صفحات الناس

حمّام شامي وغربال حمصي/ ندى الأزهري

 

أول ما يلفت النظر في هذا النوع هو الجو المعقّم، أرضية الحارات اللامعة بنظافتها، لا قشور خيار ولا بندورة، ثياب الشخصيات الجديدة تليق أناقتها بعمال الفنادق الفخمة في محاولاتهم الفولكلورية لخلق هوية شعبية تثير فضول الأثرياء وشفقة المتحسرين على تراث مفقود.

اللحام، في أعمال كتلك، يبدو وهو يحمل سكينه الضخمة زاهياً بثيابه العابقة برائحة الياسمين (من عجائب الشاشة الصغيرة أنها تمكنت من نقل الرائحة)، والدكاكين الدمشقية سطوحها مصقولة لا تعكرها ذرة غبار. اختفى الغبار الشامي، وغابت الكراكيب المبعثرة والقماش الأثري الذي يقدمه لك البائع في العادة وهو ينفض عنه كومات من غبار تراكم عبر سنين، جزء من سحر هذه الأماكن. أما زينة الممثلات ورموشهن المضافة، فالزمن ليس بعيداً كي يفقد جميع من في المسلسل ذاكرته. أما «الحمام الشامي» على السورية. فعدا تهريج أصحابه، وقرقعة قباقيبه فلم يعد كونه بديكوره قطعة من تلك الحمامات التي باتت على الموضة في الشرق والغرب والتي تنضم تحت لواء النجوم الخمس والخالية من أي روح وتراث.

ومن الخيال والتخيل واستيهامات مسلسلات البيئة إلى الواقعية الشديدة في «الحب كله» الذي تتكفل الفضائية السورية ببثه لمشاهديها. في حلقاته الأولى استبق الأحداث التي تأتي عادة في منتصف العمل وقرر الايقاع البطيء أسلوباً وتكرار مشاهد الأسى والدموع خطة، مركزاً بعدسة مقربة على آلام كل شخصية حين إصابة بطل العمل بانفجار. يعني تكفي نظرة من ممثل موهوب يديره مخرج قدير ليشعر المشاهد بمدى المصاب، هنا ندب وموسيقى حزينة طغت على الحوار بصخبها. أما أحد أهداف «الحب كله» فهو كما بان نقل هموم المواطن السوري من أمان معدوم وظروف معيشية شاقة… أي تناول «الأزمة»، ولكن بالطبع بعيداً عن أكثر ما يسم واقع السوريين وهو الحكي بالسياسة.

في هذا المجال بقي المسلسل إلى الآن في العموميات مع جرعة من جرأة، سمحت بها الرقابة السورية المسلطة على رؤوس العباد، تجلت أكثر ما تجلت في جملة تداولتها مجموعة رفاق شباب: «ما أحلانا متل الإخوة بس ما نحكي بالسياسة»! يبدو أن» الواقعية» التي يدعيها المسلسل تنحصر في الاشارة «الجريئة» إلى الخلاف في المواقف السياسية، أما تناولها فأمر مختلف!

المسلسلات، ليست مثل الأفلام، فأهميتها تكمن إضافة إلى التسلية في نقل الحالة الاجتماعية الراهنة، فمثلاً لماذا يرد نقاش لفتاة مع والدها حول اسباب اختيارها لشريك حياتها ولا ينقل النقاش حول مواقف سياسية بين أفراد العائلة الواحدة؟ هنا، يبدو أنه موضوع يصلح فقط لمسلسلات «البيئة» أو لتلك الهزلية مثل «بقعة ضوء».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى