خلاف تكتيكي كاذب
ساطع نور الدين
كذب الرئيس الاميركي باراك اوباما عندما تحدث عن خلاف تكتيكي مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول الأزمة السورية. أراد أن يقول إنهما اختلفا على سبل التغيير في سوريا اكثر مما اختلفا على مبدأ التغيير. لكن افتراق لغتهما حول دعوة الرئيس السوري بشار الاسد الى التنحي لا يثير الشك في أنهما على طرفي نقيض، او على خط تماس.
لم تكن المجاهرة بالخلاف في المؤتمر الصحافي مفاجئة، لكنها كانت غريبة بعض الشيء. استخدم الرئيس الاميركي المبادرة العربية كوسيلة للضغط على الاسد من أجل التنحي، من دون ان يوجّه على لسانه شخصيا دعوة صريحة الى الرئيس السوري للتخلي عن السلطة على غرار ما فعل مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فرد المالكي بما التزم به العرب حتى الان، أي عدم ادعاء الحق بمطالبة رئيس عربي بالتنحي.
بمعنى آخر فإن الخلاف لم يكن ظاهرا أصلا، فلا الرئيس الاميركي دعا الاسد الى التنحي ولا رئيس الوزراء العراقي ادعى هذا الحق. والاهم من ذلك أنه يمكن الزعم بحصول تفاهم ضمني على ما بات يعرف بالوساطة العراقية بين النظام السوري وبين معارضيه الذين تلقوا من واشنطن بالذات دعوة الى زيارة بغداد وقبلوها. وهو ما يفسح المجال للتكهن بأن المبادرة العربية علقت او ربما انتهت، لمصلحة جهد عراقي جديد للتوسط، يحظى بمباركة أو على الاقل بتشجيع اميركي.
الاستنتاج الأولي من هذا التفاهم أو حتى التواطؤ هو أن البلدين يبحثان عن مخرج سلمي وآمن للأزمة السورية. مصير نظام الاسد ليس بيدهما، وإن كانا يراهنان على ان يجد الرئيس السوري بنفسه مثل هذا المخرج… وإلا فإن النقاش حول العملية الانتقالية يمكن ان يبدأ بشكل جدي في واشنطن وبغداد، ويعتمد على المبادرة العربية التي تضمر هذا الاحتمال من دون ان تعلنه صراحة.
لكن ما يستدعي التوقف عنده ليس تقاطع المواقف الاميركية العراقية من الأزمة السورية، فهذا امر طبيعي بين بلدين يبنيان تحالفا مستقبليا بعيد المدى، بل الافتراض أن تلك الأزمة يمكن أن تمتد الى العراق وتسيئ الى مصالحه واستقراره وأمنه. وهو ما يعني التخوف العراقي من تجدد الفتنة المذهبية على أساس مثير للشك هو أن شيعة العراق هم مع النظام السوري وسنته هم مع معارضيه… مع أن الوقائع والدلائل العراقية، المبنية على الجغرافيا العراقية، تشير الى اجتهادات متفاوتة لدى الكتلتين المذهبيتين اللتين يمكن أن تعودا الى القتال في أي لحظة تحت أي ذريعة إلا الذريعة السورية… لأن العامل الايراني لن يكون حاسما في هذا السياق، ولن يكون الهلال الشيعي الذي يمتد من طهران الى الضاحية الجنوبية مرورا بسوريا هو المؤثر في الخيارات المزدوجة، برغم أن غالبية الشيعة العرب والايرانيين يخوضون الان معركة تكاد تكون انتحارية دفاعا عن النظام السوري.
الافتراض أن سقوط النظام السوري يؤدي بالضرورة الى خسارة الشيعة للحكم في العراق يحتاج الى الكثير من التدقيق. ولعل أوباما والمالكي اجابا ضمنا عن هذا السؤال… واحتفظا بخلافهما التكتيكي غير المفهوم وغير المبرر.
السفير