حزب سوريا المستقبل.. دلالات وأسئلة/ خورشيد دلي
كان لافتا الإعلان في مدينة الرقة السورية عن تأسيس حزب جديد باسم حزب سورية المستقبل قبل أيام، جاء إعلانا حمل معه جملة من الدلالات، لجهة التوقيت والمكان والرسائل والمأمول والأسئلة. مع أن ظاهرة انتشار الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية والعسكرية في الساحة السورية باتت من أهم مظاهر الأزمة السورية، إلا أن تأسيس حزب سورية المستقبل على أنقاض مدينة الرقة المدمرة، وبحضور نحو ألف شخص، يمثلون معظم مكونات الشعب السوري، أمر مثير، لا سيما لجهة الأسئلة، فالساحة التي عقد فيها المؤتمر هي نفسها التي رفعت فيها صور الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، عقب طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، والمدينة، الرقة، تقع تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكل وحدات حماية الشعب عمادها الأساسي. وعلى الرغم من الحضور الكردي النوعي والكثيف في المؤتمر، إلا أن القاعة التي عقدت فيها الجلسات خلت من أي علم أو شعار أو لغة أو إشارة إلى الكرد ولغتهم، بل ومطالبهم التي رفعوها طوال الفترة الماضية! مع أن ثمة قناعة راسخة لدى الأوساط المطلعة بأن الطرف الكردي، وتحديدا حزب العمال الكردستاني، هو من يقف وراء تأسيس هذا الحزب.
في الأوساط الكردية، ثمّة من يعتقد أن تأسيس هذا الحزب جاء وفقا لرغبة أميركية، لها علاقة بتأسيس تنظيم يحظى بقبول من جميع الأطراف السورية، ولا يثير التوتر مع الدول الإقليمية،
“تجديد الخطاب الكردي مطلوب، بل وضروري، ولا سيما في هذه المرحلة حيث تظهر بوادر انشقاق كردي – عربي”
وتحديدا تركيا التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع المشروع الكردي في شمال شرق سورية. ويضيف بعضهم أن هذا الحزب جاء ليكون بديلا عن حزب الاتحاد الديمقراطي، استجابة لظروف المرحلة الجديدة. ولعل هذا ما يوحي به ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الحزب، إذ خلافا لخطاب حزب الاتحاد الديمقراطي، حمّل البيان النظام السوري وحده مسؤولية الأزمة السورية، لاستمراره في نهج العسكرة. وحصر الإرهاب بتنظيمي داعش وجبهة النصرة من دون الإشارة إلى فصائل أخرى، كانت تصنف إرهابية وفق “الاتحاد الديمقراطي” وحركة المجتمع الديمقراطي. ونبه البيان إلى ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع الجوار الجغرافي، وحدّد تركيا بالاسم خلافا للخطاب العدائي الحاصل بين تركيا والكرد، لم يشر البيان لا من قريب ولا من بعيد إلى الإدارة الذاتية الكردية أو فيدرالية شمال سورية أو إقليم روج آفا أو الكانتونات والمقاطعات… وغيرها من المصطلحات السياسية التي سادت الخطاب الكردي في السنوات الأخيرة، بل حرص البيان مرارا على الإشارة إلى وحدة الدولة السورية دولة ديمقراطية، لا مركزية، تعدّدية، تقوم على المواطنة والحقوق والواجبات، وذلك كله من خلال التغيير السلمي ومؤتمر جنيف وفقا للقرار الدولي 2254 ودستور جديد.
تجديد الخطاب الكردي مطلوب، بل وضروري، ولا سيما في هذه المرحلة حيث تظهر بوادر انشقاق كردي – عربي. لكن يبقى الأهم كرديا وسوريا كيفية تحويل هذا الخطاب إلى مرجعية سياسية وممارسة عملية، ومفاهيم ثقافية، تصب جميعها في الحالة الوطنية، من دون إنكار الهوية الكردية. وعليه، يضع طمس الهوية الكردية، في مؤتمر انعقد وسط السيطرة الكردية، ما صدر عن المؤتمر في امتحان الاختبار، لا على المدى اللحظي القريب، بل في إطار استراتيجية بعيدة المدى، من خلال جعل هذا الخطاب مسارا فعليا للشعارات التي رفعت، ولعل المسؤولية عن ذلك تتجاوز حزبا بعينه إلى كل الأحزاب والقوى التي ترى نفسها معنيةً بمستقبل سورية.
العربي الجديد
“سوريا المستقبل”: مشروع أميركي لاحتواء الصراع العربي-الكردي؟/ سعيد قاسم
خرج البيان الختامي لـ”حزب سوريا المستقبل”، بنقاط مثالية بالنسبة للقوى المعارضة لسياسات حزب “الاتحاد الديموقراطي”، سواء لجهة انفتاحه على القوى السورية المعارضة أو الإشارات التي أرسلت إلى الدول الإقليمية بالرغبة بإقامة علاقات جيدة معها، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية.
وكان 800 مندوب قد حضروا من مختلف مناطق “الإدارة الذاتية” في 27 أذار/مارس، في مدينة الرقة، وأعلنوا عن المؤتمر التأسيسي لـ”سوريا المستقبل” تحت شعار “سوريا تعددية ديموقراطية لا مركزية”. وانتخب المؤتمر ابراهيم القفطان، الرئيس السابق لـ”المجلس التنفيذي للإدارة المدنية الديموقراطية لمدينة منبج”، سكرتيراً للحزب، وهفرين خلف، المسؤولة سابقاً عن “هيئة الاقتصاد للادارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة”، أميناً عاماً للحزب.
الحزب الجديد انطلق من مدينة الرقة واهتم بمشاركة مندوبين عن العمق السني العربي؛ ديرالزور والطبقة ومنبج والرقة. وعلى الرغم من أنه تلقى دعماً من “الاتحاد الديموقراطي” في عملية تأسيسه إلا أنه يأتي بديلاً عن مشروع “مجلس سوريا الديموقراطية” الذي فشل في كسب العرب السنّة. ويشبه “المستقبل” “مجلس سوريا” من حيث الشكل، إذ تتشارك فيه مكونات مختلفة، إلا أنه يختلف عنه من حيث المضمون في خطابه السياسي وتمسكه بالقرار الدولي 2254 لحل الأزمة السورية وتحميله النظام السوري المسؤولية الرئيسية لما جرى من دمار وخراب. ويشير ذلك إلى أن الحزب هو بديل مختلف، يحاول أن يكون جامعاً، أو محاكياً لتطلعات العرب في دعمهم للثورة السورية، وكسب ثقتهم في التركيز على عدم اقتطاع جزء من الاراضي السورية، بالإضافة إلى عدم ارتباطه بمشاريع إقليمية. وهي أمور كانت تشكل حاجزاً بين “الاتحاد الديموقراطي” ومشروع “فيدرالية شمال سوريا” من جهة، وبين العرب في الرقة ودير الزور من جهة أخرى.
سكرتير الحزب ابراهيم القفطان، قال لـ”المدن”: “سوريا المستقبل حزب سياسي سوري وطني لا يؤمن بالمركزية وهدفه التعددية، وهو حزب تقدمي سيسعى إلى إعادة اللحمة الوطنية وهو يؤمن بالتغيير السياسي السلمي ورفض كل أشكال الشوفينية والعنصرية”.
وما يعزز من فرضية فشل مشروع “مجلس سوريا الديموقراطية” هو توقف العمل بخطوات تكريس مشروع الفيدرالية؛ إذ توقفت الانتخابات المجالس المحلية عند المرحلة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وتأجلت المرحلة الثالثة الى أجل غير مسمى.
ويرى بعض المراقبين في حزب “المستقبل” أنه مشروع مدعوم من دول خليجية، يهدف لتأسيس كيان سياسي محلي، يعتمد عليه في عمليات إعادة الإعمار في الرقة وديرالزور، ويأتي في سياق الصراع مع تركيا على الزعامة السنية، وبالتالي تأتي هذه الخطوة لقطع الطريق أمام تكرار سيناريو مماثل لما حدث في عفرين، خاصة مع التهديدات التركية لبقية المناطق الخاضعة لسيطرة “الاتحاد الديموقراطي”.
تركيا وصفت الحزب بأنه مسمى جديد لحزب “الاتحاد الديموقراطي”، وعلق رئيس وزرائها بن علي يلدرم في مؤتمر صحافي، الخميس: “قلنا في كل مناسبة إنهم يغيرون أماكنهم وأسماءهم بشكل متكرر ويظهرون بأسماء جديدة في سوريا والعراق، ولكن عند نزع الاقنعة ينكشفون أمام الجميع”.
مخاوف تركيا لا تبدو منطقية لجهة عدم وجود شخصيات عسكرية من “الاتحاد الديموقراطي” في الحزب، كما لا توجد شخصيات سبق وعملت ضمن صفوف “الاتحاد الديموقراطي”، إلا أنها منطقية لجهة انبثاق الحزب من “الإدارة الذاتية” بمعنى أن أغلب الشخصيات في الحزب كانت عاملة ضمن المجالس المدنية والهيئات الادارية التي عملت تحت اشراف “الاتحاد الديموقراطي”، وهذا قد يُرجّح احتمال كون “سوريا المستقبل” يحظى بدعم أميركي لتأسيس بديل عن “الاتحاد الديموقراطي” لحماية مصالحها في مناطق حوض الفرات في سوريا، والاعتماد على شخصيات تتوافق مصالحها مع الادارة الحالية وغير متمسكة بايدولوجية “الاتحاد الديموقراطي”.
وفيما لو كان المشروع أميركياً فإن الإعلان من الرقة عن تأسيس حزب سياسي يجمع مختلف مكونات المنطقة بصبغة عربية بخلاف مشروع “مسد” الذي كان يحمل طابعاً كردياً، يشير إلى أن المناطق ذات الغالبية الكردية؛ الجزيرة وكوباني، ربما ستكون ساحة معارك مقبلة بين تركيا و”وحدات الحماية” الكردية. وعلى ذلك فإن الولايات المتحدة ربما تريد ممثلاً سياسياً محلياً يعزل مصالحها في حوض الفرات عن التوترات الكردية-التركية التي يبدو أن عفرين كانت مجرد بداية لها.
المدن