حوار مع مع د. بسمة قضمانى
الاهرام العربي
د. بسمة قضمانى، الناطقة باسم المجلس الوطنى السورى المعارض، وعضو المكتب التنفيذى للمجلس، والرئيس التنفيذى لمبادرة الإصلاح العربى فى حوارها مع مجلة “الأهرام العربي”، تؤكد أن إضراب الشعب السورى يتصاعد، وأن العقوبات عليه تعد عاملا مساعدا وليس لها تأثير عاجل، وأن تجار سوريا ينتظرون التوقيت المناسب للانقلاب على الأسد خوفا من بطشه، مشيرة لمصالح روسيا وإيران والصين وحمايتهم لنظام الأسد، والمخاوف من اللعب على الوتر الطائفى فى سوريا.
– السوريون بدأوا إضراب الكرامة، فما أهميته وتأثيره؟
الإضراب يعد بمثابة تصعيد ومرحلة جديدة فى إستراتيجية الحراك السلمى السوري، وهذا الإضراب مهم جدا لأن النزول للشارع والتظاهر يؤدى لتضحيات فظيعة بالنسية للشعب، فمن ينزل الشارع ليشارك بالمظاهرات يعرف مسبقا أنه قد يقتل، وبالتالى فمن الصعب أن نتوقع أن كل الشعب ينزل للتظاهر وهو عارف أنه ممكن يموت، لكن المظاهرات مستمرة بكل أنحاء البلد وتسبب إرباكا لقوى الأمن به نظام الأسد والذى لا يستطيع السيطرة على المظاهرات لاتساعها بمعظم المدن والمحافظات، والإضراب العام وسيلة لتعزيز الحراك السلمى بدون تعريض الناس لخطر القتل على أيدى النظام، ولكن هذا لا يعنى أن الإضراب بلا تضحيات، فمن يشارك بالإضراب يتعرض للضرب كما تحرق ممتلكاته ومؤسساته، ولو كان موظفا فيتعرض للرفد من وظيفته، كما قد يتم اعتقاله وتعذيبه، كل هذا وارد، لكن وبرغم ذلك فإن كل ذلك يعد ثمنا أقل بكثير من القتل، ولهذا فإن مشاركة الناس قد تكون أكبر فى الإضراب لأنها أقل ضررا من التظاهر السلمي.
– وما الطريق المخطط للإضراب؟
نعول على الإضراب العام ليمتد من قطاع لآخر، وهناك جدول زمنى موضوع بشكل مفصل بإضراب القطاعات والأوقات، ويصل لمرحلة العصيان المدنى الكامل لشل مؤسسات النظام بأكملها، مما سيؤدى لشل مؤسسات الدولة والدوائر الرسمية وقطاعاتها المختلفة، حيث سيتم تعطيل المواصلات والاتصالات، لأن كل مؤسسات الدولة فى خدمة النظام وليس الشعب، وبالتالى فإن الشعب يريد شكل آخر لتلك المؤسسات، وسيبدأ الشعب فى إنشاء آليات بديلة، مثلا فى يوم 11 ديسمبر النظام دعا لانتخابات محلية، وفى نفس اليوم أطلقنا مشروعا لإنشاء مجالس محلية بديلة، وهى ستكون مؤسسات الثورة التى ستحل محل المؤسسات القائمة الفاسدة، المجالس المحلية التى يتم إقامتها يتولاها شباب التنسيقيات بالمدن السورية، وأفراد على الأرض ليكون لهم دور إغاثى لمساعدة الناس، كما سيقومون أيضا بدور تثقيفي، والتوعية على أهمية المجالس والمؤسسات البدلية، والتواصل بين كل فئات المجتمع، لإفساد مخطط النظام الذى يحرض على النزاع الطائفي، بتخويف طائفة معينة من أنها فى مرحلة صراع من أجل البقاء وأنها ستتعرض لمجازر لو سقط النظام بهدف دفعها للاصطدام مع الحراك الشعبي.
– وماذا بشأن الجيش الحر؟
هم عناصر من الجيش كان قرارهم وطنياً مدركين أن مهمتهم هى مهمتهم الدفاع عن الديار وليس قمع الشعب، وأن مهمتهم كأفراد فى الجيش هى الدفاع عن الشعب أمام مخاطر خارجية وليس أن يكونوا هم مصدر الخطر على الشعب، وهؤلاء الأفراد عندما انشقوا قاموا بدورهم كشرفاء وبفهم دقيق لدورهم كما حدده الدستور، ونحن نعتبر أن عملهم وطنى وأيضا دستوري، هذه العناصر تنشق بالأسلحة الخفيفة، وبعضهم بدون سلاح، والجيش عندما يذهب لمنطقة محددة يكون أفراد الأمن خلفه، ولو لم يطلق الجيش النار على الأهالي، يطلق الأمن النار على أفراد الجيش، وهذا ما أوضحه تقرير لجنة تقصى الحقائق الأخير، حيث وصف بشكل حقيقى أن الجيش معرض للقتل إذا لم يطلق النار على الناس، حاليا الجيش الحر مهمته حماية المظاهرات السلمية، وإذا استمرت المظاهرات فهذا بفضل عناصر الجيش الحر، وهو حاليا عنوان كل المنشقين، ودورهم دفاعى وهو حماية التظاهر والحراك السلمي.
– لكن لوحظ خلال الفترة الأخيرة أن هناك عمليات هجومية ينفذها الجيش الحر، فما موقفكم فى المجلس الوطنى منها؟
نحن فى المجلس الوطنى لا ندعم العمل الهجومي، ولكن ندعم العمل الدفاعي.
– أرى من حديثك وجود عدم اتفاق كامل بين المجلس الوطنى وبيت الجيش الحر، فما حقيقة ذلك؟
نحن فى المجلس الوطنى نقوم بالتنسيق مع الجيش الحر، وفى الجيش الحر أسسوا مجلسا عسكريا، والتنسيق بيننا يكون على أساس أن المجلس الوطنى هو العنوان السياسي، ويدعم الجيش الحر فى مهماته الدفاعية، وأى عمل هجومى نحن لا نؤيده، ونحن فى المجلس الوطنى ليس لنا جناح عسكري، نحن ندعم الحراك السلمى ونحمل رسالة الشعب للعالم العربى والدولي، وإذا طرحوا أى تصور للحديث عن جناح عسكرى للمجلس الوطنى فهذا غير صحيح، فعند انشقاقهم لم يستشيروا المجلس ونحن من جانبنا باركنا هذا الانشقاق، والجيش الحر يكون نفسه ويتدبر أموره، ونحن كجهة سياسية نتحاور معه ليبقى دوره، ونحن لا نستطيع تأييد عمل هجومى للجيش، لأن معناه عسكرة الانتقاضة وعسكرة الحراك السلمي، وهذا قرار لم يأخذه الشعب ولا التنسيقيات، نعم هناك بعض العناصر حملت أسلحة بسيطة للدفاع عن أسرتها وممتلكاتها، وهذا أمر عادى فى إطار الهجوم الذى يشنه نظام الأسد، ونعول على الدعم الدولى والحراك السلمى لأننا نسعى لمجتمع سلمى ديمقراطى وهو لم يأت من عمل عسكري، وندرك خطورة تسلح الثورة لأنه ممكن يجرنا لنزاعات ذات طابع طائفى والنظام يعمل من أجل الصراع الطائفي.
– البعض يرى أن سقوط نظام الأسد مرتبط بتخلى التجار الكبار فى سوريا والمتحالفين مع النظام عنه، فما رأيك؟
ليس بهذه الصورة، فالنظام القائم عندما كان بقوته أيام حافظ الأسد كان قد عمل من أجل توسيع قاعدة النظام، حيث كان هناك طابع طائفى للنظام فى بدايته، لكنه الأسد الأب نجح فى بناء علاقة مبنية على صفقة مع التجار الكبار بالمدن الكبيرة، قائمة على ألا يعمل التجار بمجال السياسة وألا يعارضوا النظام مقابل السماح لهم بالقيام بعملهم ليزدهروا اقتصاديا وماليا، صفقة كانت مستمرة ولكن شابها مشاكل، خصوصاً مرحلة بشار لأن والده حافظ لم يكن بنفس درجة التعطش للمال كما فعل نجله بشار، ومستوى الفساد الذى وصلنا له هو امتصاص كل إيرادات وموارد البلد، فالنظام قائم سياسيا على قاعدة هى جزء منها طائفى والجزء الأقوى كان التواصل مع الفئات المنتفعة، لما قامت الثورة، هذه الفئات بعدما صارت الأزمة بالبلد اضطر النظام ليحد من حريتها فى التعامل المالي، وفجأة هذه الطائفة وجدت أن مصالحها لم تعد قائمة، وانهار التحالف بين الجانبين، موضوعيا هذه الطبقة لم يعد لها سبب للاحتفاظ بالعلاقة مع النظام، وهم يدركون فشل وسقوط النظام، ولكنهم يحسبون حاليا متى سينقلبون ضد النظام، فرجل المال لديه أموال وممتلكات ومصانع وموظفون، ولديه مسئولية اجتماعية وقد يلقى فى السجون، وقد يقتل، والعقوبات الاقتصادية الآن تحد من حركة الأموال وتضيق عليهم، ومن جهة أخرى فإن من ينقلب ضد النظام قد يواجه القتل أو تدمير الممتلكات، وبالتالى هم يحسبون متى سيسقط النظام لينقلبوا عليه لأن النظام حاليا ما زال قادرا على أن يؤذيهم ويلحق الضرر بمصالحهم المالية، ولكن يجب التفريق بين التجار ورجال المال الذين بنوا ثروتهم بفضل النظام وبين من كانوا اقتصاديين من قبل النظام واضطروا للتعامل مع النظام للحفاظ ، فهؤلاء مستعدون ينقلبون أكثر من المنتفعين بالنظام.
– الإخوان فى سوريا يتهمهم النظام بأنهم وراء أحداث العنف والقيام بعمليات مسلحة، والإخوان فى مصر وتونس فازوا بالانتخابات، فما موقف الإخوان الحقيقى فى سوريا خصوصاً أنهم أعضاء بالمجلس الوطني؟ الإخوان دخلوا المجلس الوطنى على ميثاق توافق اجتماعى وضعناه معاً، والميثاق يضمن مدنية الدولة وبعض عناصر الإخوان يصفوها بالدولة المدنية اللادينية، وهم يدركون حساسية الموضوع لضمان حقوق كل المكونات المختلفة بالمجتمع، علينا أن نطور إستراتيجية للتصدى لإستراتيجية الأسد لزرع فتيل الوتر الطائفي، فهناك مخاوف لدى بعض الفئات، فهناك تخوف من الطائفة العلوية التى لم تنتفع من النظام، وخصوصاً خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، فالأسد لم يهتم، فالطائفة العلوية التى يعد محسوبا عليها، والحقيقة أنه لا ينتمى إليها وأن الحكم فى سوريا حاليا هو حكم عائلة، هما بيت الأسد وبيت مخلوف على حساب كل المجتمع بما فيها الطائفة العلوية، والنظام سلّح الطائفة العلوية وأقنعها بأنها معرضة لخطر الاستهداف، ونحن نرى من خلال أمثلة محددة أن النظام يحاول اللعب على الوتر الطائفي، فمثلا عندما تدخل قوى الأمن مدينة مثل حمص مثلا يفرغونها من السكان العلويين ويطالبونهم بالخروج قبل أن تقوم عناصر الأمن بقمع الأهالي.
– هناك حديث يتزايد حاليا عن فكرة الدولة العلوية، فكيف تتعاملون مع ذلك؟ نحن نحاول مقاومة فكرة الدولة العلوية من خلال مبادرات عديدة من قبل رجال دين وسياسيين وناشطين، ووطنيا تواصل الرسائل بين الطوائف المحتلفة لتطمين بعض وحتى اقتراح ضمانات معينة ولا نستطيع الإفصاح عنها، وكل النخبة واعية ومستعدة لتقديم ضمانات لطمأنة الطائفة العلوية حتى تقتنع أن مصلحتها أن تنقلب على عائلة الأسد، وتنضم للثورة.
– العقوبات المفروضة على النظام السورى قد لا يكون لها مردود سريع، فما نظرتكم لها؟
العقوبات هى إجراء ووسيلة ضغط على النظام السياسى لتغيير سلوكه، وهى نوع من العقاب ووسيلة ضغط وعقاب على أفراد النظام، بتجميد أرصدتهم ومنعهم من السفر، ونعرف أن العقوبات العربية جاءت بعد العقوبات الأوروبية والأمريكية ومعها عقوبات تركية، العقوبات العربية تكملة لسلسلة العقوبات وتزيد من شد الخناق على النظام لأن بعد العقوبات الخارجية أصبح المجال العربى هو مجال التحرك الوحيد للنظام، والعقوبات العربية تعطى مفعولاً أقوى لعزل النظام، وتشديد الخناق الاقتصادى والمالى عليه، والتحدى بالنسبة لأى عقوبات هو تحدى الوقت، أى أن العقوبات مفعولها بطىء مقارنة بالحال العاجل على الأرض، بسبب القمع المستمر. أما التحدى الثانى فهو استهداف أعضاء النظام دون التأثير على الشعب وجعله يدفع ثمن العقوبات، الرهان الآن هو على أن العقوبات لها تأثير على القرار السياسى أو تغيير سلوك بعض أعضاء النظام الأساسيين، والرهان على أنهم يقتنعون أن النظام أصبح فى نهاية أيامه، وأنه من الأفضل والعقلانى الانقلاب عليه والخروج عليه أى الانشقاق، أى يصل أفراد النظام إلى قناعة أنه انتهى وأنه من مصلحتهم الانشقاق عليه.
– لكن سلاح العقوبات تم تجريبه سابقا فى العراق مثلا ولم يكن له مفعول سريع؟ أهم شىء أنه بالنسبة للمثال العراقى أنه لم يكن وجود ثورة شعبية، وكان هناك فقط عقوبات وضغط خارجي، ولكن الضغط الخارجى لا يكفي، الحالة فى سوريا مختلفة، حيث إن هناك ثورة شعبية ضد النظام، وهذه الثورة ستظل العامل الأساسى فى التغيير، وليست العقوبات، فالعقوبات عامل مساعد ولكن الثورة الشعبية رسالتها واضحة أن الشعب حسم أمره وقرر التخلص من النظام مهما كان الثمن، ونرى أن الشعب مستمر أن يدفع الثمن مهما كان. ونحن نعول على ثورة الشعب وليس على العقوبات.
– هل كان هناك تشاور بينكم وبين الجامعة العربية فيما يتعلق بالتعامل مع الشروط التى حددها وليد المعلم لنشر المراقبين؟
لم يكن هناك تشاور معنا بالنسبة للشروط التى يحاول يضعها المعلم للتوقيع على بروتوكول نشر المراقبين، الجامعة قالت لا يمكن قبول أى شروط من النظام، والجامعة وضعت البروتوكول وليست لديها نية للقبول بشروط، لما وضعت خطة نشر المراقبين كانت مهمتنا هى التأكيد على أن مهمة المراقبين يجب أن يكون لها معنى، ويستطيع المراقبون الوصول للناس على الأرض ويرون الأماكن الحقيقية، وينقلون الحقيقة للعالم، ويرون كيفية وقف قمع أجهزة الأمن، وأول خطوة هى وقف القمع وسحب قوات الأمن، ثم نشر المراقبين، الخطوة الأولى وهى وقف القمع لو تحققت سيكون مكسباً مباشراً، ثم سينتشر المراقبون ليلتقوا بالناس على الأرض، وعلمنا أن النظام يحاول تحديد شروط، ومنها منع زيارة السجون والمستشفيات، ومنع زيارة الأماكن الساخنة التى جرت بها الجرائم، وإذا حدث ذلك ستكون مهمة المراقبين «مضحكة»، وستقع الجامعة فى براثن النظام، وسيستخدم الأسد المراقبين لتبرئة ساحته، وتقدمنا للجامعة بلائحة بكل الأماكن المطلب زيارتها وشددنا على ضرورة أن يتحرك المراقبون بحرية ويتواصلوا مع من يريدون الحديث معه، هذه كانت مساهمتنا مع الجامعة، لكى نتأكد من أن المراقبين سيذهبون ليروا الحقيقة، والجامعة والأمين العام غير مخولين بقبول تعديلات.
– كيف نضمن عدم التعرض للمراقبين؟
المطلوب من النظام وقف القمع ثم نشر المراقبين، إذا كان يخل بالوعد فى البند الأول إذا سينسحب المراقبون، فكرة نشر المراقبين تعنى انتهاء وقف القمع، وسلامتهم مرهونة باحترام البند الأول، البند الثانى سلامة المراقبين، والعالم كله يراقب المراقبين، الخطر الحقيقى مع من يقابلونه من شهود، الجامعة لم تقرر منح الشهود حصانة أو حماية من بطش نظام الأسد، وكان هناك طلب أن هؤلاء الشهود يتم حمايتهم، وإخفاء هوياتهم وبياناتهم، ونعمل على ترتيب إجراءات حتى لا نعرض هؤلاء الأشخاص للخطر، الجامعة العربية لم يكن هناك قرار بإمهال النظام ولكن على الأرض هناك إمهال ومراوغة.
– تتحدثون عن أن الأسد يسعى لكسب الوقت، فما مصلحته فى ذلك؟
النظام يظن أنه قادر على استعادة السيطرة على الأوضاع وأن ما يحدث هو «أزمة وستمر»، الدور الدولى هنا هو عزل سوريا وكسر استفراد النظام بالشعب، ويستفرد بالثوار ويقمعهم بدون ثمن، العقوبات التى تفرض عليه تعطى أملاً أنه نسرع بإقناع النظام بأن أمله بعبور الأزمة غير موجود، النظام يرتكب جرائم أكبر فى مدن معينة لأن عنده النموذج الناجح فى قمع حماة عام 1982، وداخل النظام يبدو النقاش أن بشار مطلوب منه إنهاء الثورة من خلال جريمة كبرى وارتكاب «كارثة إنسانية» فى مدينة معينة كى تصبح الدرس لباقى المدن، ويعيد ويسمح للنظام باستعادة السيطرة، ويبدو أن «حمص» هى المستهدفة، ولكنهم فعليا ارتكبوا جرائم فى مدن أخرى مثل درعا وتلكلخ، وحاولوا ولم ينجحوا، لأن المظاهرات تخرج بكل المدن، وهاجس النظام هو تجمع المتظاهرين بأعداد كبيرة فى منطقة ما، على غرار ما حدث فى مصر بالنسبة لتجمع المتظاهرين فى ميدان التحرير. – هناك دول إقليمية كإيران ودولية كالصين وروسيا تدعم الأسد، كيف يمكن إنهاء ذلك؟ النظام مراهن على أن له مهمة إستراتيجية من خلال دوره ضمن المحور المناهض للغرب، ويراهن على استياء روسيا بشكل أساسى من معاملة الغرب معها، فروسيا كانت دولة عظمى وأصبحت أضعف، وهى فى منحنى تقلص قوتها، عكس الصين التى تعد صاعدة، وسنرى فوارق بين الجانبين، لكن النظام يعول على هذا المحور المناهض للغرب وتحدى مصالحه، طبعا ثمن وجوده بهذا المحور هو فقدان علاقته ومصالحه مع أوروبا، وهو ثمن باهظ خصوصاً فى مجالات مهمة مثل التنمية والاقتصاد، ولكن النظام من الممكن أن يضحى بهذا الثمن فى مقابل الاحتفاظ بالحكم، ولا يهم أن تضع سوريا نفسها تحت جناح روسيا وإيران. الصين موقفها مختلف فهى تحمى النظام لاعتبارات صينية داخلية، لأنه نظام ممانع للإصلاح الديمقراطي، ولديه تخوف من تمدد الغرب وسيطرته على الشرق الأوسط، لأن المهم هو الخوف من التدخل، لكن الصين ليس لديها مصالح حيوية مع سوريا وليست لديها عقدة فقدان القوة مثل روسيا، وهذا يجعل الموقف الصينى أكثر ليونة، وربما نرى أن روسيا ستكون الممانعة بشكل كامل والصين ممكن تغير موقفها، وتأخذ موقفا مختلفا. فروسيا وإيران بغض النظر عن تمدد الغرب، والشك أنه يقوم بمؤامرة للسيطرة على كل المنطقة وأنه يحاول جذب سوريا للمحور الغربى من أجل تحقيق مصالح إستراتيجية وليست مصالح اقتصادية مثلما حدث فى ليبيا، منطق روسيا أن النظام السورى منته وأنه فى مأزق وأنه ممكن يسقط ويفقد السلطة، والاعتبار الأخلاقى حتى الآن ليس غالبا فى تفكير الروس ويفضلون المصلحة، ولو نظروا بشكل موضوعى لعرفوا أنه عليهم التوقف عن حماية النظام لاستعادة السيطرة، ووقف تزويده بالأسلحة والخبراء على الأرض لاستعادة السيطرة، الآن رأوا أن الأسد لا يستطيع السيطرة وليس قادراً على التعامل مع الوضع، هذا المنطق مفروض يجعل روسيا تفكر بالمستقبل، بمرحلة ما بعد سقوط النظام، هم يريدون أن يزول النظام تدريجيا حتى يتفاوضوا على الحفاظ على بعض المصالح مع حكومة جديدة، أى إبقاء عناصر النظام يؤمنوا المرحلة الانتقالية حتى يحتفظ الروس بمصالحهم الحيوية.
– وماذا بالنسبة لإيران؟
إيران إذا اختارت التضحية فستضحى بشىء لا يتعارض مع مصالحها المباشرة، هذا الاعتبار إذا إيران وضعت بالميزان كل مصالحها فهى مصالحها الحيوية أنها تضمن برنامجها النووى وتحافظ على نفوذها فى بلد بقوة وأهمية العراق لأهميته النفطية والمذهبية، وثالثا سوريا وحزب الله. وإيران تدافع عن النظام، ولا نعرف متى ستتوقف ومتى ستختلف حسابات إيران، ربما إذا وصلت لقناعة أن النظام انتهى، فهى أمام خيارين إما تنزل بقوتها المباشرة وقوات الحرس الثورى وقوات حزب الله بشكل مباشر ويقاتلوا بجانب القوات السورية وهذا يعنى دخول حرب إقليمية، أو أن إيران تعيد حساباتها وتفتح حواراً مع قوى المعارضة السورية لأنها تدرك أنها قوى المستقبل، وبالتالى تحاول الحفاظ على بعض المصالح وتراهن على أن حكومة وطنية سورية جديدة ستكون حريصة على استقلال سوريا، وليس الوقوع فى حضن الغرب ولا فى هذا الضعف أمام إسرائيل، أى حكومة سورية تريد الاحتفاظ بعلاقات طبيعية مبنية على الاحترام المتبادل.
– تصريحات د.برهان غليون بالنسبة لحلفاء الأسد أثارت ردود فعل قوية، فلماذا فتح جبهات جديدة؟
أولا تصريح د.برهان ترجم خطأ والترجمة بها تشويه، وهو لم يقل سوى بناء علاقات مع كل دول العالم والجوار وفق مصالحها، والمصالح لا تحددها عائلة بالسلطة ولكن يحددها الشعب السورى فى نظام ديمقراطي، بدون تبعية لا لأمريكا ولا لأوروبا ولا إيران، اليوم هناك تبعية كاملة لإيران، وهذا غير صحى ولا يرضى الشعب السوري، وأى حكومة وطنية ستبحث عن التوازن، وستحاول أن تعبر عن إرادة الشعب، وأتساءل هل من مصلحة سوريا اليوم تعطيل الحياة السياسية فى لبنان من خلال السماح لحزب الله باستخدام سلاحه وقوته العسكرية لتعطيل النظام السياسي، وبالتالى تبقى الحياة السياسية فى لبنان مشلولة بسبب إرادة النظام السوري، هذا المنطق الذى نريد التخلص منه، نريد حكومة وطنية تعيد حرية لبنان وتطلق سراح الحياة السياسية اللبنانية، ليستعيد لبنان سيادته، اليوم لبنان ليس دولة ذات سيادة، حزب الله لاعب سياسى شرعى وله دور تنموى إستراتيجى سياسى فى لبنان وهذا مشروع وهذا الدور يجب أن يستمر، ولكن عليه أن يكون جزءاً من الحياة السياسية اللبنانية ونحن كسوريا يجب أن نتعامل مع لبنان وليس مع أطراف فى لبنان.
– وماذا بالنسبة للفلسطينيين والفصائل الفلسطينية فى سوريا؟
الفلسطينيون أخذوا موقفا عاقلا إلى حد بعيد، حماس لم تلعب لعبة النظام، ولكن هناك فصائل صغيرة فقط التى سارت مع النظام ضد الحراك الشعبي، وهذه الفصائل لا وجود لها عند الشعب وليست لها شعبية وهم «مرتزقة»، ومسيطر عليها النظام بشكل كامل، والفصائل الفلسطينية تدرك أنها لو لعبت هذه اللعبة سينقلب عليها الشعب السوري، التلاعب على القضية الفلسطينية من خلال تحريض الفلسطينيين على الشعب السورى لم يفلح، والشعب الفلسطينى أكد أن الفلسطينيين خط أحمر، وعناصر حماس بشكل هادى بدأوا يخرجون من سوريا حتى لا يقعون فريسة بيد الأسد ويسيرون فى مخططه ضد الشعب.
– المراحل الانتقالية فى البلدان العربية ما بعد الثورات تمر بمشاكل عديدة، برأيك كيف يمكن التعامل معها؟
ثورتا تونس ومصر كانت سهلة وسلمية إلى حد ما، وانتهت بسرعة، والشعب يواجه حقائق غير مستعد لها، فهو حاليا أمام مراحل التغير الديمقراطى وهى مراحل متوترة وبها عنف دائما بين فئات المجتمع، لأن كل فئة من فئات المجتمع كان دورها محصوراً أو معدوماً وتحاول أن يكون لها دور جديد بهذه الساحة المفتوحة، وبالتالى هناك ميزان قوى جديد، ولا شك أن فيه سباقاً على تحديد وكسب الدور الأكبر، فهذا شىء طبيعى، ونراه فى مصر وتونس، ونفسيا الشعب ليس متقبلا لهذه الحالة بسبب سرعة سقوط النظام، لكن فى اليمن وسوريا فمعركة التخلص من النظام أطول وأصعب والشعب يدفع ثمناً أكبر، فنحن فى حالة ثورية فى سوريا، والناس يساعدون بعضهم بعضا، وهناك آليات جديدة والمجتمع يبنى علاقاته أمام خطر النظام.