خطاب الأسد : غياب الكلمة الفاصلة
محمود زعرور
لقد تمكنت الثورة السورية في إحداث آثار وتحولات جذرية لدى السوريين، تكثفت في تعاظم إرادتهم لتغيير واقعهم، بفعل التضحيات التي قدمها رجال ونساء سوريا من شهداء وجرحى ومعتقلين ومهجرين، لكن ، وأمام انسداد الآفاق باتجاه حلول مختلفة من طرف النظام السوري، أصبحت البلاد في أمس الحاجة لنقلة نوعية، تكون بمثابة ختام مرحلة سياسية ، بما تتسم به من نهج قمعي واستبدادي، وبداية مرحلة أخرى مغايرة، وجديدة، تتصف بالحرية والانعتاق، وتكون إيذاناً بالبدء ببناء الدولة الديمقراطية، التعددية، المدنية، حيث تكون سوريا دولة لكل مواطنيها، دولة مدنية حديثة قائمة على العدالة والمساواة والمشاركة.
في هذه الأيام الحاسمة، التي تكثفت كلحظة فاصلة، جاء خطاب بشار الأسد، وهو الخطاب الثالث له منذ اندلاع أولى شرارات الانتفاضة الشاملة ، ليس كقول جديد يكون له ما بعده، وهذا ما لم يكن يتوقعه أحد ، بالطبع، ولكن أتى كبيان زخرفي ، لا معنى حقيقي فيه، إلا بمعنى الإحالة السلبية، إي غياب ما كان يجب حضوره في الخطاب، أعني غياب الكلمة الفاصلة في اللحظة الفاصلة، وهي هنا لا تتمثل إلا بأمر واحد وهو الرحيل، ولا شيء آخر يرضي السوريين غير ذلك.
إنه الرحيل التام للنظام، برموزه، ونهجه، وسماته، ومعانيه كلها، نظام قام منذ عقود على إفساد حياة السوريين، وتشويه صورتهم، وإقصائهم عن الحياة العامة بسبل شتى، كي يتسنى له قمعهم، ونهبهم ، وإذلالهم، والتفرد بالحكم بشكل إحادي، فردي متسلط، لا يشبه أنظمة أخرى إلا تلك التي بادت وزالت، أو ما بقي منها كشاهد على التسلط والديكتاتورية.
لم يسمع السوريون جديداً من الأسد، بل مجرد إعادة منسوخة، جوفاء، لمجموعة من الترهات والأضاليل التي عافتها نفوسهم قبل آذانهم ، والتي تمحورت حول
( المؤامرة )، و ( المخربين )، وكذلك الرغبة بشراء الوقت من خلال الكلام عن ( الحوار ) ، أو ( وعود الإصلاح )، كثمن بخس يقدم لهم بهدف إسكاتهم.
كيف يستقيم إذاً إطلاق صفة المتآمرين والمخربين على المتظاهرين مع الدعوة إلى الحوار معهم، بل ومتى سيصفو الحيز للنظام من أجل الحوار والإصلاح؟ هل سيدنو بعد ألف شهيد جديد ونزوح آلاف أخرى من اللاجئين مثلاً؟!
لقد قدم النظام السوري أمثلة متتالية لنهج قديم / جديد ، يتحدد بالقمع الشامل، والممنهج، لكن المرتكز إلى التضليل، عبر الحديث عن عمليات تبرر على نحو زائف ممارساته المعهودة ، وهي تضيف ، كل يوم ، البراهين والأدلة المكينة على تمسك النظام بأدوات ووسائل حكمه السائدة من جهة، وأيضاً ، على عجزه عن السير باتجاه التغيير المنشود من جهة أخرى.
لم يطل الوقت عند ثوار الداخل في الرد على خطاب الأسد، إذ سرعان ما خرجت المظاهرات التي عمت مختلف المدن والقرى السورية، وهي تعبر عن رفضها له، وتعيد التأكيد، من جديد، على الهدف الرئيسي للثورة ، المتمثل بشعار إسقاط النظام.
وكان لبيان ( لجان التنسيق المحلية في سوريا ) الأثر الواضح في بلورة هذا الرفض الشعبي ، وكذلك في الإصرار على متابعة الثورة حتى بلوغ أهدافها.
لقد أشار البيان إلى أن الخطاب ( لم يقترب حتى من كونه خطاب أزمة وطنية تعيشها البلاد ).
كما حدد أسباب ذلك بكون الخطاب ( أصر على التعامي عن حقائق أصبحت جلية لمن يريد أن يرى . أهمها رغبة السوريين وإرادتهم من أجل الانتقال ببلدهم إلى نظام ديمقراطي حر تعددي.).
وفي رفض بيان اللجان لأي حوار مع النظام ( في ظل استمرار عمليات القتل والترويع وحصار المدن والاعتقالات التعسفية ) إشارة واضحة إلى الهدف الوحيد والمقبول شعبياً، وهو ( طي صفحة النظام الحالي بصورة سلمية ، والتحول نحو سورية جديدة ، دولة ديمقراطية حرة ولمواطنيها كافة ).
إنما تمر به البلاد هي بحق، لحظة فاصلة، في تاريخها، وهي للإنصاف العبارة الصحيحة الوحيدة التي نطق بها الأسد، لكنه لم يؤكدها بالكلمة الوحيدة ، الأخرى المناسبة، أقصد الرحيل، رحيل هذا النظام الذي يجاهد في تأخير سقوطه.