صفحات العالم

خرافة عربية


ساطع نور الدين

لا شك في أن المسؤولين الاميركيين يشعرون بالفخر عندما يتلقون التقارير عن الاتهامات التي توجّه اليهم يومياً من انظمة مثل النظام السوري او الايراني او الليبي او سواه، بأنهم يقفون وراء المؤامرات الخارجية التي تهدد حالياً تلك الانظمة المقاومة او الممانعة، وتهدف في نهاية المطاف الى إسقاطها.. بأمل اخضاع العالمين العربي والاسلامي اللذين يعدان نحو مليار ونصف مليار انسان، للهيمنة الاميركية الكاملة.

مثل هذه الاتهامات ترضي بالتأكيد غرور الاميركيين وتشبع غريزتهم بالاستقواء والاستعلاء على الآخرين، لكنها تنتمي الى ثقافة سياسية عربية وإسلامية معطوبة، تفتقر الى الحد الادنى من المتابعة والفهم لما يجري في الامبراطورية الاميركية التي يشهد العالم كله على اختلاف أممه وشعوبه، عدا العرب والمسلمين، أنها في مرحلة انحدار لم يسبق لها مثيل في تاريخها.

في بعض الاحيان يبدو ان العرب والمسلمين الذين يتحدثون هذه الايام عن أدوار أميركية مؤثرة في افتعال او ادارة او تسوية حروب وازمات عربية او اسلامية، كمن يعيشون خارج العصر، ويحكون خرافات واساطير منقولة من ايام الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفياتي، عندما كانت واشنطن ترعى انقلابات وتنفذ اغتيالات وتمول حملات من اجل إلحاق الهزيمة بالشيوعية، او عندما كانت تنتج تنظيمات اسلامية ثم تختلف معها ثم تحاربها.. فتساهم في تشكيل وهم سياسي عربي وإسلامي بأنها دولة عظمى خارقة، لا يمكن ان يحدث شيء في العالم الا بعلمها او بأمرها.

اما ما يُعرض من حقائق عن ان اميركا غير قادرة على حكم العراق او على البقاء في افغانستان او على مواصلة الحرب على أكثر من جبهة مع تنظيم القاعدة وشبكاته، لأن مجتمعها قد أرهق وجيشها استنفد واقتصادها يسير فعلاً على حافة الافلاس.. فإن ذلك لا يقنع اي عربي او مسلم، ويعتقد فعلا ان الاميركيين يخدعون العالم ويسعون الى السيطرة على ثرواته وسرقة امواله والتحكم بشعوبه كافة، بما فيها الشعب الصيني الذي يوازي عدده عدد العرب والمسلمين ايضاً.

لا يعني ذلك ان اميركا فقدت قدرتها على تدمير العالم باسلحتها النووية والتقليدية، وتخريب اقتصاده بديونها القياسية، وإفقار قارات وشعوب بمضارباتها في الاسواق، والتسبب بحروب وازمات جراء نفوذها في المؤسسات الدولية، لكنه سلوك انتحاري لا يحبه الاميركيون، او على الاقل يتركونه الى يوم القيامة.. وهم يعترفون صراحة وعلناً وكل يوم تقريباً ان مثل هذا الخيار لن يوقف مسيرة امبراطوريتهم نحو الزوال.

لا يريد احد من العرب او المسلمين ان ينتبه الى ان اميركا لم تعد مؤهلة للتحكم بمصائر الامم والشعوب، بما فيها تلك التي تصرّ على ان تظل مسلوبة الارادة، ولا تزال تعتقد ان واشنطن هي مصدر القرار ومصنع المؤامرة.. مع ان دولاً أقل اهمية من اصغر دولة عربية تحدّت الاميركيين وفرضت رأيها عليهم، وحرمتهم من متعة الادعاء بأنهم مازالوا الدولة الاعظم في العالم.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى