حطلة وحدود المجزرة
نبيل محمد
جرت العادة خلال العامين الماضيين في سوريا، أن يبثّ الشكّ حول كل موقعة يسقط فيها عدد كبير من القتلى. هل هي مجزرة، أم “تطهير من الإرهابيين”؟ هل هي تصفية مذهبية، أم حرب مع النظام؟ وقد بدأت تتكاثر الحالات التي يتم تبادل الأدوار بين النظام وأطراف من المعارضة المسلحة، تضيع هي أيضاً وضوح الحدود بين قتال خصومها المسلحين وارتكاب الجرائم المذهبية.
لم يكن واضحاً ما جرى في حطلة القرية الواقعة في محافظة دير الزور، خاصة مع تضارب المعلومات التي نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان مع ما نقله ناشطون ميدانيون وما نقلته صفحة الناطق الرسمي لثورة الفرات، وما تم بثه في تسجيلات الفيديو.
تأتي أهمية “حطلة” من احتوائها على المكون الشيعي حيث تقطنها عائلات كثيرة “تشيعت خلال السنوات الأخيرة”، كما تنتشر فيها الحسينيات، إلا أن أغلبية قاطنيها من السنة، وهو ما جعل المدينة مؤهلة لتحتوي على شكل من أشكال الصراع. وهو ما لم يحدث خلال عامين بشكل واضح، فمشاركة الشيعة بشكل خاص في القتال إلى جانب قوات الأسد كانت بسيطة ولا تختلف عن بعض مسلحي القبائل وما يطلق عليهم اسم “شبيحة دير الزور”، ولكن الأيام القليلة الماضية حملت أخبارا مخالفة لهذا التصور الذي ساد لأكثر من عامين، وبدا أن معركة القصير فتحت مجالات أخرى بفعل التوظيف الديني الذي حضر فيها.
بدأت أحداث حطلة وفق قول “أبو عمار” الناشط الميداني والمنظم في صفحة الناطق الرسمي لثورة الفرات بهجوم “مجموعة من مسلحي حطلة الشيعة” على حاجز من قوات المعارضة وقدر عددهم بثلاثين مسلحاً، وهو ما أدى إلى اشتباكات عنيفة قتل فيها عناصر من مسلحي حطلة ومن قوات المعارضة، ثم قامت عناصر من “الجيش الحر” بدخول القرية وملاحقة ما تبقى من مسلحين وقتل بعضهم وأسر آخرين.
وبعد الدخول إلى القرية بدأت المعلومات بالتضارب عما جرى فيها، بين من نقل حالة من التجييش الطائفي فيها ومجازر استهدفت “الشيعة” بقتل أحد شيوخهم مع ابنه، ومن نفى أن يستهدف الرصاص أي مدني واصفاً الوضع ب”الطبيعي جداً” وأن ما جرى هو ملاحقة مسلحين متعاملين مع النظام وقتلهم.
ونقل “مكتب أخبار سورية” وفق “مصادر من حطلة” أن لا مشكلة سابقة حصلت في المنطقة سوى تعرضها لقصف النظام وأن الإشكال الذي تم نشره على أنه صراع طائفي ما هو إلا من صناعة النظام “حيث سلّح مجموعة من الشيعة ووجههم تجاه الجيش الحر” وهو ما يعلق عليه أبو عمار بالقول: “لا يوجد أية طائفية بالموضوع فهم مجموعة من الشيعة الموالين للنظام كانوا في هذه القرية آمنين، ولكن بعد محاولتهم نصرة النظام قامت الكتائب بالهجوم عليهم وقتل كل من قاتلها وليس جميع أبناء القرية”.
وتم تداول مجموعة من الفيديوهات على شبكة الإنترنت بينها تسجيل لمقاتلين ينتمون إلى “كتيبة مؤتة” يعلنون انتصارهم في معركة حطلة ويتحدثون عن استعدادهم لاقتحام “بيوت الرافضين الشيعة” ويؤكدون أنهم أحرقوا بيوتهم، وتسجيل آخر يوجه أحد المسلحين فيه الكويتيين السنّة إلى قتال الشيعة في الكويت متهماً إياهم بنشر التشيّع في سوريا، بينما يظهر “الداعية” الكويتي شافي العجمي في أحد الفيديوهات يتحدث عن نحر رجل دين شيعي وولده في حطلة ويطلق عليه اسم “السيء حسين”.
ويؤكد أبو عمار أن كل من حمل السلاح ضد الجيش الحر قتل “من رجال ونساء وشيوخ أما الفيديوهات التي نشرت على الإنترنت والتي تتحدث عن مجازر بحق أطفال ونساء فهي عارية عن الصحة، والجثث التي نشرت هي جثث مسلحين، إلا أن الأمر لا يخلو من اللعب في الماء العكر ومحاولة التجيش الطائفي الذي يلعب عليه النظام منذ بداية الثورة في سوريا”.
وتحدثت مصادر من دير الزور عن أن من بين القتلى الذين استهدفتهم قوات المعارضة “سنة كانوا قد حملوا السلاح مع مجموعة المسلحين من حطلة” وهاجموا حواجز ونقاط تفتيش تابعة للمعارضة، وهو ما دفع بناشطين إلى وصفها بأنها عملية “تخلص من خونة” عملوا مع النظام.
المدن