انتقادات وتفسيرات للعجز الدولي عن تنفيذ قرارات مماثلة. ولعل الاطلالة المقصودة لأحد المتهمين ترمي الى الامر نفسه والقول بوجود حصانة لهؤلاء محلية لا يمكن للخارج ان ينالها أياً تكن الاعتبارات، خصوصا متى وضعت تحت عنوان ” المقاومة ” وفق ما جاء في كلام هذا المتهم عن وجوده في مهمة اخرى، كما قال، لدى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. علما ان الوضع مختلف بالنسبة الى الحزب من ثلاث زوايا على الاقل: الاولى ان الحزب يتناقض قولا وفعلا في موضوع لامبالاته ازاء المحكمة، فهو يستعد لاقامة دفاع اعلامي وسياسي عن العناصر المتهمين على قاعدة ان يكون دفاعا حقوقيا انما خارج قاعات المحكمة وكأنه داخلها بناء على ما افرج عن وثائق في القرار الاتهامي تتعلق بالاتصالات الهاتفية، في حين ان القرار الاتهامي يقوم على ما يزيد على 36 الف صفحة. وامتلاك الحزب الاثباتات الدامغة المقابلة التي تثبت “عدم مهنية ” المحكمة يسهل جدا مقارعة المحكمة على ارضها وامام العالم من اجل اثبات ان العدالة الدولية يمكن ان تكون مخطئة وعمياء. ولا يرى احد سببا في ظل امتلاك الحزب ما يلزم من توكيل فريق للدفاع يقدم الوثائق التي يملك امام المحكمة. وفي حال قام الحزب بذلك فهذا يعني انه يبالي بذلك مع الاخذ في الاعتبار ان المطالعات السابقة لدحض حيادية المحكمة ومحاولة توجيه التحقيق الى وجهة اخرى لم تنجح، وهو لم يقدم ما يلزم الى المحكمة حتى بالواسطة.

ان اداء الحزب على هذا الصعيد اصاب حتى الان الحكومة اللبنانية اكثر من اي طرف آخر، اولا من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله معلنا عدم تسليم العناصر المتهمة حتى لو بعد 30 سنة او 300 سنة، في حين تمت الاستعانة بالرئيس نجيب ميقاتي من اجل توفير غطاء شرعي سياسي مناسب ومقبول محليا ودوليا يقي الحزب ما يمكن ان يواجهه على هذا الصعيد. وكذلك الامر بالنسبة الى حديث احد المتهمين الى مجلة اميركية في وقت ابلغت الحكومة اللبنانية المحكمة التزامها البحث عن المتهمين ونالت رد فعل ايحابياً اوليا على التعاون مع المحكمة، وفي حين ان هذا الحديث يعرض الحكومة لاحتمالات اتهامها بالتواطوء مع الحزب وعدم تعاونها جديا مع ما يمكن ان يستتبع ذلك. كما يصيب الرئيس ميقاتي وصدقيته على هذا الصعيد ويضعفها امام الخارج من حيث انها تظهر الحكومة ككل غطاء لحكم “حزب الله”، خصوصا في ظل تضافر عوامل اخرى تتصل بمطالب حلفاء الحزب من القوى المسيحية التي يعلن وزراء حاليون ان مسعاهم هو لتمويل الحكومة انتخاباتهم النيابية المقبلة وان رئيس الحكومة مضطر لذلك رغم معرفته بذلك. فمع ان احدا لم يعتقد لحظة ان في امكان السلطة اللبنانية ان توقف ايا من المتهمين اكانوا موجودين في لبنان او خارجه، فان في هذا الاعلان المقصود عن وجود هذا المتهم ومعرفة الحكومة به من دون امتلاك القدرة على توقيفه، يفيد بالتصريح علنا وعلى نحو واضح ان الحزب هو صاحب الامرة في البلد وان الحكومة هي واجهة وعاجزة، وان احدا لن ينال من الحزب او سلطته. وهذا احراج كبير لرئيس الحكومة حتى امام طائفته وسائر اللبنانيين .وكانت ترددت معلومات بعد ظهر امس ان التطورات الاخيرة احدثت استياء كبيرا جدا لدى الرئيس ميقاتي نقله الى الرئيس نبيه بري من اجل معالجة الموضوع تفاديا لاجراءات او خطوات يمكن ان يقدم عليها.

ان الحزب يحرص على نقاء صورته لدى محازبيه وانصاره ولدى طائفته، ومشكلته ليست مع الخارج في القرار 1559 او سواه بل باتت مع الداخل . ولعل ذلك اخطر ما يواجه الحزب الذي رفع الى مستوى دقيق مواجهته المحكمة من خلال تعميم الاتهام لعناصر من الحزب على الطائفة مما يكسب هذه المواجهة طابعا خطرا من حيث وضع غضب طائفة باسرها في مواجهة غضب طائفة اخرى، لن يهمده لا الدفاع الاعلامي والسياسي الذي لا يقنع سوى المؤيدين والمناصرين في ظل الاصطفاف السياسي والطائفي الحاد القائم، كما لن يهمده اي اداء يستعيد تجارب مواجهة اخرى. فالمشكلة لدى الحزب باتت مع الشركاء الاخرين في الوطن الواحد على كل المستويات تقريبا، من المحكمة الى السلاح والى الرؤية الاقليمية مما يهدد بمأزق للحزب ايا يكن موقعه في السلطة او خارجها كما للبلد ككل.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى