صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الايراني من الثورة السورية

مناورة التأكيد الإيراني ونفيه

وليد شقير

لم تكن هي المرة الأولى التي تصدر تصريحات عن قادة «الحرس الثوري» الإيراني أو مسؤولين إيرانيين آخرين في شأن لبنان وغيره من الدول التي لإيران نفوذ مباشر فيها. ولم تكن المرة الأولى التي ينفي فيها المسؤولون الإيرانيون هذه التصريحات، فور صدورها.

والأرجح أن لكل من القول ولنفيه وظيفته في سياق التأزم الإقليمي، إن في علاقات طهران مع الولايات المتحدة ودول الغرب، أو في سياق العلاقات الإيرانية – العربية، المتوترة بفعل الصراع الدائر في المنطقة على النفوذ، وفي ظل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بالهجوم على المواقع النووية الإيرانية، أو في سياق الأزمة السورية التي تتبنى طهران الدفاع عن النظام فيها حتى النهاية، في مقابل انحياز الدول الغربية وغالبية الدول العربية الى الثورة السورية واعتبارها أن الحل بتنحي الرئيس بشار الأسد.

سبق لقائد «فيلق القدس»، اللواء قاسم سليماني أن صرح في كانون الثاني (يناير) الماضي بأن إيران حاضرة في الجنوب اللبناني والعراق وأن طهران بإمكانها أن تنظم أي حركة تقود الى تشكيل حكومة إسلامية «بغية مكافحة الاستكبار». وفور صدور تصريح سليماني، صدر نفي عن السفير في بيروت غضنفر ركن أبادي، الذي يعرف لبنان جيداً ويدرك الحساسية الخاصة لهذا الكلام، على الفرقاء اللبنانيين، خصوصاً حلفاء «حزب الله»، قبل خصومه. فبحنكته الديبلوماسية قال إن سليماني قصد «مدى استلهام الكثير من بلدان المنطقة، ومن ضمنها لبنان والعراق فكرة الثورة الإيرانية». فالسفير لا يريد إحراج شركاء الحزب في الحكومة الحالية التي تحرص طهران على التخفيف من أعبائها التي تهدد وحدتها بين الحين والآخر.

إلا أن النفي لا يلغي الهدف مما قيل، تماماً كما حصل قبل 4 أيام إزاء تصريح قائد «الحرس الثوري» الفريق محمد علي جعفري عن وجود «الحرس» في سورية ولبنان «كمستشارين يقدمون النصح والمال والأفكار». وهو ما اضطر أبادي الى نفيه مجدداً.

وقصة النصائح والمشورة ليست خافية على أحد. فالجانب الإيراني يتحدث عنها بلا حرج إن في الاجتماعات المغلقة أو في المواقف العلنية، بل إن بعض المسؤولين السوريين لم يخفوا القول أمام حلفاء لهم من اللبنانيين في الأشهر الأولى من الأزمة إن اللواء سليماني كان يزور دمشق بوتيرة شبه أسبوعية لتقديم المشورة، و هؤلاء الحلفاء تحدثوا عن نصائح إيجابية: ضرورة أن يسرّع الأسد الإصلاحات، أن يتجنب القتل في قمع التظاهرات ويستخدم الرصاص المطاط والعصي الكهربائية والغاز المسيل للدموع والهراوات بدل الرصاص الحي والقذائف كما فعلت القيادة الإيرانية مع المعارضة العام 2009… الخ. لم يؤخذ بهذه النصائح. لكن لا بديل أمام طهران وحلفائها سوى تأييد النظام لأن خسارة ورقة سورية مسألة استراتيجية، مهما كانت «أخطاء» هذا النظام، فانتقلت الى تقديم النصائح والمشورة المتلائمة مع الحل العسكري.

لم ينف الجانب الإيراني التصريحات الإيرانية المتعاقبة، بدءاً بمستشار المرشد الأعلى الدكتور علي أكبر ولايتي وآخرها للمستشار اللواء يحيى صفوي، عن أنه «إذا نفذ الكيان الصهيوني أي خطوة ضدنا فإن مجموعات المقاومة وخصوصاً حزب الله باعتباره عمق دفاعنا الاستراتيجي سيقوم بالرد». هذا فضلاً عما يقوله علناً قادة «حزب الله» عن أن ترسانته جاهزة للمشاركة في الدفاع عن إيران، وأن هذه الترسانة هي «تقدمة» من الجانب الإيراني كما سبق للأمين العام للحزب أن أكد في معرض الحديث عن العرفان بالجميل. ومن نافل القول إن هذه الترسانة تحتاج الى «المشورة» في التدريب والتخزين والاستخدام والاستهداف وبالتالي تحتاج الى خبراء على الأرض.

يصعب فصل، «مناورة» إيران بالإدلاء بتصريحات أو تلميحات عن وجودها المباشر في سورية ولبنان وما تنتظره من نفوذها في العراق، ثم نفي بعض هذه التصريحات، عن «مناورات» الدول الغربية في المواجهة الدائرة مع القيادة الإيرانية وآخرها التدريبات البحرية الكبرى بقيادة الجيش الأميركي ومشاركة 30 دولة، للحفاظ على حرية الملاحة في مياه الشرق الأوسط في مواجهة الألغام، والتي بدأت الاثنين وتستمر حتى 27 الجاري.

وللحديث عن الوجود الإيراني المباشر في لبنان وسورية وظائف أخرى حكماً: تذكير إسرائيل مع كل تهديد لطهران، بوجود أذرعها في محيطها الجغرافي، التحذير من دعم المعارضة السورية بالسلاح، هذا فضلاً عن أن تصريحات جعفري حول المستشارين في سورية ولبنان تزامنت مع المناورة البحرية الغربية، التي أوجبت تكرار التهديد بضرب مضيق هرمز…

وهناك من يسأل: هل هدف اقتراح طهران في اجتماعات اللجنة الرباعية (مع مصر وتركيا التي غابت عنها السعودية) في القاهرة قبل يومين إرسال مراقبين الى سورية من الدول الأربع، تشريع وجود الخبراء الموجودين أصلاً؟

الحياة

بل اطردوا الإيرانيين من سوريا

طارق الحميد

حسنا التأم اجتماع لجنة الاتصال الرباعية الخاصة بسوريا بمقترح مصري، مرتين، وليس مرة واحدة، وهي اللجنة المكونة من السعودية ومصر وتركيا وإيران، والواضح الآن أن الجميع قد أدرك أنه ليس لتلك اللجنة أي فرص في النجاح، وهذا ما ذكرناه هنا مرتين، وقبل أول اجتماع لتلك اللجنة.

الواضح اليوم أن الجميع قد أدرك أن لا أمل في تلك اللجنة، وأن مجرد دعوة إيران لذلك الاجتماع تعني فشله؛ فطهران أحد أبرز المعوقات في سوريا، فكيف تكون جزءا من الحل؟! وعندما نقول الجميع قد أدرك ذلك، فهذا ما يظهر من بعض المواقف، خصوصا مع تغيب السعودية عن الاجتماع الأخير في القاهرة، وكذلك الآراء التي باتت تجهر الآن بصعوبة الوصول لاتفاق في ظل مشاركة إيران، ناهيك عن التصريحات الرسمية التي تصب في هذا الاتجاه، وآخرها تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي الذي أعلن أن كل الأبواب قد طرقت في الأزمة السورية من دون تحقيق أي نجاح. وهذا أمر متوقع أساسا، وكنا، وغيرنا من القلة القليلة في هذه الصحيفة، نقول هذا الأمر، ومن أول أيام الثورة السورية، فمن عرف النظام الأسدي لا يمكن أن تنطلي عليه حيل الأسد على الإطلاق.

وبالعودة للجنة الرباعية الخاصة بسوريا، فالمهم الآن أنها أكدت للبعض نوايا إيران الحقيقية تجاه سوريا، وخطورة مجرد الاعتقاد بأن طهران ممكن أن تكون جزءا من الحل. فإيران دعت في القاهرة لإرسال مراقبين من السعودية ومصر وتركيا وإيران نفسها لسوريا، وخطورة هذا الطرح أن إيران تقول لنظرائها من القوى الإقليمية في المنطقة، ومن القاهرة، تعالوا نتقاسم سوريا، وعلى الطريقة اللبنانية، حيث يصعب تخيل تشكيل حكومة في لبنان من دون تراض بين كل من السعودية وإيران ومؤخرا تركيا. وبدلا من أن يعالج هذا الوضع غير الصحيح فإن إيران تريد تطبيقه في سوريا، وتحت غطاء عربي، ومن عاصمة عربية!

ومجرد القبول بمثل هذا الطرح يعني أن البعض في منطقتنا لا يزال يؤمن بأنصاف الحلول، وتحت أعذار واهية، مثل البراغماتية، أو التعامل بواقعية، وهذا هو الخطر بعينه. وكما قلنا مرارا وتكرارا، فإن إيران ليست دولة جارة لسوريا، ولا حتى تركيبة سوريا الطائفية تسمح لإيران بالتدخل. فالسوريون يقولون «لا إيران ولا نصر الله»، بينما نجد بيننا من يحاول إعطاء غطاء للنفوذ الإيراني في سوريا، ويشرع لإيران خلق فصيل من شاكلة حزب الله في سوريا. وهذا أمر وارد، ويستحق الحذر، خصوصا في حال ما انزلقت سوريا إلى حالة فوضى عارمة، حيث ستسعى طهران حينها لخلق شرعية جديدة لها في سوريا مثلما فعلت مع حزب الله في لبنان وبحجة تحرير الأراضي المحتلة، وهذه نقطة تستحق التنبه لها من الآن، طالما لم يتم التعجيل بسقوط الأسد!

وعليه، فإن المؤمل الآن هو التنبه لخطورة إيران في سوريا، خصوصا بعد اجتماع لجنة الاتصال الرباعية في مصر، التي كان يفترض بها المطالبة بطرد قوات فيلق القدس من سوريا التي اعترف قائد الحرس الثوري الإيراني بوجودها بدلا من أن تطالب طهران اللجنة الرباعية بإرسال مراقبين من بينهم إيرانيون أيضا، فالمطلوب هو طرد إيران من سوريا، وليس تشريع تدخلها!

الشرق الأوسط

الأربعاء

القاهرة.. بإشراك إيران في سوريا

عبد الرحمن الراشد

منذ أن اقترح الرئيس المصري محمد مرسي لجنة رباعية لحل الأزمة السورية وأعطى الإيرانيين مقعدا فيها أثار تساؤلا بأنها خطوة جيدة لتفعيل دور مصر النائم، لكن لماذا إيران؟

أخيرا، عقدت الثلاثية بحضور مصر وتركيا وإيران، وتغيبت السعودية بحجة أنها مشغولة. طبعا حجة غير مقنعة، والأرجح أنها تعمدت الابتعاد عن مشاركة إيران في القرار السوري لأنه سيعطي لاحقا النظام في طهران صكا يخولها طرفا في كل القرارات التي قد تتخذ إقليميا حيال سوريا.

ربما تريد حكومة مرسي أن تدشن عهدها بعيدا عن مفاهيم السياسة الخارجية في عهد مبارك، وهذا من حقها لولا أن هذا الموضوع تحديدا يضر بسوريا، وسيضر بالمصالح المصرية العليا. إيران صريحة جدا في موقفها بإنقاذ نظام بشار الأسد، وقد دفعت الغالي والنفيس من أجل إبقائه واقفا على قدميه حتى الآن، منذ قيام الثورة في العام الماضي. وإيران كذلك مسؤولة مسؤولية مباشرة عن جرائمه التي أتت على عشرات الآلاف من الأبرياء في أبشع مجازر عرفتها المنطقة، ولا يزال القتل مستمرا. ومن الأكيد أن النظام الإيراني سيقوم بحرف اللجنة نحو تعطيل أي حل حقيقي، وستكون تبعات ذلك على سمعة حكومة مرسي غالية. يستحيل أن تكون إيران طرفا إيجابيا في إقصاء الأسد عن الحكم وإنهاء الأزمة، وكل ما تقوله عن حل سلمي يعني شيئا واحدا هو الإبقاء على نظام الأسد. وبسبب موقفهم وشراكتهم للأسد بات السوريون يكرهون كل ما له علاقة بالنظام الإيراني، تماما مثل كراهيتهم للنظام السوري، وبالتالي حتى لو وجد حل سلمي، مع أنه أمر مستبعد، فإنه سيكون مرفوضا من قبل المعارضة السورية بسبب وجود إيران على نفس الطاولة.

الجانب الآخر استراتيجي وليس آنيا، وهو الاعتقاد بإبرام «علاقة خاصة مصرية – إيرانية»، لن يضر إلا مصر أكثر من غيرها. وقد قرأت تحليلات تثير السخرية عن دور مصر «ككفيل للخليج» بالتعامل مع إيران، عدا أنه قول تهكمي، أيضا يسلب من القاهرة واحدة من أهم أوراقها في اللعبة الإقليمية.

إيران تماثل مصر، ولا تكملها، في حجمها السكاني، وجيرتها للخليج، ورغبتها في أن تكون طرفا في المنطقة البترولية المهمة للعالم. كلها صفات تنافسية. لهذا ليس غريبا أن مصر في علاقتها بالخليج كانت دائما منافسا لإيران لا حليفا، منذ عبد الناصر والسادات ومبارك. وحتى في أردأ أوقات العلاقة بين الرياض والقاهرة باعد عبد الناصر بينه وبين شاه إيران واستمر خصما له.

عمليا، مرسي بإشراكه الإيرانيين يعطيهم من طبق مصر وليس من صحن الخليجيين، لأن منطقتهم ذات تنازع دولي لا إقليمي فقط.

كنا نتوقع أن يلعب مرسي دورا أكثر تأثيرا وحيوية في القضية السورية، ينسجم مع موقفه الجيد ضد نظام الأسد في قمة طهران لدول عدم الانحياز، لكنه لم يفعل. ما الذي يمنع مصر من الاشتراك مع السعودية والإمارات وقطر والأردن في دعم الثورة السورية بأكثر من البيانات الرسمية، وبصفة غير رسمية يمكن أن يكون لمصر دور فاعل في إسقاط نظام بشار بدعم الثوار بكل الوسائل.

الشرق الأوسط

الثلاثاء

إيران: نحن في سوريا.. فاوضونا

أسعد حيدر

اعتراف الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري في إيران بوجود قوّات من فيلق القدس، الذي يرأسه “صانع الملوك” الجنرال قاسم سليماني، وصاحب الخبرات الطويلة في العراق ولبنان وسوريا، يؤكد واقعة معروفة ولا يكشف سراً. رغم ذلك، فإنّ هذا الإعلان الاعتراف مهم وخطير في وقت واحد. الجنرال جعفري هو أعلى العسكريين رتبة في “الحرس”، لذلك فإنّ كل كلمة له تعتبر مساراً سياسياً، درس بعناية قبل كشفه. أيضاً توقيته له أبعاد إضافية. بعد 18 شهراً على الثورة وعدم نجاح الرئيس بشار الاسد في وأدها رغم كل التدمير والقتل، يعني أنّه حان الوقت للبحث عن طريقة لفتح أبواب أخرى تمنع إحراق كل الجسور الموجودة والممكن بناؤها في لحظة معينة.

الجنرال جعفري يعرف جيداً أنّ قوات “الحرس” من “فيلق القدس”، ليست مهمتهم تدريس فكر الثورة الإسلامية في سوريا. لديهم الخبرات الكافية في التعامل الميداني في العراق وفي لبنان. باختصار إنهم يتعاملون ميدانياً مع كل الدروس المستفادة ويعيدون تدريب ودعم الجيش الأسدي بها. لقد سبق وأن كشف دورهم في الحرب الالكترونية والأمنية قبل سنة تقريباً، وقد سجلوا للأسف نجاحات مهمة دفع آلاف الشباب من التنسيقيات حياتهم وحريتهم ثمناً لها. عرضان في عرض واحد قدمهما الجنرال جعفري.

[الأول: عرض القوة من موضع الضعف. الجنرال يعرف جيداً أنّ الجيش الأسدي ضعف ويضعف بعد أن أنهكته مواجهات مستمرة ومتنقلة منذ 18 شهراً. وهو في كشفه عن وجود قوات من فيلق القدس يؤكد بطريقة أو أخرى ذلك لأنّه لو لم يكن هذا الجيش قد أصبح ضعيفاً لما احتاج إلى الدعم الميداني والتهديد بفتح جبهة واسعة إذا ما تعرّضت سوريا لهجوم خارجي.

[الثاني: استجلاب عروض للتفاوض بعد إعلام الخصوم بوجوده على الأرض، لأنّ التفاوض بعيداً عن الحدود يبقى سياسياً في حين أنّ التفاوض من خلف الحدود يكون سياسياً وميدانياً. السلاح على الأرض يصيغ عوامل القوة والتفاوض من موقع القوّة.

الجعفري وهو في هذا لسان حال المرشد آية الله علي خامنئي، يريد موقعاً لإيران على طاولة المفاوضات القادمة. عضوية إيران في “اللجنة الرباعية” مهمّة جداً. لكن الأهم أن تقبل واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية عضويتها في “طائف سوري” أو حتى في حال حصول تفاهم أميركي روسي، سواء على الحل في مجلس الأمن أو في إنجاح انقلاب عسكري مبرمج على أساس تشكيل مجلس عسكري يقدم للعلويين ضمانة عملية تتمثل بالمناصفة أو أقل بقليل، أو كما يقول البعض النصف زائد واحد. طهران تريد معرفة ماذا سيبقى لها من هذا الحليف الذي أنفقت عليه أكثر من مائة مليار دولار واعتمدت عليه لنقل علاقتها بالقضية الفلسطينية من الخطاب السياسي إلى التواجد الميداني، إيران أيضاً تريد ضمان مصالحها الواسعة في العراق، ومستقبلاً في افغانستان التي تشكل بالنسبة لها “الحديقة الخلفية” تاريخياً. هذا عدا الملف النووي الذي ضمنت فيه حتى الآن عدم حصول حرب أميركية ضدّها مما يعني وضع “كلب الحراسة” الإسرائيلي في القفص حتى إشعار آخر.

أيضاً وهو مهم جداً، لا يمكن عزل هذا “الخطاب الجعفري” عن التطورات السياسية الداخلية. بداية من المرجح أن الجعفري يريد وضع موطئ قدم له في الخريطة السياسية مستقبلاً. من الطبيعي كما حصل بالنسبة لمعظم قادة الحرس وبعد تعزيز مواقعهم في السنوات الأخيرة، أن يكون للجعفري مستقبلٌ سياسيٌ. ليس أهم من هذا الموقع وهذا الميدان الاعلان عن حضوره السياسي. أصبح للجنرال رأيٌ سياسيٌ في أهم قضية استراتيجية تعني الأمن القومي الايراني.

قيادة “الحرس الثوري”، أرادت وبالتفاهم مع المرشد آية الله علي خامنئي وضع نقطة ختام على النقاش داخل ايران العميقة الذي ليس سوى صدى للنقاش الشعبي المفتوح منذ “الانتفاضة الخضراء”، حول العلاقة مع سوريا ولبنان وغزة خلال الانتفاضة كان الشعار السياسي الخارجي الكبير “لا غزة ولا لبنان. نحن نحب إيران”. بعد الثورة في سوريا والكشف يوماً بعد يوم عن عمق انخراط إيران في “جورة الدماء” السورية تحت بند الدفاع عن النظام الأسدي هو دفاع عن الأمن القومي الايراني، نمت معارضة هذا الربط بين مصير نظام زائل مهما كانت الطريقة، وأمن قومي له ثوابته وضروراته وأحكامه. وقد أصبح معلوماً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن الاعتراضات على هذا الوضع يتسع ويتعمق بقوة. من ذلك:

[ اجتماع خمسة من جنرالات “الحرس” بالمرشد ومعارضتهم “لوضع كل البيض الايراني في سلة الأسد”.

[ الرسالة الاعتراضية وحتى التحذيرية التي رفعها منوشهر متقي وزير الخارجية السابق الى المرشد في مطلع تموز الماضي والتي كشف عنها مؤخراً في الربط بين الأمن القومي الايراني ومصير النظام الأسدي مما استحق عليه رداً قاسياً جداً من المرشد.

[ الاعتراضات المتزايدة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها موقع “صوت الداخل” القريب من الرئيس أحمدي نجاد, من هذه العلاقة. من ذلك: “ان الدعم المطلق لنظام بشار الأسد ليس موفقاً جداً لأنه يزيد من مخاطر النزاع المذهبي في سوريا”. ثم يضيف الموقع بتوقيع أحمد شريعتي: “كيف يجرؤون على ربط مصير النظام الاسلامي في ايران بمصير سوري؟”.

طبعاً هذه الاعترافات لم تبقَ بلا ردود. أقوى الردود وأصرحها جاء في موقع “مللي مذهبي”: “بعد سوريا يأتي دورنا. علينا إبطاءهم ومقاومتهم”.

توجد ألف طريقة لوقف هذا الهجوم. البداية، إيرانياً هي في إعادة تقييم الوضع في سوريا وتحديد من هو الظالم ومن هو المظلوم. من الطبيعي أن الوقوف مع الشعب السوري المظلوم يغير الكثير من المعطيات والنتائج حاضراً ومستقبلاً.

المستقبل

الأربعاء

مبادرة ولدت ميتة!

صالح القلاب

كان متوقعاً أن تنتهي مبادرة الرئيس المصري محمد مرسي لحل الأزمة السورية، التي لم تكن موفقة منذ لحظة التَّقدم بها والتي كانت مستغربة وحمَّالة أوجه، إلى هذه النهاية التي أضحكت حتى وزراء خارجية مصر وإيران وتركيا الذين حضروا اجتماع أمس الأول في القاهرة، الذي غابت عنه المملكة العربية السعودية وكان يجب أن تغيب عنه، والذين لم يستطيعوا الردَّ ولو على سؤالٍ واحدٍ من بين أسئلة عشرات الصحافيين الذين كانوا ينتظرون مفاجأة مشجعة تعزز الآمال بإمكانية حدوث انفراج في هذه الأزمة المستفحلة والمتفاقمة.

لم يكن محمد مرسي موفقاً في إطلاق هذه المبادرة التي ولدت ميِّتة والتي يدل إطلاقها بعد الفشل الذريع الذي انتهت إليه خطة كوفي أنان وعشية مجيء الأخضر الإبراهيمي في مهمة دولية وعربية جديدة، على أن الرئيس المصري “الجديد” إما أنه لايزال لم يدرك ضخامة تداخلات وتعقيدات الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة وحجم الدور الإيراني فيها، أو أنه لمّا يرتقِ بعدُ بأدائه السياسي إلى مستوى رئيس دولة بحجم دور مصر العربي والإقليمي والدولي، وأنه لايزال لم يخرج تفكيراً ولا أداءً من دائرة الإخوان المسلمين الذين هم أهل “تقيِّة”، والذين دأبوا على تقديم مصالحهم التنظيمية على مصالح شعوبهم وعلى مصالح بلدانهم.

إن المعروف أن الإخوان المسلمين عموماً، باستثناء “إخوان” سورية، لم يقطعوا علاقاتهم بإيران، إما مراعاة لأوضاع “حماس” وإما تماشياً مع مصالحهم الحزبية، ولذلك وبالتالي فإن كل ما يقولونه في هذا المجال هو: “من الحُنجرة فما فوق”، كما يقال، وهو من قبيل مجاراة توجهات الأكثرية الجماهيرية التي لم تعد قادرة على السكوت على تمادي الإيرانيين في تدخلهم السافر في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي العديد من الدول العربية، وهذا ما اعترف به قبل أيام القائد الأعلى لحراس الثورة الإيرانية محمد علي جعفري، وما اتضح خلال أكثر من عام ونصف منذ بداية انفجار الثورة السورية.

ولهذا فقد كان على محمد مرسي، الذي يبدو أنه لمّا يرتقِ بعد إلى مستوى رئاسة مصر كدولة محورية في هذه المنطقة وفي الإقليم كله، وأن عقله وقلبه وتصوراته وتطلعاته لاتزال لم تخرج من الدائرة الإخوانية، ألاّ يُقحم نفسه ويقحم الدولة المصرية ورئاسة الدولة المصرية في مبادرة كان الواضح ومنذ البداية أن هدفها الرئيسي هو الإبقاء على شعرة معاوية مع الإيرانيين، وهو تحويل إيران من جزء من المشكلة السورية الى جزءٍ من حل هذه المشكلة، وهذا هو ما عجز عنه كوفي أنان وعجزت عنه روسيا بسبب الرفض العربي والغربي وبسبب موقف المعارضة السورية.

كان على محمد مرسي أن يقرأ الكتاب من عنوانه، هذا إن هو أصبح يقرأ بعينيْ رئيس دولة مصر لا بعيون جماعة الإخوان المسلمين، وكان عليه أن يدرك حقيقة ما يريده الإيرانيون من مبادرته هذه عندما طالبوا في الاجتماع الأول بضم فنزويلا والعراق، أي عراق نوري المالكي، إلى هذه المجموعة الرباعية، ثم كان عليه أن يدرك أيضاً أن المملكة العربية السعودية تعرف أبعاد لعبة نقل إيران من دائرة “الخصم” إلى دائرة “الحكم”، وأنها لن تشارك في اجتماع أمس الأول الذي كان يجب ألا يدعو إليه، وأن يطوي صفحة هذه المبادرة التي أساءت إلى الشعب المصري والدولة المصرية.

الجريدة

 

الأربعاء

«القاعدة» وإيران والربيع العربي

عبدالله اسكندر

حرصت الحكومات، في بلدان الربيع العربي، على إعلان رغبة قوية في الحفاظ على علاقتها الجيدة مع الولايات المتحدة. وهذه الرغبة لا تتعلق بالوفاء لواشنطن التي دعمت الحركة المعارضة للنظم الديكتاتورية السابقة وساعدت في إطاحتها، سواء عبر الضغط السياسي أو التدخل المباشر، وإنما أيضاً لحاجتها المصلحية لاستمرار الدعم الأميركي، خصوصاً بشقيه المالي والعسكري.

لذلك أعلنت هذه الحكومات، في مصر وتونس وليبيا واليمن، النأي بنفسها عن الاحتجاجات التي شهدتها عواصم هذه البلدان على الفيلم المسيء. لا بل اتخذت إجراءات ضد المشتبه بهم في مهاجمة مقرات ديبلوماسية، لتظهر تمسكها بالوجود الأميركي وبعلاقتها مع الولايات المتحدة. ولإعطاء ضمانات طلبتها واشنطن في صدد حماية بعثاتها.

وتأتي الموجة الجديدة للاحتجاجات على الفيلم المسيء، في العالم العربي، لتطاول بالضبط هذه العلاقة، عبر استمرار التحريض من الجماعات والأحزاب المتشددة التي تضع قضية الفيلم المسيء في إطار معركتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وليتشكل حلف غير معلن بين جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» ومنظريه وبين إيران وأتباعها وأنصارها ومنظري استراتيجيتها.

وواضح أن هذا الحلف الذي يستثمر قباحة الفيلم من أجل تسعير المعركة ضد الولايات المتحدة. وأيضاً، وهذا هو الأهم، ضد الواقع الجديد الذي أفرزه الربيع العربي، خصوصاً لجهة المنحى الديموقراطي العام الذي اعتمدته النظم الجديدة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والتأسيس لدولة القانون والتعددية.

وفي رصد هذه الاحتجاجات وسلوك الداعين إليها والمحرضين عليها، ثمة حقيقتان. الأولى أن هؤلاء هم أبعد الناس عن معاني الديموقراطية والحريات. وإذا كان بعضهم «يكفر» المنادين بمثل هذه المفاهيم، فإن بعضهم الآخر تصدى بالقوة إلى الداعين إليها. والثانية هي أن هؤلاء باتوا يقفون علناً ضد النظم الجديدة في بلدان الربيع العربي، بذريعة أنها صناعة ومؤامرة من الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، على المسلمين. علماً أن هؤلاء في الممارسة السياسية واليومية يستهدفون مواطنيهم المسلمين في حريتهم ولقمة عيشهم، وفي حياتهم أحياناً.

وبذلك يتسق الموقف السياسي مع استغلال قضية الفيلم المسيء إلى أقصى حد. لينحدر هذا الاستغلال لمشاعر المسلمين، المُستفَزة وعن حق، إلى توظيف الدفاع عن الدين في قضايا سياسية.

ومن هنا يمكن فهم التصعيد العنيف الذي ظهر في اليومين الماضيين، سواء عبر بيانات «القاعدة» وفروعها والفتاوى بالقتل أو عبر التحريض والدعوات إلى التعبئة والتظاهر واستهداف المصالح الغربية.

ويطرح استمرار هذه الحملات تحديات كبيرة على نظم الربيع العربي التي يُفترض أن تكون تخلت عن حالات الطوارئ وإبعاد المؤسسات غير المدنية عن إدارة الشؤون الحكومية.

فهي في مواجهة هذا التحدي الأمني المستمر قد تلجأ إلى القوة العسكرية لردع المستمرين في التصعيد عبر التظاهر واستهداف مؤسسات حكومية أو مقرات ديبلوماسية. مع ما يمكن أن يؤدي إليه من العودة الضرورية للأجهزة الأمنية.

من جهة أخرى، قد تجد هذه الحكومات نفسها، في إطار السعي إلى التهدئة وربما إثبات أنها لا تقل حماسة في رفض الإساءات، أمام خيار إصدار تشريعات جديدة قد تُستخدم في تقييد الحريات العامة والمعارضة السياسية، ما دام معنى الإساءة بات فضفاضاً إلى حد بعيد، وقابلاً للاستخدام في كل الاتجاهات.

وفي حال وقعت نظم الربيع العربي في مثل هذه الإغراءات، فإنها ستتحول إلى نسخة جديدة من النظم القديمة، على رغم ما قدمته شعوبها من أجل التخلص من الديكتاتوريات.

الحياة

حرب إيران في سوريا ولبنان

    علي حماده

قبل ايام قال قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري : “إن عناصر في الحرس الثوري موجودون في سوريا لتقديم العون غير العسكري، وإن إيران ربما تنخرط عسكرياً هناك في حال تعرض سوريا لهجوم”.

و البارحة قال اللواء حسن فيروز آبادي، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، إن الحرب الجارية في سوريا هي حرب بلاده، وأيد ما صرح به الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي الذي قال :”ليست سوريا المستهدفة الوحيدة، بل الهدف هو القضاء على محور المقاومة بمجمله”. واضاف فيروز آبادي: “ما قاله السيد بشار الأسد صحيح، لأن سوريا تشكل الخط الأمامي للمقاومة في التصدي للكيان المحتل للقدس، وقد حافظت على هذا الخط منذ أعوام”.

بالطبع، لن نتحدث عمّا يقوله المسؤولون الايرانيون عن وجودهم في لبنان، وعن ان “حزب الله” سيدخل حربا ضد اسرائيل في حال تعرض ايران لاعتداء اسرائيلي. ولكن المثير في المسألة السورية هو ارتفاع منسوب المواقف الايرانية العالية النبرة، والاعتراف متكرر بإن ايران تخوض حربها الوقائية، (وثمة من يعتبر انها حرب استراتيجية) في سوريا وان سقوط نظام بشار الاسد هناك سينعكس مباشرة على كل البناء الاستراتيجي الايراني الذي قام على عملية تراكم استمرت اكثر من ثلاثة عقود، تمكّنت خلالها ايران من اختراق كل المشرق العربي وصولا الى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، حيث حقق “حزب الله” المرتبط بطهران قفزات نوعية على طريق تطويع لبنان، والسيطرة على معظم مفاصل السلطة فيه، فضلا عن امتلاكه القدرة العسكرية والامنية الوحيدة القادرة فيه. ولعل حرب تموز ٢٠٠٦ التي افتعلها ” حزب الله” مع اسرائيل شكلت تمرينا بالذخيرة الحية لحرب ايرانية – اسرائيلية مقبلة، ولقدرات ذراع ايران في لبنان على الحدود الشمالية لإسرائيل.  بالنسبة الى الساحة السورية، فإن الثورة التي بدأت شعبية وسلمية ضد نظام حكم دكتاتوري دموي مافيوي الطبيعة، تحولت بقرار النظام وداعميه الايرانيين الى حرب محلية اقليمية، وخصوصا ان النظام المافيوي دفع السوريين دفعا الى حمل السلاح للدفاع عن ارواحهم وبيوتهم، على قاعدة ان معركة عسكرية بين طرفين غير متعادلي القوة ايسر من مواجهة ثورة شعبية سلمية كما كان الامر في الاشهر الثمانية الاولى. ومن المسلّم به ان ايران أدت ولا تزال دورا محوريا في تحويل سوريا ساحة حرب اقليمية كبرى من اجل تعقيد مسألة اسقاط نظام بشار الاسد.

لقد شكلت اعترافات القادة العسكريين الكبار في ايران، وهم واجهة النظام في طهران وعصبه،الاطار الامثل لرؤية حجم التورط في سفك دماء السوريين، وللدور الذي يشمل لبنان ايضاً، حيث لن يتأخر الايرانيون عبر “حزب الله” لحظة واحدة عن اغراق لبنان في بحر من الدماء لحظة يتعرض استثمارهم الاستراتيجي للتهديد. من هنا ضرورة دعم احرار لبنان والمشرق العربي الثورة في سوريا لانها حرب تحرير كبرى موازية للتحرير من الاحتلال الاسرائيلي نفسه.

النهار

الخميس

الرباعية الاقليمية على خطى الرباعية الدولية!

الاقتراحات الايرانية لسوريا يتيمة بلا دعم

    روزانا بومنصف

انتقل وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي من اجتماع للرباعية الاسلامية الاقليمية التي تضم ايران و مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية، بعد اجتماع ثان في القاهرة غابت عنه المملكة، الى دمشق حاملا وفق ما اعلنت ايران اقتراحا للحل من تسع نقاط من ابرزها وقف العنف بين الطرفين في وقت متزامن والتشديد على حل الازمة سلميا ووقف كل عمليات دعم المعارضة ماليا وعسكريا وتدريبا الى جانب ارسال مراقبين من دول الرباعية للمراقبة في سوريا. ولم يصدر عن هذه الدول اي رد فعل ايجابي او سلبي على الاقتراح الايراني للحل فيما اعتبرت مصادر معنية ان لا حاجة الى ذلك وقد لا يكون من الصواب رفض المبادرة الايرانية تماما من اجل عدم اجهاض اي امكان لتعاون اكبر بين ايران والدول الاقليمية لاحقا ولكن لا تبن لها في اي شكل من الاشكال. لا بل تزامنت الزيارة مع مواقف تظهر الاختلاف في الرأي في مقاربة ايران والدول الاخرى في الرباعية اولا مع عدم مشاركة المملكة السعودية في ما فسره البعض عدم رغبة المملكة في تقديم منصة لايران نحو الانطلاق اكثر في تسويق مواقفها ثم مع اعلان الرئيس المصري محمد مرسي تزامنا مع زيارة صالحي للعاصمة السورية عن وجود اختلاف مع ايران من جهة وتأكيده تكرارا من جهة اخرى ان لا حل من دون خروج الرئيس السوري بشار الاسد من السلطة. وهو الموقف الذي كان كرره المسؤولون الاتراك مرارا خصوصا في الاونة الاخيرة مما يجعل المبادرة الايرانية يتيمة كليا من دون اي دعم حتى من روسيا التي تقف مع ايران في الجانب الداعم للنظام السوري اذ ان الخارجية الروسية نقلت عن الوزير سيرغي لافروف وتزامنا مع التحرك الايراني واجتماع الرباعية دعم بلاده لمهمة الاخضر الابرهيمي في سوريا من دون اي اشارة الى المبادرة الايرانية. وفي اي حال فان ايران التي كانت وعدت في اجتماعات دول عدم الانحياز بتقديم مبادرة حول سوريا في مؤتمر دول عدم الانحياز الذي انعقد في عاصمتها قبل اسابيع قليلة تراجعت عن ذلك بعد تلمسها الخلافات الكبيرة حول الموضوع السوري خصوصا ان غالبية  الدول التي شاركت في هذا المؤتمر وافقت على نحو مسبق في اجتماع للجمعية العمومية على المقترحات العربية لحل الازمة السورية والتي تضم في طياتها تنحي الرئيس السوري لمصلحة حكومة انتقالية في سوريا ولا يمكنها ان توافق تاليا على مبادرة تحمل في طياتها بقاء النظام السوري واجراء تسويات سياسية معه على قاعدة التوافق على اصلاحات او ما شابه.

وتقول مصادر معنية ان المبادرة الايرانية التي وصفتها وسائل الاعلام الايرانية بانها خريطة طريق من جانب ايران للحل في سوريا يفترض من حيث المبدأ ان تلقى دعم النظام السوري بغض النظر عن امكان نجاحها او عدمه مع ترجيح الاعتبار الاخير نظرا الى عوامل عدة في مقدمها ان المعارضة السورية ترفض هذه المقترحات كون ايران داعما اساسيا وعملانيا للنظام. ولان المعارضة سترفضها قطعا فان افتراض دعم النظام لها مرده الى ان هذه المقترحات تدور في فلك اعادة زمام المبادرة اليه كسلطة من خلال الدعوة الى مفاوضات بين النظام ومعارضيه وانشاء لجنة مصالحة وطنية فضلا عن ان وقف النار المقترح انما هو مبني على المنطق الروسي الذي رفض ان يوقف النظام اولا استهداف معارضيه وانسحاب قواته من الشارع كخطوة اولى. ومن شأن توافر احتمال الموافقة بغض النظر عن امكان نجاح  المبادرة الايرانية او فشلها وفق ما تقول هذه المصادر ان يعزز مواقف ايران على اساس ان التجاوب من جانب النظام يساعد في تكريس حليفه  الايراني لاعبا مستقبليا من اجل الوصول الى حل في سوريا، وهو امر ستحاول ايران بواسطته ان تتوصل الى اتفاق مع القوى العظمى لاحقا على ما قد يحفظ لها شيئا في مكانتها الاستراتيجية في سوريا شأنها في ذلك شأن احتمال المحافظة على مصالح روسيا في سوريا بعد انهيار النظام السوري وفق الاغراءات التي قدمت الى روسيا من اجل التعاون في وقت سابق من اجل المساعدة في حسم الوضع سياسيا وسلميا سريعا في سوريا. في حين ان مشاركة ايران لا تزال ترفضها القوى العظمى التي ابعدت ايران عن مجموعة العمل التي التأمت في جنيف حول سوريا فيما يشترط بعضها شرطين من اجل القبول بطهران احدهما التزام ايران الشروط الدولية في موضوع ملفها النووي.  في اي حال تذكر الرباعية الاقليمية في حال صمدت اجتماعاتها، وهي تستعد لاجتماع ثالث في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة، ولم تسقط بفعل عدم مشاركة المملكة، بالرباعية الدولية من اجل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والتي تضم الى الامم المتحدة كلا من روسيا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة و التي لا تزال قائمة نظريا من دون نتائج عملية او حتى اجتماعات تفعل عملها. فهناك ترضية معنوية في الجلوس الى طاولة الاطراف المعنية بايجاد حل لازمة ما الى الاقرار بدور لا يمكن تجاوزه خصوصا في وقت ضائع عمليا لا يسمح بايجاد حلول لم تنضج لا ظروفها ولا معطياتها بعد.

النهار

الثلاثاء

عن إيران وسورية و «حزب الله» … في ضوء كلام صفوي!

محمد مشموشي *

ليس من دون معنى، ولا هو مجرد مصادفة، أن يكشف مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى صفوي في هذا الوقت بالذات سراً حاول «حزب الله» دائماً أن يخفيه، أو أقله أن يبقيه ملتبساً، فيقول بعبارة لا تقبل التأويل: «إن لبنان وسورية يشكلان عمق الدفاع الاستراتيجي لإيران، وإن «حزب الله» سيرد إذا ما هاجمت إسرائيل الجمهورية الإسلامية».

في الشق الأول من الكلام، قد يكون مفهوماً أن تعمد طهران، تساوقاً مع موقفها من سورية، إلى إبلاغ من يهمه الأمر بأنها مستعدة للذهاب بعيداً في دفاعها عن نظام بشار الأسد، وبأنها لن تسمح بسقوطه (قال ذلك مراراً المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، وينفذه عملياً على الأرض) في مواجهة الثورة الشعبية المستمرة ضد هذا النظام منذ أكثر من سبعة عشر شهراً. فأن تكون سورية «عمق الدفاع الاستراتيجي لإيران»، كما قال صفوي، من شأنه أن يبرر لإيران موقفها هذا أمام شعبها وحتى أمام العالم بوصفها تدافع عن عمقها الاستراتيجي وليس عن أي شيء آخر، بما في ذلك نظام الأسد والأسد نفسه.

لكن السؤال يبقى عن الشق الثاني من كلام صفوي، واعتباره لبنان عمقاً استراتيجياً لإيران من ناحية، وأن «حزب الله» سيكون أداتها للرد على أي اعتداء إسرائيلي عليها من ناحية ثانية. والسؤال عن توقيت إطلاق هذا الكلام بينما لبنان والحزب يمران في مرحلة بالغة الدقة والتعقيد بسبب الحدث السوري، ثم عن إدراك (أو عدم إدراك؟!) ولي الفقيه الإيراني لانعكاساته على صورة الحزب اللبنانية الآن… ولاحقاً بعد وصول هذا الحدث إلى نهايته، أياً كانت هذه النهاية.

فلم ينكر الحزب يوماً علاقته البنيوية بالنظام في إيران، تسليحاً وتمويلاً من جهة، وفكراً دينياً لجهة ولاية الفقيه وسياسياً لجهة معاداة الاستعمار ومشروعه للمنطقة من جهة ثانية، إلا أنه سعى دائماً للفصل بين ما يقوله عن دوره المقاوم – وأخيراً المدافع فقط – في لبنان وبين قضايا إيران الداخلية بما فيها ملفها النووي وتهديداتها لدول الخليج العربية وعلاقاتها مع دول العالم الأخرى. وفي أكثر من مناسبة، كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يبادر إلى إعلان أن إيران لم تطلب منه شيئاً في أي يوم، لا في لبنان ولا في سورية ولا طبعاً في إيران أو في أي مكان آخر، لأن قرار الحزب لبناني مئة في المئة ودوره يقف عند حدود تحرير المحتل من أراضي لبنان والدفاع عنه، وإن كان يجمعه مع إيران وسورية والعراق وغيرها (فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية، على سبيل المثال) تحالف سياسي واستراتيجي واسع.

هذا في العلن وبشكل عام، كما تحرص أدبيات الحزب على القول بغض النظر عن موقفه الفعلي سواء في لبنان أو في سورية بشكل خاص. لكن التطورات الأخيرة في البلدين، وفي المنطقة، وفرت للحزب فرصة تقديم نفسه (أو أقله الظهور) في صورة أكثر تماهياً مع ما يقوله عن قراره اللبناني… غير الإيراني وغير السوري تحديداً، إذا كانت إيرانيته أو سوريته تنعكس عليه سلباً داخل لبنان وحتى داخل طائفته كذلك.

وتظهر المؤشرات التالية بعض هذه المعاني:

أولا، حرص السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة أخيراً على القول إن وظيفة سلاحه هي الردع أولا وقبل كل شيء، ثم الرد على أي عدوان إسرائيلي على لبنان، فضلاً عن تهديده بإلحاق خسائر فادحة في قواته المسلحة وبنيته التحتية والصناعية والعلمية. بل إنه، عندما تحدث عن تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة، ربط ذلك بوضع استراتيجية للتحرير من قبل هيئة الحوار الوطني وبالتنسيق مع الجيش اللبناني.

وقد أشاد السيد حسن، في كل أحاديثه هذه، بالجمهورية الإيرانية والولي الفقيه «الذي نلتزم آراءه» ودعمهما للحزب ومعاداتهما لإسرائيل والولايات المتحدة، لكنه لم يشر ولو تلميحاً إلى أنه قد يستخدم سلاحه للدفاع عن إيران في حال اعتداء إسرائيل أو الولايات المتحدة عليها.

ثانياً، على رغم ما يقال عن مشاركة عناصر من الحزب في قمع الثورة السورية، وحتى في ملاحقة واعتقال بعض أفرادها الذين لجأوا إلى لبنان، لم تتورط قيادته في أي من المحاولات التي قام بها النظام السوري لتصدير أزمته إلى الداخل اللبناني على امتداد الشهور الـ17 الماضية. وفي بعض التحليلات، أن دمشق لم تكن لتلجأ إلى الوزير السابق ميشال سماحة لو أن «حزب الله» أبدى أدنى استعداد للتجاوب مع خطط النظام فيها لجعل لبنان نسخة أخرى من أزمتها الداخلية.

والفارق كبير في أي حال. فالحزب لا ينكر دعمه لنظام بشار الأسد، وقد تكون له عناصر أو حتى كتائب تقاتل إلى جانب قواته في قمع الثورة (يقول الثوار إن لديهم وثائق تثبت ذلك) إلا أن موقفه الممانع لتصدير الأزمة إلى لبنان، كما أراد النظام وحاول مراراً في عكار وطرابلس والبقاع وبعلبك وبيروت، إنما يستحق الوقوف عنده وأن يسجل لقيادة الحزب.

ثالثاً، لعله في السياق ذاته، وليس في أي سياق آخر، خرج السيد نصرالله على الناس ليقول في خطابه يوم 17 آب (أغسطس) الماضي: «إن الأمور خرجت عن السيطرة… وافهموها كما تشاؤون».

حدث ذلك بعد ثلاثة حوادث تمت في وقت واحد تقريباً: الإعلان في دمشق عن خطف شاب من آل المقداد والرد عليه مما أطلق عليه «الجناح العسكري» للعائلة باختطاف رهائن في بيروت، وإطلاق مدافع ودبابات النظام السوري قذائفها على مدينة أعزاز حيث يوجد المخطوفون اللبنانيون الـ11 وشيوع أنباء عن مقتلهم، وقيام عدد من أقارب هؤلاء المخطوفين بقطع طريق المطار وبعض الطرق الأخرى.

رابعاً وأخيراً، موافقة قيادة «حزب الله» على دخول الجيش إلى منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية حيث قام باعتقال الخاطفين وتحرير المخطوفين السوريين والأتراك، وسط كلام من الدولة والجيش والحزب معاً بأن ما تم لن يكون موقتاً بل ستتلوه مبادرات أخرى في الضاحية وفي غيرها من المناطق اللبنانية.

وبالعودة إلى كلام اللواء يحيى صفوي، هل يريد النظام في طهران أن ينزع عن «حزب الله» ما بقي له من هوية لبنانية، وأن يجعل منه بالتالي حزباً إيرانياً (وربما سورياً الآن) خالصاً؟.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

سورية ومظلة «الحرس»

غسان شربل

ماذا أراد الجنرال محمد علي جعفري أن يقول لأهل المنطقة والدول الكبرى؟ هل أراد التأكيد أن مسألة الوجود الإيراني في سورية ولبنان هي مسألة حياة أو موت لبلاده؟ وأن إيران ستذهب في هذا النزاع إلى آخره حتى ولو تحول حرباً أهلية إقليمية؟ وأن الاحتفاظ بسورية في محور الممانعة يستحق مجازفات من نوع توسيع التوترات والتهديدات وربما المواجهات؟ وأن طهران لا موسكو هي الحامي الميداني للنظام السوري وعلى كل المتعاملين مع هذا الملف أن يدركوا «أن إسقاط النظام السوري خط أحمر»؟.

المواكبون للهجوم الإيراني في الإقليم يعتقدون أن لا قدرة للنظام الإيراني على احتمال خسارة سورية. لا المرشد يستطيع احتمال خسارة بهذا الحجم ولا «الحرس الثوري» يستطيع. وأن أكلاف الدفاع عن النظام السوري تبقى على فداحتها أقل بكثير من ثمن ضياع الحلقة السورية. خسارة سورية تعني أيضاً عودة «حزب الله» لاعباً محلياً مفتقراً إلى القدرة على إطلاق حرب أو صدها.

لافت أن يطل الجنرال جعفري القائد الأعلى لـ «الحرس الثوري» الإيراني ليعترف أن «عدداً من أعضاء قوة القدس موجودون في سورية لكن هذا لا يمثل وجوداً عسكرياً»، مشيراً إلى أن دورهم يقتصر على تقديم المساعدة الفكرية والمشورة وحتى المساعدة المالية. لكنه أوضح أن إيران ستقدم أيضاً الدعم العسكري إذا تعرضت سورية لهجوم عسكري. كذلك أكد جعفري وجود المستشارين في لبنان.

لم يكن وجود المستشارين الإيرانيين سراً، لا في سورية ولا في لبنان. لكنها المرة الأولى التي تؤكد فيها إيران رسمياً وعلناً مثل هذا الوجود في البلدين. والأكيد أن الإعلان ليس زلة لسان. إنه رسالة للمعارضة السورية ولداعميها على الصعيدين الإقليمي والدولي والمطالبين بـ «الانتقال السياسي».

وإذا كان لا بد من الالتفات إلى توقيت الإعلان الإيراني يمكن إيراد ملاحظات عدة. جاء الإعلان في وقت تنشغل فيه المنطقة بذيول الفيلم المسيء واستهداف السفارات الأميركية خصوصاً في بلدان «الربيع العربي». جاء أيضاً بعد اللوم الذي وجهته وكالة الطاقة الذرية إلى إيران بسبب عدم تعاونها. كما جاء غداة استقبال الرئيس بشار الأسد مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي الذي يعتقد أن الانتقال السياسي يعني بالضرورة تنحي الأسد وبغض النظر عن التوقيت. ويمكن القول أيضاً إنها جاءت عشية اللقاء المفترض للجنة الرباعية الإقليمية التي اقترحها الرئيس محمد مرسي. وإذا كانت مواقف مرسي التي تطالب برحيل الأسد سددت ضربة إلى الرباعية قبل انطلاقها فإن تصريحات الجنرال الإيراني أطلقت عليها رصاصة الرحمة.

لا يمكن فصل تصريحات جعفري عن تصريحات الجنرال يحيى رحيم صفوي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية للشؤون العسكرية. قال:»إن نفذ الكيان الصهيوني أي شيء ضدنا، فإن مجموعات المقاومة، خصوصاً حزب الله لبنان، سترد بكل سهولة على هذا الكيان باعتبارها تشكل عمق دفاعنا الاستراتيجي». وإذا كانت إيران تفرد مثل هذا الدور لترسانة «حزب الله» فكيف ستسمح بتغيير في سورية يقطع شريان الاتصال بهذه الترسانة التي يقول السيد حسن نصرالله إنها قادرة على إلحاق أفدح الأضرار بإسرائيل وعشرات آلاف الإسرائيليين.

إننا أمام مأزق دموي رهيب في سورية. النظام لم يعد في وارد التراجع بعد كل الذي فعل. والمعارضة ليست في وارد التراجع بعد كل ما قدمت. إيران ليست في وارد التراجع. والمطالبون بتنحي الأسد يصعب عليهم التراجع أيضاً. الإعلان الصريح عن تمتع النظام السوري بمظلة «الحرس الثوري» ومستشاريه سيجتذب إلى الساحة السورية مزيداً من المتطوعين والجهاديين، خصوصاً أن لهذه المظلة امتداداتها العراقية واللبنانية.

لم يفعل كوفي أنان أكثر من إضافة فصل إلى مذكراته. لا نتمنى لمهمة الإبراهيمي مصيراً مشابهاً لكن الرسائل توحي أن عذابات الشعب السوري ستتفاقم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى