حول تعزيز الموقف الكردي السوري إزاء المستقبل
مصطفى اسماعيل
عشرة أشهر ولا تزال الثورة السورية تحبو نحو الغد المغاير, برغم القمع الهائل والتضحيات الشاهقة, فالسوريون من أقصى البلاد إلى أقصاها نسفوا جسورهم مع الخوف الوخيم, ولم يعد يؤرقهم سوى الوصول إلى بر الحرية مزيلين خلال ذلك كل الأسوار العالية التي زرعها النظام الأمني البعثي بين القوميات والإثنيات والطوائف في بلد تعددي فسيفسائي بإمتياز, ورفع المتظاهرين العرب السوريين لعلم كردستان كرأسمال رمزي للكرد السوريين في العديد من المدن والبلدات دليل عياني على توأمة روحية من نوع ما تجمع السوريين أصلحت بشكل لا بأس به ما أفسده العطار الأمني البعثي, قابله منذ الأسابيع الأولى للثورة رفع المتظاهرين الكرد في مدن كردستان سوريا علم الجمهورية الحالي ولاحقاً علم استقلال سوريا في نفي عملي للمعزوفة الأمنية والقضائية المروضة أمنياً القائلة بإنفصالية الكرد السوريين, مضافاً إلى ما تشهده التظاهرات الكردية من أجواء وعبارات التضامن مع المدن العربية السورية المنكوبة على يد الثالوث المُدَّنَسْ ( الجيش, الأمن, الشبيحة ).
وحدت الثورة السورية العظيمة السوريين, وقدم الشباب الكردي والعربي الثائر أبلغ الدروس في الوحدة الوطنية السورية العملية, وهي لوحة لم تشأ جملوكية الخوف يوماً خلقها, بل على العكس أجهضت فرص ظهورها مراراً عبر إشاعة مناخ من الريبة والشكوك بين المكونات السورية, ولكن المعارضات السورية العديدة خلال هذه الثورة لم ترتق إلى مستوى الاختراقات التي أحدثتها ثورة الشباب السوري في البنى المجتمعية السورية عمودياً وأفقياً, بل كان دافعها في الوثائق واللقاءات هو نمطية رتيبة إقصائية عقيمة كانت تسم خطابها السياسي قبل الثورة.
لم يأخذ الإطاران المعارضان ( المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية ) الفضاء التظاهري في المناطق العربية والكردية السورية بعين الاعتبار حين وقعا مؤخراً وثيقة سياسية مشتركة عدها البعض اتفاقاً والبعض الآخر مجرد ورقة أفكار, بل قفزا فوق موضوعة الحق الكردي المغيب في سوريا منذ تأسيسها كدولة, وشكل متن تلكم الوثيقة تراجعاً لافتاً حتى عن البنود المقرة من قبل الطرفين في وثائقهما وآخرها الوثيقة السياسية الصادرة عن مؤتمر المجلس الوطني السوري المنعقد في تونس.
في كل الأحوال, حتى لو كان الموقع عليه فيما بين الطرفين ورقة أفكار أو مسودة اتفاق أو تفاهم, فإن ذلك بالنسبة للكرد مثير للقلق وفقدان الثقة بالطرفين, ففي تلكم الوثيقة نفي للحقوق الكردية واختزال للقضية الكردية وإخراج للكرد من سوريا الغد, ويمكننا القول إن النزعة الإقصائية والتهميشية والاستبعادية التي طبقت في عهد النظام الحالي مستمرة بشكل أو بآخر, وهذا يعني أن مشكلة الكرد ليست مع نظام محدد, وإنما مع ثقافة الإنكار وذهنية الإقصاء المنطلقة من منصات قومجية إذ تقفز فوق حقوق شعب أصيل مؤسس لسوريا ويعتبر فيها قومية أساسية.
وإن أصرت أطراف من المجلس الوطني السوري على عد الوثيقة إياها مجرد ورقة أفكار, فإن ذلك يكشف سوء النية المبيتة وتغييب الكرد عمداً, برغم اللقاءات العديدة التي شهدتها القاهرة بين ممثلي الشعب الكردي والطرفين المتحدث عنهما ( المجلس والهيئة ), أيضاً فإن ما جرى يحدث انقساماً في صفوف المعارضة في مرحلة برزخية حساسة من عمر الثورة بالنسبة للأطراف جميعها, وموقف الكتلة الكردية بداخل المجلس الوطني السوري كان واضحاً في هذا الإطار وإيجابياً إذا ما قارناه بمواقف أطراف كردية منخرطة في هيئة التنسيق الوطنية حيث اعتصمت بحبل الصمت.
أفضل حل للتعامل مع الذهنية السائدة في المعارضة السورية ( شقها العربي ) هو محاولة الكرد توحيد خطابهم وموقفهم وسلة مطالبهم وتشكيل أرضية قوية للتعامل مع تلك الأطر الموجودة ( المجلس الوطني وبضمنه إعلان دمشق وهيئة التنسيق ), وأفضل خطوة في هذا السياق من قبل ممثلي الشعب الكردي هو الانسحاب من الأطر الموجودة وإعطاء الأوالية للكتلة الكردية المعارضة, وهو المطلوب أولاً من الأطراف المنضوية في المجلس الوطني الكردي امتثالاً لقرار المؤتمر الوطني الكردي, حيث تجاوزت غالبية الأحزاب السقف الزمني الموضوع لها من قبل المؤتمر إياه, وهو ما أثر سلباً على موقف المجلس الوطني الكردي وأخل بأوراقه التفاوضية مع الأطر المعارضة الأخرى.
ولا تملك الأحزاب الكردية الكردية المنضوية في الإطارين السابقين المزيد من الخيارات, فإما أن تعسكر فيهما وتهيل بذلك التراب على رأس المجلس الوطني الكردي وتطعنه طعنة نجلاء ( بروتوسية ), أو تنسحب وهو المطلوب في ضوء إحدى مقررات المؤتمر الوطني الكردي, سيما وأن قادة تلكم الأحزاب قد جاءوا إلى المؤتمر إياه مصطحبين ( وثيقة تعهد والتزام ) مذيلة بتواقيعهم يعربون فيها عن استعدادهم لتنفيذ مقررات المؤتمر مهما كانت.