خطة الاسد المقبلة/ ميشيل كيلو
يركز النظام هجومه على حلب وضواحيها ، حيث يشن هجمات منسقة وواسعة بمختلف الاسلحة الفتاكة ، تتسم بقدر كبير من التصميم والرغبة في الحسم . في الوقت نفسه، يعمل النظام منذ بعض الوقت لعقد هدنة مع مقاتلي حمص ، ظاهرها التهدئة ووقف القتل وباطنها تحييد المدينة تمهيدا لاختراقها ولاستخدام قسم من قواته التي تحاصرها في مناطق اخرى ليس لديه فيها اعداد كافية من الجنود والضباط ، بينها منطقة القلمون، التي تتعرض لهجوم كبير منذ اسابيع ، تكبد خلاله خسائر فادحة في الرجال والعتاد ، دون ان يتمكن من احراز أي تقدم جدي على اية جبهة من جبهاتها الثلاث ، رغم مشاركة حزب الله الكثيفة في المعارك .
ليست حلب نهاية مطاف هجوم الجيش الاسدي ومن يسانده من مرتزقة عراقيين ولبنانيين في القتال لاستعادة شمال سورية. وقد خطط النظام لاستعادة عاصمة الشمال واريافها ، لاسباب خاصة بموقع تركيا من الصراع الجاري في بلادنا، واخرى مرتبطة بمنع حكومة المعارضة من استغلال ثروات الجزيرة ، وخاصة النفطية منها ، التي ستصدر عبر الاراضي التركية، وستعود على الحكومة وسكان المناطق المحررة ومخيمات اللاجئين بموارد مالية ضخمة ستوضع في خدمة الشعب والثورة داخل سورية وخارجها، وستجعل بالامكان انتهاج سياسات وطنية تتسم بالاستقلالية ، من شأنها ان تتيح للمواطنين انماطا من العيش والتنظيم في المناطق المحررة تجعلهم قادرين على الصمود وممارسة جاذبية حقيقية على اخوتهم في المناطق الخاضعة للنظام، واوكل الى ” داعش” وقوى كردية محلية مهمة احتلال شريط من الارض مواز للحدود مع تركيا، يغلق الاستيلاء عليه الحدود معها ويحقق جملة اهداف استراتيجية يلعب بلوغها دورا حاسما في تقرير نتائج المعركة التي يخوضها جيش الاسد ضد الشعب في عموم سورية ، اهمها اخراج دولة مهمة كتركيا من الصراع ، وقطع طرق امداد المقاومة المسلحة وعزلها عن العالم الخارجي ، وتسديد ضربة سياسية قاسية لحكومة اردوغان سيفيد خصومه منها في تصعيد تمردهم الداخلي ضدها، وفي اضعافها وربما الاطاحة بها ، مع ما تعنيه هذه النتائج من دلالات محلية واقليمية مفصلية بالنسبة لمحور دمشق وطهران وروسيا ، وتمثله من تحول لصالحه يبدل معطيات الصراع الضاري الذي يخوضه ضد شعب سورية وثورته .
شهدت الأيام القليلة الماضية محاولات حثيثة للشروع في تنفيذ الجزء الثاني من خطة النظام، الخاص باغلاق الحدود مع تركيا بايدي حلفاء زودهم باعتدة وذخائر واموال تمكنهم من تحقيق الهدف المشترك ، الذي سيتيح للفصيل الكردي سيطرة على مناطق واسعة من الجزيرة ، يسميها اتباعه منذ اعوام ارض “شعب غرب كردستان ” ، حيث اقام مؤخرا حكما ذاتيا موسعا بجيش وبرلمان ودستور ، فإن هو استولى عليها ووطد اقدامه فيها تواصل مع كتل كردية كبيرة جدا داخل تركيا . ومع أن هذا ليس بالامر السهل التحقيق ، لما سيترتب عليه من نتائج على وحدة وسلامة الدولتين التركية والسورية، فإن احتلال المناطق الحدودية مع تركيا يقدم له فرصة العمل لترجمة اوهامه الى وقائع ، لن يترتب عليها ،اليوم وفي المستقبل، غير صراعات يرجح ان تكون دموية بين العرب والكرد وازمات اقليمية ودولية معقدة . مهما يكن من امر ، وسواء تمكن حلفاء النظام الاسدي في داعش والفصيل الكردي من تنفيذ الخطة المسندة اليهم ام لم يتمكنوا ، فإن هناك علامات تؤكد جدية ما يقال حولها بينها هجمات تمهيدية الطابع شنتها طائرات النظام وقواته ضد المناطق والمعابر الحدودية ، بعد أشهر من هدوء شبه نسبي عرفته ، وتوضع “داعش ” في مناطق واسعة قرب حدود تركيا بمعاونة طيران النظام ودباباته ومدفعيته.
لن اناقش ما إذا كانت تركيا ستسمح باغلاق حدودها مع جارتها الجنوبية وبقطع طرق امداد الثورة ، فهذه مسألة لها موقع آخر من النقاش والتأمل. اريد فقط لفت الانظار إلى امور مهمة هي : اولا : إصرار النظام على اكمال الحل العسكري / الامني في جميع مناطق سورية ، لاعتقاده أن باستطاعته استعادة الوضع الذي كان قائما قبل الثورة بفضل الدعم الإيراني / الروسي المفتوح الذي يتلقاه . ثانيا : ما يحمله الصراع في سورية وعليها من مخاطر بالنسبة إلى العرب والدول الإقليمية . ثالثا : ضرورة ان تبادر المقاومة المسلحة والمعارضة، لاول مرة في تاريخ الثورة ، إلى اتخاذ تدابير وخطى استباقية تحبط مخططات السلطة الاسدية : في حلب وعلى الحدود التركية وكل مكان يحتمل أن يشهد عمليات تصعيدية من تلك التي يشنها النظام .
لا مفر من قطع الطريق على خطة الاسد ، التي بدأت تدخل حيز التنفيذ، لاحباط خيارات مضادة يقال إنها على وشك التنفيذ بدورها ، يريد النظام إحباطها عبر خلق وقائع جديدة نوعية الدلالات والنتائج ، يعني تحقيقها إطالة زمن قتل وتعذيب وتجويع شعب سورية ، الذي لا جريمة له غير المطالبة بحريته ، ويريد نظامه رده إلى بيت طاعته مهما كان الثمن !.
\\ كاتب سوري \\
المدن