صفحات العالم

حمص القديمة.. سيدة الثورة السورية


فادي الداهوك

هكذا، بلا مقدمات، فحمص الآن تقوم على آخر جدران أحيائها، سيدة الثورة السورية وأنشودة الوجع لن تنقذها المقدمات ولا الابتعادُ عن الحديث عن الطوائف أو الأقليات والأكثريات. فالمدينة السورية الثالثة من حيث عدد السكان صارت مدينة تقطنها أقلية من أهلها.

في الطريق إلى حمص القديمة نحو حي الحميدية أشهر الأحياء التاريخية، حي الكنائس والآثار القديمة لا بدّ أن يتوقف الزائر عند معلم مشهور يقوم على ارتفاع 11 مترا.

هو ساعة حمص الجديدة والتي شيّدت العام 1958 بأموال المغتربة “كرجية حداد” السيدة المسيحية التي رحلت وتكفّل ورثتها بإصلاح الساعة عندما قرأوا خبر تعطلها في جريدة حمص المهجرية في البرازيل وبقيت الساعة حتى اليوم شاهدة على المدينة المذبوحة وشاهدة على دماء أبناء حمص الذين سقطوا حولها وكتبوا بدمائهم اسم قاتلهم على حجارتها.

الحميدية وهو الحي الذي كان رئة حي الخالدية ومثله أيضاً حي بستان الديوان ذو الأغلبية المسيحية والذي كان معبراً لحي باب الدريب وحي باب السباع. يقول أهلُ حمص أن أهالي حي الحميدية لم يكن لهم موقفٌ واضح مع انطلاق الثورة في درعا، ومع وصول التظاهرات إلى حمص كان انقسام الحي بين مؤيد ومعارض واضحا جداً إلى أن كان اعتصام حمص الكبير أو ما يعرف بـ “مجزرة الساعة” بتاريخ الثامن عشر من نيسان (ابريل) 2011 حيثُ قدّمت حمص أكبر قوافل شهداء الثورة السورية.

وبحسب أحد الجنود المنشقين، فإن عدد الشهداء في ذاك اليوم فاق الـ 200 شهيد سقطوا خلال نصف ساعة من إطلاق نار مباشر على المتظاهرين وتحدث شهود عن سحب قوات الأمن الجثث ودفنها في مقابر جماعية لم يتم التعرف على أمكنتها إلى اليوم.

يروي من حضرَ ذلك اليوم أنه “أثناء مرور مواكب تشييع الشهداء من حي الحميدية كان الأهالي يرشون الأرز على المشيعين ويوزعون الماء عليهم”. مع تكرار هذا التعاطف الذي أبداه أهالي الحي لاحظ النّظام أن هذا التعاطف بدأ بتشكيل تحوّل في موقف أهالي الحي وهو ما لا يحبّذ النّظام أبداً أن يستمر. يعطي الكثير من أهالي حمص دلائل وتحليلات على محاولات النظام لضرب مصداقية الثورة في هذا الحي، فيتحدثون عن أن مجموعة مسلّحة وباسم الثورة قامت بنشر الفوضى داخل حي الحميدية أياما عدة، وحتى اليوم المتهم الوحيد في نظرهم هو النظام لا سيمّا أنهم رصدوا العديد من محاولاته لتشويه الثورة وجرها إلى الأخطاء وإحدى هذه المحاولات كانت بعض الشعارات الطائفية التي افتعلها أشخاصٌ تم دفعهم إلى صفوف المتظاهرين من قبل النظام ليتخذ النظام من هذا الهتاف الذي لم يتكرر أبداً حجّة ودليلاً يتهم به المتظاهرين بأنهم مجموعات إسلامية متطرفة، والهدف كما يقولون هو ترسيخ الخوف في نفوس أهالي تلك الأحياء لضمان تحييدهم عن الثورة. بعد ظهور هذه المجموعة التي قامت بأعمال فوضى في حي الحميدية عمدَ النظام إلى نشر سبع حواجز لقوات الأمن والجيش داخل الحي بحجة حماية الأهالي من الجماعات المسلحة، الأمر الذي أدى إلى تشديد الطوق الخانق على الأحياء المنتفضة، باب السباع والخالدية وباب الدريب حيثُ كان حي الحميدية بالنسبة الى هذه الأحياء معبراً هاماً تصلهم من خلاله المساعدات الطبية والغذائية، ليتطور الأمر لاحقاً إلى قصف أحياء الخالدية وباب السباع وباب الدريب بعد عجز النظام عن اقتحامها لأن الجيش الحر كان قد فرضَ نفسه كقوة تحمي تلك الأحياء وكان الحل لدى النظام أن يتحول من خطة مداهمة بيوت الأحياء تلك إلى البدء بقصفها. هنا بدأ الجيش الحر بالتفكير في مهاجمة تلك الحواجز المنتشرة في حي الحميدية وانقسم الكثيرون بين مؤيد لهذا التوجه ومعارض له لأن النظام سيستغل هذه الخطوة كنقطة لصالحه فهو يتعامل مع الثورة على حساب الأخطاء التي يفتعلها أو يوقع الثوار بها وهذا ما حصلَ فعلاً عندما اتخذ الجيش الحر قراره بمهاجمة الحواجز العسكرية والأمنية، وعلى هذا الأساس أطلق النظام عبر وسائله الإعلامية حملة تصريحات تتهم المتظاهرين بتهجيرهم للعائلات المسيحية التي تقطن الحي.

بعد سيطرة الجيش الحر على حي الحميدية وحي بستان الديوان الملاصق لحي الحميدية قام النظام بقصفهما براجمات الصواريخ وقذائف الهاون وأثناء القصف عاشَ أهالي حي الحميدية وحي بستان الديوان حصاراً خانقاً أدى إلى نقص حاد في الاحتياجات اليومية من الماء والخبز. وبشهادة كثير من أهالي الحي، فإن الأهالي الذين لم يكونوا من بين النازحين في الأحياء المجاروة، أحياء باب الدريب وباب السباع والخالدية وبمساعدة من الجيش الحر اتخذوا على عاتقهم مسؤولية تأمين هذه الحاجيات لسكّان الحي وهذا ما أكده “أبو ويليام” الرجل المسيحي الذي يجلس صباح كل يوم على بقايا شرفة منزله في حي بستان الديوان الذي قصفته قوات الأسد ليجعل منه شباب الثورة أيقونة للثورة السورية.

جزءٌ كبير من الحي تم تدميره جراء القصف الذي تعرض له وطال كل كنائسه التاريخية، كنيسة الأربعين وكنيسة أم الزنار التي تحتوي على زنار السيدة العذراء ومار جرجس ومطرانية الروم الآرثوذوكس ومطرانية السريان الكاثوليك ودير الآباء اليسوعيين، إضافة إلى مدارس الغسانية الآرثوذوكسية الخاصة والتي يعود تاريخ إنشائها إلى العام 1894 وقصور أثرية مزينة بحجارة حمص السود التي تشتهر بها المدينة كقصر الزهراوي وقصر جوليا، كل ذلك القصف أدى إلى نزوح معظم أهالي الحي بنسبة تقارب 90% حسب إحصائية غير موثقة وعددٌ كبيرٌ منهم نزحَ إلى لبنان والبعض الآخر إلى باقي المحافظات السورية ملتحقين بأهالي الأحياء المجاورة مثلَ باب السباع وباب الدريب وحي الخالدية.

بعد التصريحات التي نسبت إلى الفاتيكان قبل يومين يكتب “الخال” وهو شخصٌ معروف جداً بالنسبة لشباب الثورة ويعرّف عن نفسه بأنه “سوري مسيحي” على صفحته في الفيسبوك “السلطة عم تلهينا ببعضنا وتروج قصة الطائفية والحرب الأهلية وقاعدين نبرر ونؤكد أنو نحنا كنا ورح نضل أخوة” ويخاطب بابا الفاتيكان قائلاً ” لا تخاف عليي من يلي بيخافوا الله. أنا خايف على حالي من يلي ما بيعرفوا الله”.

البروفسور بسام عويل، من مسيحيي حمص، علق على صفحته قائلاً: “نعم يا قداسة البابا أنت محق بأن المسيحيين في سوريا في خطر وخطر شديد. لكن ليس لأنهم مسيحيون وإنما سوريين طالبوا بحريتهم وحقوقهم من النظام الذي حرمهم حتى بعد كل “إصلاحاته” من حق المواطنة في وطنهم”.

نعم إن النظام حامي المسيحيين فعلاً والأقليات من خطر حصولهم على حريتهم كباقي السوريين ولذلك يدمر كنائسنا لأنها تحمل عبق تاريخ سوريا وحضارتها التي زهت بها عبر العصور.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى