خصوصية الصراع في سورية !
جواد البشيتي
إنَّ أسوأ ما في الصراع الضاري في سورية بين الشعب الثائر ونظام حكم بشار الأسد، ولجهة عواقبه، هو أنْ ينتهي بما يُدْخِل بشار الأسد التاريخ بصفة كونه “آخر رئيس لسورية (الدولة والوطن والشعب)”; فسورية حَكَمَها بشار، ومن قبله والده، بما يَجْعَل مصيرها من مصير “العائلة”، مع حلفائها، فإذا بقيت “العائلة”، وبقي لها الحُكْم، بقيت سورية، وإذا ذَهَبت “العائلة”، ذهبت سورية (نفسها)!
أمْران لا ريب فيهما، على ما أزْعُم، أوَّلهما هو أنْ لا حلَّ يمكن أنْ يأتي من طريق “إصلاح سياسي”، يبقى فيه، وبه، نظام حكم بشار; وثانيهما هو أنَّ نظام الحُكْم هذا، وعن اضطِّرار، لا عن حرِّية في الاختيار، سيُقاتِل (ولو بمعنى “سيُقَتِّل”) حتى الرَّمَق الأخير، أكان هذا “الرَّمق الأخير” رَمَقَه هو، أم رَمَق سورية نفسها; فـ “الدويلة (على الساحل)” خَيْرٌ له من “الدولة”، إذا ما أتته رئاستها منقادةً، لا تَصْلُح إلاَّ له، ولا يَصْلُح إلاَّ لها.
لقد نما حُكْم العائلة نفسها إذ حلَّ “الجيش” محلَّ “الحزب (حزب البعث)”، وإذ حلَّ “ائتلاف ضيِّق (موثوق به تماماً) من قوى أمنية وعسكرية (منفصلة عن “الدولة” المنفصلة عن “المجتمع”)” محلَّ “الجيش”; والغاية الآن، وإذا ما تَعذَّر الاستمرار في حُكْم البلاد كلها، هي “الدويلة” التي فيها يمكن أنْ تتصالح “العائلة الحاكمة” نفسها مع “شعبها الجديد”; فإنَّ استمرارها في الحُكْم، أو استمرار حُكْمها، هو الغاية التي لا تعلوها غاية، وهو الغاية التي تُبرِّر الوسيلة!
ويُراد لهذه “الدويلة”، إذا ما غدت “الحل النهائي”، المتأتِّي من “حلِّ سورية نفسها”، أنْ يكون لها من “الأهمية الإستراتيجية (المستمَدَّة من جغرافيتها في المقام الأوَّل)” ما يشدِّد الحاجة لدى روسيا وإيران وقوى عراقية و”حزب الله” إلى ما يشبه “التحالف الأبدي” معها، وإلى جَعْل قوى هذا التحالف متَّصلة، متماسكة، جغرافياً.
كل الضغوط (الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية) العربية والدولية على نظام الحكم في سورية لن تُجْدي فتيلاً; لأنَّ الائتلاف الحاكم منفصِل عن حياة الشعب والمجتمع بما يسمح له بالعيش ولو لم يبقَ لدى الشعب والمجتمع شيئاً من مقوِّمات العيش; فإذا كانت سورية نفسها لا تستطيع العيش إنْ هي تعرَّضت لمزيدٍ من هذه الضغوط، فإنَّ نظام الحُكْم فيها يستطيع; لأنَّه أسَّس له “مجتمعاً (ضيِّقاً)” منفصلاً عن “المجتمع الأُم”، ويكفي نفسه بنفسه.
ولولا هذا “الانفصال” لرَأيْنا “المؤسَّسة العسكرية” في سورية تَحْسِم الأمر كما حسمته نظيرتها في مصر; ولرَأيْنا “الثورة (الشعبية)” في سورية تمضي قُدُماً في طريقها، وتَصِل إلى ضواحي “هدفها النهائي”، من غير أنْ تَضطَّر إلى (أو تُكْرَه على) الخروج عن مبدأ “سِلْمِيَّة، سِلْمِيَّة، سِلْمِيَّة”; ولقد جاءت تجربة الثورة في سورية لتقيم الدليل على أنَّ “سِلْمِيَّة الثورة” يجب أنْ تكون كالزَّواج لجهة احتياجه إلى موافقة الطَّرفين، لا كالحُبِّ من طرف واحد; فالشعب فُطِرَ على “السِّلْمِية” في حراكه وثورته; أمَّا المُغْتَصِب للسلطة اغتصاباً مِمَّن له الحقَّ في حيازتها، ألا وهو الشعب، فيؤمِن إيماناً لا يتزعزع بـ “الحراب”، يتوصَّل بها إلى كل ما يريد، فهو بها جاء إلى الحُكْم، واستمر فيه، وبها يَذْهَب; وليس في هذا إلاَّ انتصارٌ لـ “منطق الأمور”!
القوى العسكرية والأمنية لنظام حكم بشار، والتي يثق بها، لا تكفي لحسم الصراع لمصلحته من طريق اقتحام المدن والأحياء والسيطرة، وإحكام السيطرة، عليها; وهذا ما يجعله مُفضِّلاً لخيار الضَّرب (بالقذائف والصواريخ) عن بُعْد; ولقد علَّمته التجربة أنَّ الزَّج بقوى عسكرية، مشكوك في ولائها الأعمى له، في معارك في أماكن بعيدة عن “المركز”، أو لا يُحْكِم قبضته الأمنية عليها، قد يوسِّع ويُسرِّع الانشقاق عن الجيش النظامي، والذي هو (أيْ الانشقاق) الآن مَصْدَر التهديد الداخلي الأكبر لنظام حكم بشار.
ومع ذلك، لا بدَّ للثورة السورية من اليقظة والحَذَر; فشتَّان ما بين صراعٍ يوظَّف فيه “الخارج” في خدمة “الداخل”، وصراعٍ يوظَّف فيه “الداخل” في خدمة “الخارج”; فإنَّ مبدأ “عدو عدوي صديقي” هو أوَّل مبدأ ينبغي للثورة السورية أنْ تكفي نفسها شرَّ التزامه والأخذ به; فنظام حكم بشار أعداؤه كُثْر، وإنَّ كان أوَّلهم وأهمهم الشعب السوري نفسه!.
العرب اليوم