خسائر الشعب السوري/ د. طيب تيزيني
أعلنت منابر إعلامية في الواحد والثلاثين من مايو المنصرم أن الخسارة التي حلَّت بسوريا على مدى ثلاث سنين، بلغت 144 ملياراً من الدولارات، وربما أكثر من ذلك بكثير، وهذا ما سيتضح بعد زمن ربما لن يكون قليلاً ومريحاً أبداً.
نعم، هذه الكوْمة من الأموال خسرها الشعب السوري! ومع استيعاب هذا الخبر المذهل والتأكد من صحته، يجد المرء نفسه أمام كارثة مالية تحل بشعب يكاد أن يكون قد تحول بسببها إلى متسوِّل. كيف ذلك، وإلى أين المآل؟ وما النتائج؟ من هذه النتائج أن الليرة السورية فقدت 80%، من قيمتها، ولكن الأمر لم يتوقف هنا، بل إن عملية التدمير والتفكيك لسوريا لا تزال قائمة على قدم وساق، طالما أن خط أو خطوط السلاح مفتوحة سالكة إلى سوريا، وهذا يعني أن هناك تسونامات وكوارث أخرى جدية تنتظر أدوارها.
بيد أن هنالك ملاحظة مأساوية خطيرة تتمثل في أن ما فقدته سوريا لا يتوقف عنده الحجر والمال، بل هنالك ما يتمثل بأطفالها ونسائها وشبابها، أي ما يتمثل بطاقاتها وقدراتها التاريخية، التي لا يمكن تعويضها إلا بعقود وعقود من السنين، وضمن ظروف وشروط مناسبة من الجغرافية السورية. وعلى الباحث أن يأخذ بعين الاعتبار ما صار ندوباً في المجتمع السوري مجسدة بالفئات العمرية الثلاث من الأطفال، تلك الممتدة من السنة الخامسة إلى السنة التاسعة أو العاشرة، والثانية الممتدة من العاشرة إلى الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وأخيراً الممتدة من هذه الأخيرة إلى السابعة أو الثانية عشرة. تلك فئات جيلية ثلاث تتحدد مصائرها لتحدد بالتالي مصائر المجتمع السوري ومستقبله معرفياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً وأيديولوجياً وطنياً وقومياً وإنسانياً قيمياً إلخ.. وإذا استمرت الأوضاع في سوريا على ما هي عليه، مع احتمال أن تتعاظم دماراً وحُطاماً، فإن نمطاً أو أنماطاً أخرى من الكوارث والزلازل قميئة بمحق ما يتبقى من سوريا.
والآن وبعد تلك الإشارات المتصلة بما خسره السوريون على امتداد ثلاث سنين ونصف السنة عبر تدمير بلدهم بأخطر أنواع السلاح المحرم دولياً، علينا أن نتصور كيف يعيش هؤلاء على صعيد العيش اليومي! لقد تحولت المدارس والحدائق والساحات وما تبقى من البيوت المدمرة، إضافة إلى البيوت التي غادرها أصحابها وتركوها عرضة لكل وسائل النهب والسرقة، خصوصاً لما خفَّ وغلى، مما أوجد صيغة من صيغ الأسواق في بعض المدن السورية، تمثل طرطوس، تعرض فيها المسروقات والمنهوبات من بيوت المواطنين في حمص ودمشق واللاذقية … إلخ.
ولنتصور أن النازحين السورين في لبنان وغيره، لم يعودوا يحصلون على مساعدات غذائية خصوصاً في حالة أولى، وأن موظفي الأمم المتحدة لا يسمح لهم بالوصول إلى أولئك ثانياً، فكيف يكون الحال؟ لقد توقفت المساعدات للنازحين السوريين إلى لبنان منذ شهر ونيف، كانت النتيجة أن أعداداً ضخمة من هؤلاء رجعوا إلى سوريا (غالباً مع غياب بيوتهم الأصلية بتدميرها بسبب أو حرقها أو احتلالها)، وأحدثوا مصاعب ومصائب ارتدت عليهم وعلى منْ استضافهم من السوريين، عدا الحل الأخير الذي لجأوا إليه، وهو المكوث في مدارس وحدائق وبيوت تضج بأعداد اللاجئين إليها.
إنها مأساة مشاركتي بعض زملائي السوريين والعرب والألمان القول بأنها فريدة في وحشيتها وخستها واكتنازها بكل عواطف الحقد والانحطاط والنزوع الطائفي.
الاتحاد