حل سوري على الطريقة الجزائرية
د. عبدالوهاب الأفندي
(1) يشبه الوضع القائم في سوريا اليوم ما حدث في الجزائر الشهر الماضي من قيام عصابة مسلحة باحتلال مجمع لتصنيع الغاز واحتجاز رهائن والتهديد بقتلهم وتدمير المجمع. الفرق هو أن العصابة التي اختطفت سوريا وجعلت كل أهلها رهائن لا تهدد بقتل الرهائن وتدمير البلاد، وإنما تنفذ ذلك فعلاً، فتقتل ما بين مائة إلى مائتين من الرهائن كل يوم، في أرقام تضبط بعناية لتحقيق الهدف الإرهابي المعلن.
(2)
وضعت السلطات الجزائرية حداً لمأساة المخطوفين بمهاجمة الخاطفين والقضاء عليهم. ولعل هذه الوسيلة المناسبة أيضاً لإنهاء حالة الخطف التي تشهدها سوريا. وكانت السلطات الجزائرية ساقت احتمال هروب الخاطفين لتبرير قرارها بالتدخل الحاسم، ولكن إذا كان خاطفو الأوطان لا يستطيعون الهروب بها، فإن الشروع في قتل الرهائن سبب كافٍ لقوات الشرطة للتحرك وإنهاء العملية.
(3)
إلا أن الجزائري المكلف بإنهاء أزمة الرهائن السورية لا يؤيد، بخلاف حكومته، أي خطوة حاسمة لإجبار الخاطفين على الاستسلام. بل بالعكس، نجده ينصح الرهائن بالاستسلام للخاطف ويهدد نيابة عنه بقتل المزيد من الرهائن إذا لم ينصاعوا للإرهابي.
(4)
الأخضر الابراهيمي هو بالقطع الجزائري الخطأ لمهمة إنقاذ الرهائن في سوريا، لأنه صاحب تاريخ طويل في الانحياز للجانب الخطأ. فسجل الرجل حافل بآراء فيها يؤكد معاداته للديمقراطية التي يرى إنها لا تصلح للعرب. ومن كان يرى الشعوب لا تصلح للديمقراطية ولا تصلح لها لا يعنيه كثيراً أي الوسائل تتبع لوضع هذه الشعوب في مكانها الطبيعي تحت أقدام سادتها الذين يفهمون في الشأن العام.
(5)
بالأمس أعلن أن الابراهيمي وافق على تمديد مهمته لستة أشهر أخرى. وللتذكير فإنه عين في مهمته عندما كان عدد القتلى في سوريا 18 ألفاً، وقد بلغوا اليوم سبعين ألفاً. هذا يعني أنه كان شاهداً على أكثر من خمسين ألفا من الضحايا، علاوة على مئات الآلاف ممن شردوا وجرحوا وتيتموا أو ترملوا. وإذا استمر في مهمته التي لا يدري أحد ما كنهها، فهذا سيعني أن مثل هذا العدد على الأقل سيموت خلال ولايته الأممية. فهل سمعنا من الرجل حتى مجرد التأسف على قصف المخابز مثلاً؟ كلا، إنه بالعكس هدد السوريين بأنهم ما لم يخضعوا لإملاءات خاطفي سوريا، فإن أكثر من مائة ألف قتيل آخر سوف يسقطون.
(7)
من الواضح أنه في ضوء إصرار النظام السوري وداعميه في موسكو وطهران والضاحية الجنوبية، فإن الأزمة السورية لن تنتهي إلا باعتقال الخاطفين أو هلاك كل الرهائن. المشكلة هي أن الرهائن ليس لديهم أولياء يفاوضون عنهم أو يتحركون لإنقاذهم. ومطالبة الرهائن بأن يتولوا التفاوض مع الخاطفين هو لعمري من المضحكات المبكيات. فكيف يتفاوض السجان مع السجين والمخطوف مع الخاطف، والأول مقيد اليدين والثاني يحمل المسدس والسوط؟
(8)
المشكلة مع الإبراهيمي ومن هم على موقفه أنهم لا يأبهون على ما يبدو للأمر، ولا يظهر منهم بالقول أو الفعل اعتراض على منهج خاطف الرهائن، بل نجدهم يطلبون مكافأة الخاطف والسماح بإبقاء الخاطفين تحت إمرته. وهكذا يكون إنهاء عملية الخطف باستعباد المخطوفين لا إطلاق سراحهم.
(9)
هذا يجعل من الابراهيمي وغيره من الوسطاء وفاعلي الخير شركاء في جريمة الخطف. لان من يتعامل مع الإرهابي وهو يرتكب جريرة الخطف وكبيرة تقتيل الرهائن، ثم يهدد بارتكاب جرائم بلا حدود حتى ينال بغيته يكون شريكاً في فعله.
(10)
عمليات الخطف ونحوها من الجرائم لا تنتهي قانوناً بأن يتقاسم الخاطف مع المخطوف ثرواته، وأن يصبح الخاطف سيد الدار والمخطوف خادماً له فيها. إنما تنتهي بقتل أو اعتقال الخاطف وتحرير المخطوف. ومن المفترض قانوناً أن ينال من تواطأ مع الخاطف وأعانه على جريمته، بمن في ذلك من تستر عليه وبرر له، كذلك نصيبه من العقاب.
القدس العربي