صفحات العالم

خطاب السيد ومفارقته/ ساطع نور الدين

 

 

الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خطيب مفوه بلا شك، لكنه خطيب مموّه أيضا، بدليل خطابه الاخير عصر يوم الجمعة في الذكرى التاسعة لحرب تموز العام 2006، الذي إحتوى على قدر من المفارقات، لا يمكن ان ينسب فقط الى اختلاط النوايا، ولا يمكن ان يقرأ حسب اختلاف المسافات او المواقف المسبقة.

لم يكن ما ورد في الخطاب عن “الدولة” التي وضعها السيد حسن فوق كل اعتبار، غريباً. ففي لحظات الضعف او الحرج كانت الدولة هي الملاذ الاخير لجميع زعماء الطوائف التي عصت او تمردت على ذلك المشروع يوما ثم عادت للتسليم به. وهو ما باح به السيد عندما استخدم وللمرة الاولى ربما، عبارة “الطائفة القائدة “، التي كان يقصد بها تحذير السنة من ادعاء قيادة الدولة، لكنه كان ينفي عن الشيعة القيام بمثل هذا الدور، الذي كان ولا يزال ينسب إليهم وحدهم منذ ان اصبحوا طائفة مجهزة بجيش فعلي رديف.

الدولة هي الضامنة حسب تعبير السيد الذي يحتاج الى برهان يومي أكيد، اكثر من البراهين التي تدعى بقية الطوائف والمذاهب الى تقديمها، خصوصا وان الشيعة ما زالوا هم العصاة، وما زال خطابهم الداخلي متمردا الى حد مناداة الحزب بين الحين والاخر للاستفراد بالحكم والاقتصاص من الاخرين المتهمين بالخيانة او التكفير او الفساد، واقامة سلطة العدل وحكومة المقاومة وحكم الممانعة على النمط السوري او حتى الايراني.

في الخوف والغبن الذي يشعر به جميع اللبنانيين من دون استثناء، حسب السيد، كان المسيحيون هم المعنيين أولا. وهو كلام حق لان ما يرونه من صور مرسلة من داعش، لا يفسح المجال لأي نقاش هادىء في ان هذا التنظيم الوحشي لا يخاطبهم وحدهم ولا يهددهم دون سواهم.. ولا يتطلب منهم الهجرة، ولا يستدعي اللجوء الى رئيس قوي يدق أجراس الكنائس، التي يمكن ان تنتظر قليلا حتى ينتهي المسلمون السنة أولا ومعهم العالم بأسره من القضاء على هذه المخلوق الخطر.

يعلن السيد تعاطفه وتحالفه مع اولئك المسيحيين المساكين، الخائفين المغبونين، لكنه يعود في موضع آخر من الخطاب ليتهم اميركا واسرائيل بالسعي الى اقامة حلف الاقليات والذود عنها، والشروع في مخطط التقسيم الذي يُكتب ويُرسم عنه الكثير في اميركا واوروبا من باب الانذار..لانه لو صح وجود مثل هذا “المخطط” لما تردد الاميركيون والغربيون في انتهاز الفرصة الذهبية السانحة الان لتنفيذه، ولما وجدوا قوة وطنية سورية او عراقية او لبنانية قادرة على الوقوف في وجههم.. ولما اخطأوا في تفسير نداء الرئيس بشار الاسد الاخير عندما جاهر في عزمه على الانكفاء الى المناطق التي يستطيع جيشه الدفاع عنها، وهي مناطق باتت مرسومة ومحددة ولم يبق منها سوى بعض التفاصيل.

لكن السيد ، وفي موضع آخر من الخطاب، يدع مجالا للشك في ذلك الحلف، عندما ينادي المسيحيين بالتسامي على الخوف والغبن والتسليم بضرورة العودة الملحة الى مجلس النواب الذي أقفلته خلافاتهم وصراعاتهم، مقابل الحصول على إعتراف بان جنرالهم ميشال عون هو “الممر الالزامي لانتخابات الرئاسة”.. مع العلم ان موفدين من جميع القوى اللبنانية والعربية والعالمية سلكوا هذا الممر مراراً وتكراراً ولم يفلحوا في إقناع الجنرال بانه ليس لائقاً لا في السياسة ولا في السن، للمنصب الرئاسي، ولم يوفقوا في إنتزاع إسم مرشح بديل منه.

غير ان الشك الاهم الذي يثيره الخطاب هو في ذلك الفصل الموجه الى العدو الاسرائيلي والذي يبدو انه لا يقيم وزناً لخطورة المرحلة المقبلة، حيث يمكن ان تتراجع معركة الاسرائيليين ضد الاتفاق النووي الايراني من حدود الكونغرس الاميركي الذي يخترقونه الان، الى حدود لبنان وصواريخ حزب الله التي قد تصبح حجتهم الرئيسية ضد ذلك الاتفاق وذريعتهم الوحيدة للانقضاض على موقعيه الايرانيين والاميركيين على حد سواء

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى