صفحات الناس

حمص: كذبة إعادة الإعمار/ مروان أبو خالد

 

بعد أن حوّلها الى ركام، يستعد النظام لإعادة فرض هيمنته على مدينة حمص القديمة، من خلال زيارة رئيس وزرائه لها وإعلانه عن خطة إسعافية بقيمة 6.5 مليارات ليرة (قرابة 38.2 مليون دولار عند سعر صرف 170 ليرة). وقد ركزت الصحف الحكومية على أهمية هذه الخطوة في إعادة إعمار المدينة، متجاهلة وعن قصد أن إعادة إعمار حمص تحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ، فخسائر حمص المادية خلال العام ونصف العام الأولى من اندلاع الإحتجاجات الشعبية، وبأرقام الحكومة ذاتها قد فاقت 600 مليار ليرة (3.5 مليارات دولار بالقيمة الراهنة)، ولا شك في أن هذا الرقم، على افتراض صحته، قد تضاعف مرات عديدة خلال السنة والنصف اللاحقة مع استعار الحرب وعمليات القصف العنيفة التي شهدتها حمص.

كيف لمن قام بتدمير حمص، أن يعلن البدء بإعادة إعمارها، خاصة مع الواقع الكارثي الذي تشهده أبرز القطاعات الاقتصادية والخدمية فيها، حيث تراجعت إيرادات مدينة حسياء الصناعية إلى أكثر من 90% وتجاوزت المنشآت المتوقفة عن البناء فيها 294 منشأة من أصل 314، والمتوقفة عن الإنتاج 52 من أصل 168. أمّا ما تبقى من المنشآت فتعمل بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 10-75% حسب آخر الأرقام المنشورة العام الماضي.

أما حجم الخسائر بمصفاة حمص والتي تعتبر المؤسسة النفطية الثانية على مستوى سورية فقد وصلت إلى 3.8 مليارات ليرة (22.3 مليون دولار) حتى نهاية العام 2013. كما سجلت السياحة في حمص القديمة والتي كانت تجتذب بأسواقها الأثرية السياح من مختلف مناطق العالم، خروج 24 فندقاً و110 مطاعم حسب صحيفة “تشرين” الحكومية.

وليس واقع القطاعات الخدمية بأحسن حالاً، فخسائر القطاع الصحي وحتى نهاية العام 2013 تجاوزت 4 مليارات ليرة (23.5 مليون دولار)، أما قطاع الكهرباء في حمص القديمة سجلت خسائر تتجاوز 6 مليارات ليرة (35.2 مليون دولار).

الوجه الكارثي الأكبر يبرز في قضية المنازل المدمرة والتي بلغت حوالي 200 ألف منزل حتى كانون أول الماضي. وقد أشارت المصادر الحكومية إلى أن التركيز سيكون على المباني التي من الممكن ترميمها، دون المنازل المدمرة تماماً، والتي تشكل حسب الحكومة 30% من إجمالي المنازل المتضررة، والترميم سيكون مشروطاً بتقديم أوراق ثبوتية عديدة تثبت ملكية الشخص لمنزله، وهذا ما يبدو خطيراً بعد أن تعرض مبنى السجل العقاري في حمص للإحراق العام الماضي، والذي هدف حسب الناشطين في المدينة لتغيير خريطتها السكانية، وبرغم تصريحات مسؤولي الحكومة أن السجلات العقارية لم تصب بأذى، فإن الواضح بأن تعقيد الإجراءات البيروقراطية لتقديم المساعدات للحمصيين لترميم منازلهم، يبرز توجه الحكومة للتنصل من تقديم هذه الإعانات.

يضاف إلى ذلك، أن عمليات التعويض عن الأضرار التي لحقت بممتلكات الحمصيين لن تكون بنسبة 100%، فرئيس مجلس مدينة حمص كان قد صرح في نيسان الماضي بأن التعويض سيكون 40% فقط، إذا كانت قيمة الأضرار دون 300 ألف، أما الأضرار ما فوق 300 ألف ليرة فالتعويض عليها بنسبة 30% فقط، الأمر الذي يعني أن تكلفة إعادة الإعمار التي تروجها الحكومة ستكون من جيوب الحمصيين أنفسهم.

على ان المعطيات السابقة توضح أن الترويج لبدء إعمار حمص ليس سوى نفاق فاضح. فالمبلغ الذي أعلن عنه رئيس الوزراء تحت شعار إعادة الإعمار، لن يخصص إلا لترميم مؤسسات الحكومة بما يضمن إعادة السيطرة الأمنية على هذه المناطق، ولإظهار قدرة الحكومة على استعادة مؤسساتها وفرض وجودها أمام العالم الخارجي. ذاك ان ما سُمّي عملية إعادة الإعمار ستبدأ وفقاً لمجلس مدينة حمص، بتأهيل الكهرباء والصرف الصحي في مركز المدينة حيث توجد المؤسسات والدوائر الحكومية، والتي سيتم التركيز على تأهيلها بالسرعة القصوى، بما يضمن عودة الموظفين في هذه المؤسسات إلى عملهم. أما الأحياء السكنية وأملاك المواطنين الخاصة، التي دمرتها حرب النظام، فهذا أمر ثانوي سيأتي، حسب مصادر مجلس المدينة، وقته لاحقاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى