حماة: المجهول في ذكرى الانتفاضة/ سامي الحموي
بعد ثلاثة أعوام على انطلاقة الثورة السورية، لا يبدو بأن محافظة “حماة” قد غابت عن مجرياتها. فعلى الأرض، مدينة تزرح تحت سلطة نظام مستميت في الحفاظ عليها، لإنها تشكل نقطة ارتكاز لعملياته اليومية. في حين بات الريفُ منقسماً على نفسه؛ غربيٌ مؤيد للأسد، وآخرٌ معارض يحيط بالمدينة من جهاتها الثلاث الباقية.
المدينة التي كانت في طليعة المنتفضين ضد نظام الأسد منذ نيسان/إبريل للعام 2011، سرعان ما شهدت تظاهرات سلمية مليونية، لم تُتح فرصة الإتيان بمثلها في مناطق سورية آخرى. لكن نظام الأسد استعاد السيطرة عليها منذ أكثر من سنة، بعد طول تخطيط ومناورة. ليتبع ذلك سماحه للمهجّرين من المناطق القريبة، بالنزوح إليها، بحيث تشير أرقام غير رسمية إلى وجود أكثر من مليون نازح داخل المدينة. يأتي ذلك بالتزامن مع سياسة النظام في تغييب أهل المدينة وخصوصاً فئة الشباب، ووضعهم أمام خيارين: إما الاعتقال وإما الهجرة والنزوح. وهنا عمدت السلطة إلى ترك مدخل حماة الشمالي مفتوحاً، ليكون الوجهة الأولى للشباب الحموي، قبل انتقالهم نحو ريف المحافظة الشمالي الخاضع بدوره للمعارضة المسلحة.
في الأونة الأخيرة، برزت تحركات وصفها بعض ناشطي الثورة بالإيجابية؛ إعادة هيكلة المعارضة المسلحة لكيانها في المحافظة، واتباع خطط جديدة في المعارك ضد نظام الأسد. تجلى ذلك خلال سير المعارك على الطريق الدولي الواصل بين مدينتي حماة وحلب، بحيث تمكنت قوات المعارضة المسلحة في مطلع شباط/فبراير الماضي من السيطرة على جزء رئيسي من “الأوتستراد”، والسيطرة على بلدة “مورك” الإستراتيجية. كما استطاعت فتح جبهات جديدة على المحور الشمالي الغربي للمدينة، في محاولة منها للضغط باتجاه “مطار حماة العسكري” الخاضع لسيطرة النظام، والتخلص من حواجزه هناك. تكمن أهمية هذا المحور باعتباره خط تماس مع الريف الغربي لحماة ذي الأغلبية السكانية العلوية المناصرة لنظام الأسد. في الوقت نفسه، تستمر المعارك بوتيرة متسارعة في الريف الشرقي الخاضع نسبياً لسيطرة المعارضة، في محاولة لبسط نفوذها على ما تبقى من مواقع وثكنات عسكرية تابعة للنظام فيه.
يجري ذلك في ظل معاناة أهالي هذه المناطق منذ أكثر من سنة، ونزوح معظمهم إلى مخيمات الشمال السوري، أو مخيمات بدائية أقيمت لهم في الصحراء .بحيث تشير الأرقام إلى نزوح أكثر من 200 ألف مواطن من مناطق ريفي حماة الشمالي والشرقي بعد طول قصفهما وتدميرهما. أما في مدينة حماة فقد ردمت قوات النظام ثلاثة أحياء سكنية بالكامل أبرزها حي مشاع الأربعين في آب/أغسطس 2012، وهي اليوم تستعد لردم وإزالة حي مشاع جنوب الملعب، مستندة بذلك إلى قرار اتخذته بإزالة المخالفات!
لم تقف معاناة الأهالي عند هذا الحد، بل تعدتها في الآونة الأخيرة إلى انتشار بعض الأوبئة ، مما أدى منذ مطلع شباط/فبراير 2014 إلى وفاة أكثر من عشرة أشخاص، وإصابة المئات ممن غصت بهم مشافي المدينة. هذه الجائحة الوبائية عزاها الأهالي إلى الجفاف والتأخر الخطير في هطول المطر. وفي ظل غياب الاشراف الطبي والمتابعة العلمية، سرت اشاعات تفيد بأن “أنفلونزا الخنازير” هي الوباء الذي يجتاح المنطقة، مما تسبب في حدوث اضطرابات وذعر وسط الأهالي.
اليوم ينظر الحمويون إلى مستقبل محافظتهم بخوف وقلق شديدين، فيصفونه بالغامض، في ظل احتدام المعارك في الأرياف وسيطرة قوات النظام على المدينة. كما تسود حالة من الترقب والانتظار، في وقت تسري فيه أخبار عن نية المعارضة المسلحة دخول المدينة شديدة التحصين، معتقدة بأن تحرير حماة على يديها سيكون بداية لسقوط النظام عسكرياً في أرجاء البلاد كافة .
المدن