صفحات سوريةطيب تيزيني

حياة السوريين وثمن الحقيقة/ طيب تيزيني

بدلاً من الوصول إلى حد معين من الاستقرار في سوريا، بعد خطرة تلو أخرى تنجزها جماعة الرأي فيها، نشهد مزيداً من الاضطراب والخذلان والأسى، ذلك لأن الزمن المهيمن فيها إنما هو زمن مُقطع الأوصال كما هو حال الناس على الأرض.

وقد لا نبالغ إذا أقررنا بأن التوغل في ممارسة الحرب أتى من المشاركة الفعّالة فيها من قبل أطراف لا تملك الحق في ذلك، ولكن لها الحق في استخدام الفيتو كما تشاء. فالأعضاء الخمسة الذين يستخدمون ذلك «الحق» ضمن مجلس الأمن الدولي هم مجموعة من ممثلي بلدانهم يحق لأحدهم استخدام النقض، سواء تم ذلك بمقتضى الحقيقة المتحدرة من واقع الحال المشخّص على خريطة العالم أو خريطة البلدين أو البلدان المشاركة في الحرب. ها هنا يمكن أن تتم أخطر صفقة بمجرد الوقوف في الصف المواجه للحقيقة والذي يمتلك هذه الأخيرة بمجرد إعلان الاعتراض (أي الفيتو) ضد الطرف الآخر الذي قد يملك الحقيقة.

إننا إذن أمام الحالة التي تفتقد العدل والحصافة، ولكنها في الوقت ذاته تؤمّن توازناً شكلياً لا علاقة له بالحقيقة التي نبحث عنها. وعلى هذه الحال، مارست روسيا الاتحادية مع جمهورية الصين مثل ذلك النشاط القائم على توازن لا يخرج عن كونه قائماً على عدالة شكلانية. وبالفعل، نحن هنا نواجه معضلة من طراز غريب، فهي معضلة تمتلك الصدقية الشكلانية، لكنها تفتقد الحقيقة الفعلية المشخّصة. وبهذا يكون الستار قد أُسدل على هذه الأخيرة، في حين تبرز الأولى بوصفها قطار الحقيقة الذي على الجميع أن يلتزم به ويعمل بمقتضى توقيتاته. ومن شأن ذلك أن يعني أن الإنسانية الملتفّة حول «المنظمة الدولية»، تجد مآلها الظالم في هذه الأخيرة، وعليها مع ذلك (أي رغم الظلم الفاضح) أن تصمت قانعة. ومن شأن هذا أن يلجم تلك الإنسانية عن الكفاح من أجل عدالتها.

وإذا كان قيام منظمة الأمم المتحدة قد مثل خطوة على طريق العدل العالمي، فإنها الآن، الآن بالذات، مدعوة إلى إعادة مأسستها على ضوء قيم العدل الحقيقي، الذي تُظهر ضرورته القصوى الثورة السورية، والتي ربما تجسد نمطاً غير مسبوق عالمياً من العمل على التغيير الفعلي حقاً. لكن المأساة تكتمل أكثر، حين يعمل سادة الظلامية والظلم على ترسيخها، وذلك عبر الوقوف في وجه محاولة رأب الصدع، ولو قليلاً، على صعيد «الحقيقة الشكلانية» الزائفة، أي عن طريق الاستئناف إلى محكمة لاهاي، بصورة خاصة ومركزة. وذلك الانحراف الخطير هو ما يدفع السوريون ثمنه الفاحش من حياتهم.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى