صفحات العالم

حول الصراع على سوريا


مترجمة عن الغارديان …

أمريكا و حلفاؤها الخليجيون يدعمون الصراع الطائفي في حربهم “بالواسطة” مع إيران و النتائج يمكن أن تكون كارثية.

بينما تنزلق سوريا بشكل كبير في حرب أهلية و كارثة إنسانية، يتزايد الضغط من أجل التدخل العسكري الغربي في العالم العربي.

صرح الجنرال مارتين ديمبسي، الأسبوع الماضي،” رئيس الهيئة الاستشارية للدفاع في الولايات المتحدة)، أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تلجأ لخيار التدخل العسكري في سوريا إذا طلب منها ذلك. و من جهة أخرى، يطالب المنافس الجمهوري لباراك اوباما ميت رومي، الحكومة الأمريكية بتسليح المعارضة السورية.

أكد كل من قادة روسيا و الصين معارضتهم لتغيير النظام السوري بطريقة اجبارية، كما أكدوا دعمهم لمبعوث خطة السلام كوفي عنان. لكن سوزان رايس، السفير الأمريكي في الأمم المتحدة، وضح أن “قوى غربية ربما ستتصرف لوحدها و تقوم بمبادرة الأمم المتحدة بدون أن يكون لها صلاحية للقيام بذلك”.

حتى الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا اولان قال أن التدخل العسكري في “مستعمرته السابقة “متوقع أيضا!

جاءت الدعوات الأخيرة لاتخاذ اجراء ضد نظام بشار الأسد تبعا لحادثة تم فيها ذبح 108 مواطن منهم 49 طفل في الحولة، منذ اقل من 15 يوما .و اتهم ناشطون من المعارضة عصابات شبيحة النظام الطائفية (ارهابيو القاعدة الخاصة بالنظام!) بالمجزرة, لكن مما لاشك فيه أن الأعمال الوحشية في الحولة كفيلة بحد ذاتها بأن تجعل التدخل العسكري أمرا مقبولا.

و هذا ما حدث في كوسوفو من 13 سنة مضت عندما أدى التسابق للقتل في احدى القرى اليوغسلافية (راكاك) الى قيام حلف الناتو بحملة عسكرية خارجا عن سلطة الأمم المتحدة . لا تزال الإدارة الأمريكية تقاوم مطالب فتح باب التدخل العسكري في سوريا. لكن هيلاري كلينتون تقول ان مبررات التدخل تزداد قوة يوما بعد يوم، بينما أكد الجيش السوري الحر المعارض على فك التزامه بخطة السلام للأمم المتحدة.

في الحقيقة،لقد بدأ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها في سوريا . و قد دعمت القوى الغربية المجلس الوطني السوري المعارض منذ الأيام الأولى للربيع العربي السنة الماضية و كذلك فعلت دكتاتوريات الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، التي زادت دعم المجموعات الثورية “المفضلة” بالمال و السلاح في الشهور الأخيرة، في حين أن تركيا أمنت قاعدة عبر حدودهابالتنسيقمع أمريكا نفسها التي تزود المجموعات المذكورة بمساعدات غير حربية و وسائل اتصال.

بكلمات أخرى، فإن أمريكا و حلفاؤها يتعهدون تغيير النظام السوري من خلال الحرب الأهلية. و بينما تظهر أمريكا “دعما لسانيا” لخطة أنان من أجل نزع السلاح و التفاوض، فإنهم يعملون لضمان فشلها.

تبدو النتائج واضحة على أرض الواقع، فقد هبط عدد الضحايا حسب منظمات حقوق الإنسان بنسبة 36% منذ الموعد الافتراض لبداية تنفيذ الخطة. في حين أن ضحايا الحكومة تزايدت بحدة في الفترة نفسها (953 منذ منتصف آذار) و قد اعترف مقاتلو الثورة بمقتل 80 شخص من عناصر الحكومة في الأسبوع الماضي لوحده.

تنقل وسائل الإعلام الخليجية و الغربية أخبار سوريا بوصفها حالة انتفاضة شعبية ضد نظام سلطوي. لكن ذلك يمثل جانبا حيويا واحدا للصراع. و بينما قوبل القمع الوحشي من قبل الحكومة بتسليح متزايد للمجموعات المعارضة, حلت محل المعارضة الأساسية مجموعات مدعومة من الخارج تتركز سياسيتها على الفوز بالسلطة (بمعزل عن التدخل الخارجي). و بشكل متزايد يتحول الصراع الى صراع طائفي تدفعه محاولات النظام لاكتساب دعم الاقليات من خلال استخدامه و تحريكه لمخاوفهم من معارضة “سنية الأغلبية”. و يكتسب الصراع السني-الشيعي ضراوته من المثل العراقي, حيث لعبت الولايات المتحدة على الورقة الطائفية لتمنع ظهور اي مقاومة وطنية حقيقية و كانت الولايات المتحدة ايضا سكينا في قلب الثورة العربية و مسمار العجلة في إستراتيجية المملكة العربية السعودية لمنع ثورات مشابهة ضد الأنظمة المحافظة الخليجية.

بات التحريض ضد الشيعة استراتيجية أساسية للسعودية ضد الإصلاح في المملكة نفسها و كذلك كان قمع الاحتجاج الجماهيري في البحرين و الدعوة لتركيز المعارضة في المنطقة ضد دمشق (حيث أن الطائفة العلوية الحاكمة هي فرع من الشيعة) عوضا عن عمان أو الرياض. و كان هذا أيضا ما جذب القاعدة و المتطوعون السنة ليشاركوا في الحرب ضد نظام الأسد من مبدأ العين بالعين و هنا تكمن الكارثة بالنسبة لسوريا و جارتها لبنان و كلاهما ذوي البنية الدينية و العرقية متزعزعة.

لكنه البعد الثالث للازمة- و هو دور سوريا كحليف أساسي لإيران- ما يجعلها امكانية لاشعال النار في المنطقة و تنتج صراعا خارجيا مدمرا. إن النضال الداخلي في سوريا التي احتلت اسرائيل جزء من أراضيها منذ حوالي 45 سنة، أصبح على الفور جزءا من حرب “بالوساطة للغرب و السعودية ضد إيران و حليفه اللبناني حزب الله. و في هذا السياق صرح هذا الأسبوع جيمس روبين(سكرتير الشؤون الخارجية المساعد في حكومة بيل كلينتون)، أن التدخل في سوريا “يستحق المجازفة” لأنه سيحرم إيران من موطئ قدم في المنطقة المتوسطية لتهدد اسرائيل و تهدد استقرار المنطقة.

في الحقيقة، إن تحالف إيران مع سوريا يشكل سببا أخرا ليصعد التدخل الخليجي و الغربي في سوريا الأزمة لا لينهيها. لقد زاد تدخل الناتو في ليبيا العام الماضي عدد الضحايا وسطيا من 10 الى 15 ضعف و ترك البلد لامراء حرب خارجين عن القانون, تعذيب و تطهير عرقي. إن التدخل في سوريا سواء كان من خلال تسليح كامل للمعارضة أو من خلال استخدام القوة الجوية لخلق “ممرات إنسانية” سوف يكون عملية مدمرة.

و هذا -جزئيا- لأن النظام السوري يملك دفاعا جويا متميزا و جيشا كبيرا و سيكون النزاع في مناطق مزدحمة بالسكان و لكن أيضا بسبب الانشقاق الطائفي و المجازفة بانتشار النزاع إلى بلدان أخرى مجاورة مثل العراق و لبنان . و يبقى الجواب غامضا على السؤال: لماذا ينظر الى الحلول التي جلبت الدم و الدمار للعراق و أفغانستان على أنها أدوات مناسبة لإنقاذ الإنسانية في سوريا؟ ، أليس هناك يد في ذلك؟ سيؤدي التدخل الأجنبي بصورته الكاملة بالتأكيد الى حجم هائل من الضحايا المدنيي و أكثر بكثير مما سقط في الحولة.

حاليا, ان التدخل ضيق النطاق يدمي سوريا من خلال حرب استنزاف. فيما عدا انقلاب عسكري داخلي, فان السبيل الوحيد بعيدا عن تكريس الطائفية و الصراع الإقليمي هو اتفاق باشراف و ضمانات دولية يسمح للسوريين بتحديد مستقبلهم. هذا يعني أن على أميركا و حلفائها أن لخطة أنان والضغط الايراني و الروسي على دمشق فرصة. أما نتائج الحل البديل-تدخل العسكري واسع النطاق- فهي أكبر من أن تحصى.

Seumas Milne

guardian.co.uk, Tuesday 5 June 2012 22.00

ترجمها للعربية رند الجندي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى