صفحات سوريةعمر قدور

حكومة سورية مؤقتة… صحّ النوم!/ عمر قدور

 حوالي ثمانية أشهر انقضت بين تكليف السيد غسان هيتو بتشكيل الحكومة السورية المؤقتة، ومن ثم اعتذاره وتكليف السيد أحمد طعمة الذي نال أخيراً الثقة المنقوصة على تشكيلته الحكومية. الائتلاف السوري المعارض المشرف على عملية التأليف لم يقدّم خلال تلك المدة ما يبرّر التأجيل، وفي أغلب الوقت ظنّ المتابعون أن موضوع الحكومة برمته قد أصبح منسياً بينما تتابع الكتل المنضوية في الائتلاف خلافاتها حول كافة الاستحقاقات التي يواجهها. ثمانية وزراء من أصل أحد عشر وزيراً نالوا الثقة بخلاف العرف المتداول، والذي يقضي بأن تنال الحكومة الثقة بكامل أعضائها، والأهم من هذا أن البعض اعتبر عملية التصويت هذه المرة دليلاً على روح التوافق التي سادت في الائتلاف فلم تقم أيّ من الكتل بنسف مشروع الحكومة ككل!

ثمانية أشهر هي بلا شك وقت طويل في الظروف الاعتيادية لبلد مستقر، وهي مدة زمنية أطول إذا ما قيست بالأوضاع السورية المتحركة. فعندما لاحت فكرة الحكومة المؤقتة كان بوسع رئيس أركان الجيش الحر التصريح بأن قواته قادرة حينها على تأمين عملها في المناطق المحررة. على سبيل المثال كان بإمكان الحكومة الشروع في عملها من الداخل، سواء من محافظة حلب أو مدينة الرقة، ذلك قبل أن تسيطر دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) على الرقة وتهدد بالسيطرة على مناطق واسعة من مدينة حلب. ثمانية أشهر كانت كافية لتقويض الثقة بفكرة التحرير ذاتها، أولاً لعدم وجود إدارة قادرة وذات صدقية في المناطق المحررة، وثانياً لتدني المساعدات التي يقدمها الائتلاف للمناطق المنكوبة أو المحاصرة.

لم يخرج ناطق رسمي باسم الائتلاف ليعتذر عن طول المدة، وفي ذلك استهتار آخر بالقضية السورية التي يدّعي تمثيلها، ولم يوضح أحد لماذا أصبح التأليف ممكناً بعد أن تعذّر طويلاً، بخاصة لأن الحكومة العتيدة تمثل الائتلاف وحده، أي لا وجود لكتل سياسية أخرى تعرقل عملية التأليف. وأيضاً لم يوضح أحد من الائتلاف آلية عمل الحكومة التي ستتخذ من المنفى التركي مقراً لها، أو الضوابط التي ستحكم عملها وتالياً آليات المراقبة والمحاسبة المتعلقة بأدائها، بعد أن طاولت الشبهات سابقاً عملَ بعض مكاتب الائتلاف وتعذّر الوصول إلى حقائق ما يجري في داخل أروقته. ولا ننسى أن العديد من شخصياته هدد بكشف “المستور” حتى أصبح التهديد موضة لكل معترض.

لا يفيد هنا القول بأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، فالمناطق المحررة تُركت في العراء طويلاً، واستُبيحت على أكثر من صعيد، وتُرك لهيئات اعتباطية أن تؤسس فيها قوانينها الخاصة. حلب والرقة اللتان كانت مرشّحتين لاستضافة أول إدارة بديلة تُركتا لكتائب قدّمت أسوأ نموذج ممكن في غياب تام للقوانين وحتى للأعراف العامة. فالهيئة الشرعية في حلب أوقفت عملياً العمل بالقوانين المدنية والجزائية السورية، وتركت تفصيل القوانين لاجتهادات أعضائها، أما محاولة بعض الحقوقيين المناصرين للثورة اعتماد القانون القضائي الموحد الصادر عن الجامعة العربية فقد باءت بالفشل الذريع بسبب عدم وجود قوى رئيسية فاعلة تتبناه. داعش في الرقة لم تبطل القوانين فحسب، بل تطاولت على الأعراف السورية جميعاً، وتسعى إلى فرض نموذج غريب كلياً عن المجتمع السوري، وأيضاً يتفنن أولياؤها في ابتداع العقوبات التي لا تخطر في بال السوريين.

من جهة أخرى ليس سراً أن أمراء الحرب في العديد من المناطق المحررة استولوا على المعامل أو المؤسسات الحكومية، وجرى إفراغها من كل ما له قيمة أو قابل للبيع، بدءاً من مخازن الطحين وانتهاء بحقول النفط، ولم تسلم المؤسسات الخدمية من الأذى إما لنقص الكفاءات القادرة على إدارتها أو حتى بسبب السرقات التي لم توفّر شيئاً. التعديات على الأملاك الشخصية لا تحصى أيضاً، وفي المقدمة منها القطاع الاقتصادي، ما أدى إلى نزوح كبير للرأسمال السوري الذي كان بوسعه المساهمة في إنعاش المناطق المحررة؛ ذلك فضلاً عن حركة النزوح الداخلية التي تستهلك حجماً كبيراً جداً من المساعدات.

قبل سنة من الآن كان مطلوباً بإلحاح أن تبادر المعارضة إلى وضع أسس الإدارة الجديدة، وكان مطلوباً منها الإعلان بحزم أن القوانين المدنية والجزائية السورية تبقى هي السائدة على رغم نواقصها أو عيوبها، لئلا يُترك كل ذلك للمشارب والأهواء الذاتية أو الأيديولوجية. لكن يبدو أن الائتلاف لم ينظر إلى نفسه بجدية كبديل ممكن، وصرف أعضاؤه جهدهم في مؤتمرات لا تنتهي ولا تسفر عن فائدة ملموسة للداخل السوري. وكما بقي الداخل أسير الأهواء والمشارب المختلفة ظل الائتلاف أسير الأهواء والمطامع والمصالح المتناقضة، وليس بعيداً أن تعكس حكومته المؤقتة تلك التناقضات فتضيف فصلاً جديداً من فصول الفشل الذريع.

هي على الأرجح اعتبارات تتعلق بمساومات جنيف2 أعادت إلى الواجهة مشروع الحكومة المؤقتة بعد أن تفاقمت العوامل الداخلية التي ستؤدي إلى تعثرها أو فشلها التام، لذا سيكون من السهل تماماً أن تثبت أنها حكومة الائتلاف ومن العسير جداً أن تثبت أنها حكومة السوريين!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى