حلب ترحب بكم
إبراهيم اليوسف
إن من يتابع، الخط البياني للثورة السورية، يجد أن الكثيرمن الحسابات التي أتبعها نظام دمشق الدموي، منذبداية الثورة، وإلى هذه اللحظة السورية الأشد توتراً، ودرامية، بل منذ ماتركه إشعال البوعزيزي لفتيل الثورة، دون علم منه،من صدى، لدى أنظمة الاستبداد وحتى الآن، وفي مطلعها-استبدادنظام دمشق، قد سقط، وإن النظام بات كلاعب شطرنج مرتبك، يلجأ إلى خططه البديلة، لتحريك بيادقه، وآخرما تبقَّى لها من حيل، ما كان لها من شأن لولا تدخل لاعبين مهرة، بفنون الاستبداد، والعنف، والتآمر، واغتصاب إرادات الجماهير، لتحريف عربة الزمن السائر، وفق قوانينه، عن مداراته، وهماً من كل هؤلاء، بأن لمثل هذه الأفانين البغيضة، من مقدرة على إبقاء الأمور،على أحوالها، كي تسود لغة الدم، والقتل، والتجويع، في ظل انعدام منظومة القيم، والأخلاق، لدى هؤلاء المشتركين، في هدرالدم السوري، كل منهم لهدف، وغايات خاصة به، وذلك وفق ترويسة مفاهيم، باتت كسيحة، عرجاء، لامقدرة لها على التفاعل مع لحظة الواقع.
ولعلّ التعامل مع بعض المدن السورية-ومن بينها حلب-ومحاولة تحييدها، عن تجاذبات هبوب الثورة، والرِّهان على ذلك، من خلال اللعب على أوراق عديدة، في محاولة خلق بؤرخلافات، بل فتن، بين أبنائها، عبراستمالة بعض أبناء هذه المدينة إليه، وإطلاق أيديهم، للجم جموح الحراك الثوري السلمي فيها، ومحاولة فك الاعتصامات، وتفريق الاحتجاجات التي تتم-عبرلغة القوة والعنف-ما أدَّى بالقوى الثورية فيها، لتجنب السقوط في الفخاخ التي نصبها النظام في مدينتهم-كما في أماكن أخرى-ماجعل النظام يغرق في سلسلة أوهامه، ليرى الصيغ التي لجأ إليها،إنما ستظل مستمرة، إلى أن يستطيع كسرشوكة الثورة،عبرلغة العنف،وذلك تحت تأثيرلحظة الغطرسة، ماأدى به إلى ممارسة المزيد من التنكيل، كي تبتلع طاحونة العنف-يومياً-منذ مايقارب سنة ونصف-مئات الآلاف من أبناء سوريا، بين شهيد، وجريح، ومجهول المصير، ونازح، ومشرَّد، ومهاجر، إلى الدرجة التي باتت الحكومة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس-وهي في موقع الحاجة إلى الإعانة-تنظم “حملة إغاثة للأشقاء السوريين” “كذاممن كانوا ولايزالون ، منذ عقود، من أقرب الأهلين إلى الجرح الفلسطيني، وتأتي هذه المحاولة الرمزية،المعنوية، ذات دلالة كبيرة، تفيد بأن الشعب الفلسطيني الذي كان يتم تمريرالاستبداد-في سوريا- باسم نصرته،مدركاً طبيعة الكذبة التي أصبح عمرها-الآن-عقوداً زمنية من الدكتاتورية، والقهر، والاستعباد…!.
لقد قوبلت محاولات الحراك السلمي الأولى، في حلب، سواء أكان ذلك من قبل الأطباء، أو المحامين، أو طلبة الجامعة، أوتلك التي جرت في بعض الأحياء،عفوياً لنصرة المدن السورية المنكوبة، واحدة تلو أخرى، بالقمع من قبل أجهزة الأمن والشبيحة، وهوما أزاد من طمأنينة أجهزة النظام، على سلامة خيارالحل الأمني، كسبيل ناجع، يؤدي أكثرمن رسالة إلى أكثرمن جهة، في إطارقمع الثورة، وتأكيد مقولة بشارالأسد الاستباقية، عشية الثورة” سوريا ليست مثل تونس ومصر” وأنه ليس مثل رئيسيهما!!،ليعرف-في مابعد-حقيقة صوة نظامه في مراياالسوريين.
إذا كانت حلب، تشتهربقلعتها، كأحد المعالم، فإن النظام الذي أراد أن يجعل منهاإحدى قلاع عدة، تستعصي في وجه الثورة السورية، فشل في مبتغاه، مع فارق بسيط، هوأنه استطاع أن يفلح في مسألتين اثنتين وهما:تقديم مافي وسعه من مقومات الفتنة، المستدامة، التي لايكترث بها السوريون، بالإضافة إلى أن القمع الذي مارسه، أدى إلى خلق روح ضرورة حماية الأهل، من قبل المنشقين عن الجيش النظامي، ومن سيلحق أسرهم الأذى، لأن النظام الذي أنزل سياسة الذبح بشعبه، لم يترك أي بصيص أمل له، بالاستجابة إلى مطلبه، في مادام أنه قد اغتصب السلطة، مقرراً ألا يتخلى عنها، مهما غرقت سوريا في بحردماء أبنائها، كقرابين فداء لكرسي العرش،إلى أن يبصق مطروداً، لأنه لم يصل إلى العرش إلا عبرالدبابة، وليس عبرخيارالصندوق الانتخابي..!.
وموقع حلب، كواسطة بين محافظات سورياكاملة، خولها أن تؤدي دور القلب في الجسم، لأنها تشكل-فعلياً- العاصمة السورية الثانية،حيث كانت العاصمة الفعلية، الأولى، حاضناً للحكومة، و بؤرمراكزالفروع الأمنية، وقيادة البعث، وإن كانت العاصمة الرمزية، لتكمن في مجرد مبنى القصرالجمهوري ومايتبعه، من مراكزالبطانة الحاكمة،الفاسدة، والمجرمة..!
وعندما استجرَّ النظام، قواته التابعة له، وهوبات في موقع لايحسد له، لمواجهة حلب، لاسيما وأن لجوءه إلى السلاح الجوي، في حربه على شعبه، فإن ذلك دليل على أنه افتقد زمام السيطرة، تماماً، كما كانت التحليلات السياسية تقرأ لوحة الواقع، في الوقت الذي كان النظام يقدم نفسه، في موقع القوة،والسوبرمانية، كتغطية على حالة الذعرالتي يعاني منها نظام دموي، عرف أن لا مكان يأويه في العالم، نتيجة جرائمه، حتى لوأنه لم يطلق رصاصة على أحد، في الثورة السورية، لأن ملف حربه على كرد سوريا، وحده، كاف ليجعله نظاماً مجرماً، مطلوباً للمحاكمة في ظل يقظة الضميرالعالمي، والوطني..!.
نقل رحى الثورة إلى حلب، حيث بات النظام يفتقد سيطرته عليها، تدريجياً، حتى ولو اعتمد على قوات”مضمونة” من قبله، يعني أنه سيترك خللاً، في أماكن أخرى من الخريطة السورية، وهومايجعل الثورة تعتمد على نفسها، في تسجيل النصر، في الوقت الذي مد فيه النظام يده، لقوى أجنبية، وإقليمية، للاستقواء على شعبه، وكانت النتيجة، أن سوريا تحولت إلى ميدان مجزرة مفتوحة، منذ سنة ونصف، فلم يمريوم، إلا وكان هناك ضحايا القتل الممنهج، من قبل آلة حرب هذا النظام المجرم.
الجيش السوري، وهويخوض حربه-غيرالمشرفة-قد كان هووشبيحة النظام، سبباً في قتل عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، وهورقم عال، من الخسائرالبشرية، لم تخسره سوريا، منذ تأسيسها، وحتى الآن، في الحروب الخارجية المختلفة التي واجهتها، سواء في مواجهة الانتداب الفرنسي، أو الإسرائيليين” ، وإن كان سجل النظام، غيرمشرِّف، في مواجهة المواطنين، بدعوى مواجهة الأخوان، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي..
ولابد من التأكيد، أن النظام الذي يملك حوالي سبعمئة طائرة(وبنك استجرارالطائرات من قبل النظام الروسي المجرم مفتوح كذلك) غيرقادرالبتة الخروج من حلب منتصراً، خاصة في مالو تلقى الجيش الحرالذي بات يتوسع في حلب-وعليه الخضوع فوراً للحكومة الوطنية الانتقالية بعد سقوط النظام- الأسلحة الفردية المضادة للطائرات، غيرالمعتمدة على البطارية المعرضة للتدمير، بل إن أي تحرّك من قبل العالم-كما أكد خالد أبوصلاح-لفرض الحظرالجوي، سوف يسرع من سقوط النظام الذي لم يعد يجد عنواناً، في خريطة العالم، يمكن أن يتحمل رائحته النتنة، نتيجة قبح جرائمه، وبشاعة سلوكه الوحشي….!؟.
إن حلب، وإن كان تعداد سكانها يبلغ مليوني نسمة، إلا أنها تعني أكثرمن نصف سوريا،وهي حتى وإن كان النظام سيحاول إلحاق المزيد من الدمار والقتل بها، إلا أنهاتضيِّق عليه خريطة سوريا، كأنشوطة هلاك، متحولة إلى مصيدة له، ولن تكون المدينة الأولى سوريا التي طالما ظهرفيهابشارالأسد وزوجته، في لقاءات محروسة، بدعوى أنها جماهيرية، سواء أكان ذلك في عرض مسرحي ما، أوأمام أحد المحال، في أحد الأسواق، وغيرذلك، مما كان يفعله، تطبيقاً لكليشة تعليمات مستشاريه، منطلقين بذلك، من مسألة ضرورة أن يرمم ما خربه أبوه، وعمه، وهوما كان يعطي-في الوقت نفسه-صورة منمَّقة،على خلاف حقيقته، للغرب، وللعالم، أكدت الثورة السورية، زيفها..!.
مؤكد،أن حلب الشهباء، التي تتكبد الآن خسائرهائلة، وصارت مسرحاً للحرب، نتيجة تعنُّت النظام الذي يؤكد من خلال سلوكه،أنه لاتوجد بقعة في سوريا عصية على قذائف الهاون،والصواريخ، استطاعت أن تظهرفي اللحظة الأكثرحرجاً،لتترك البصمة اللائقة، بها، كأعظم رئة تجارية سورية، في مسيرة الثورة السورية، وهي تقترب من لحظة الحسم النهائي، لانبثاق فجرسوريا الجديدة….!
5-8-2012