صفحات الثقافة

خليل النعيمي: لنا خبرة كبيرة في سوريا مع الاستبداد ومقاومته

«لو وضعتم الشمس بين يدي» نشيد لإصرار الشعب وصبره
باريس: محمد المزديوي
لم ينتظر الكاتب والروائي والجراح السوري خليل النعيمي الربيع العربي ووصوله إلى أرض الشام حتى يشمر عن كتابته وانتقاداته. فهذا الكاتب المنفي، بطريقة أو بأخرى، في أرض الشتات، حيث يقيم في باريس منذ أكثر من ثلاثين سنة، جاب بلاد الله الواسعة من الصين إلى الهند إلى الأرجنتين إلى موريتانيا إلى اليمن، اكتشف الهوان الذي يعيشه الكائن العربي في كل الأصقاع، واكتشف الحاجة إلى الديمقراطية وإلى الكرامة الإنسانية والمواطنة الكاملة.
سألنا الكاتب عن سبب اندفاعته كطفل بريء وراء الثورة في سوريا، وهو المبدع الذي يعرف أن الكتابة لا يجب أن تكون استعجالية، فالأمثلة كثيرة عن بؤس مثل هذا الأدب، ولعل «أدب الحرب» في العراق، الذي كتب ونشر بإيعاز من الراحل صدام حسين، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كان بائسا ومتحذلقا وركيكا، فكان جوابه لاذعا: «أنت تعرف أنني لم أنتظر أحدا حتى أبدأ في انتقاد النظام وميكانيزمات الحكم، وقد كانت إرهاصات الثورة موجودة، ترى أحيانا بالعين المجردة. كما أن لسوريا ومثقفيها تاريخا طويلا في اكتشاف الاستبداد ومحاربته، ألم يكتب السوري عبد الرحمن الكواكبي كتابه الشهير: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد».
وبالفعل تتميز كل كتابات النعيمي الروائية بإدانة الاستبداد وبالاحتفال بالحياة. كتب رواية «الشيء»، وكأنما كان يقول لنا بأن الإنسان العربي شيء وليس كيانا عاقلا وحرا. لعله كان ينقل لنا عصارة الفكر الغربي الجديد وهو يدين تشييء الإنسان من أجل سلب كرامته. كما كتب «تفريغ الكائن»، منذ فترة، ليصف ما يتعرض له الكائن العربي من سلب لشخصه وإنسانيته، ومن تفريغ له. وهو ما جعله يكتب مقالا، قبل أشهر، عن «تفريغ الرئيس». «ألا ترى معي أن النظام السوري نجح في تفريغ البلد من معظم طاقاته؟! ألا تعج المستشفيات الفرنسية بأطباء سوريين (والنعيمي طبيب جراح)، لو أنهم كانوا كراما في بلدهم لما هاجروا إلى فرنسا، ولما اشتغلوا فيها، وهي التي لم تنفق في تكوينهم وتدريسهم شيئا؟!».
أدى خليل النعيمي الخدمة العسكرية، ولم يكملها ومنحنا عن هذه التجربة عملا روائيا جميلا، وهو «مديح الهرب». والقارئ المتمعن يكتشف أن العنوان رؤيوي، فكأنما المؤلف استبق الأمور واكتشفها بقلبه، وكأنما كان ينصح رفاقه الجنود بالهرب من جيش لم يؤسس لتحرير الجولان المغتصبة وإنما لقمع الشعب وترويضه. «ربما من يقرأ العنوان، بصفة سطحية، يحس بنوع من الحرج، ولكن الظروف الحالية، التي تشتد فيها ماكينة القمع، كشفت أن أفضل طريقة لانهيار النظام القمعي هي هروب الجنود من بين صفوف الجيش الذي يعتبر عمود النظام الفقري».
لمحاربة الاستبداد ساحات عديدة، لأن الاستبداد يتمظهر في ساحات عديدة، ولهذا فالكاتب خليل النعيمي، دارس الفلسفة في جامعة السوربون، الذي يعرف جيدا، ملخص نظرية الالتزام بشقيها السارتري والماركسي، لم ينتظر، حتى يجتمع الشعب لمحاربة هذا الطغيان، فقد كتب رواية «دمشق 67»، لتوصيف الأسباب التي أدت إلى الهزيمة الكبرى وإلى غياب الدور المنوط بالجيش.
الكثيرون من الذين قرأوا أعمال خليل النعيمي ومن الذين حاوروه ألحوا على معرفة سبب عدم كتابته عن باريس وهو الذي يقيم فيها منذ فترة طويلة، بدأوا يدركون أن الكتابة فعل صعب وأنها لا تأتي حسب الطلب. وأنها، أي الكتابة، إنما هي اختمار وتجربة وقراءة، بالمعنى المتعدد لكلمة القراءة.
ولكأن الكاتب خليل النعيمي يزداد شراسة مع اشتداد شراسة القمع في بلده. وها هي روايته الجديدة «لو وضعتم الشمس بين يدي»، وهي رواية كتبت قبل بداية الثورة السورية، تأتي في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، كاشفة عن رؤيوية المؤلف وإنصاته العميق لصرخات وحركات شعبه. لكأن عنوان الرواية الرؤيوي يتحول إلى نشيد لإصرار الشعب على المقاومة والصبر والجلد، حتى النهاية.
يحتفل خليل النعيمي، ببراءة، بانتصارات الثورات العربية، ويعتبرها محطات ضرورية قبل انتصار الثورة السورية. «صدقني، لقد بكيت، بحق، في ميدان التحرير بالقاهرة. كنت هناك مؤخرا. الثورة المصرية هي ثورتي وثورة كل العرب. ولكن الفرحة لن تكتمل إلا حين سأكون في ساحة الأمويين الدمشقية!».
لا يخفي الكاتب علمه بالمآسي والفظائع التي تطال أبناء شعبه، من تقتيل وترحيل وتهجير، وهي ضريبة الثورة، ولكنه، لا يظهر أدنى يأس من انتصار الثورة، ويترنم: «اشتدي أزمة تنفرجي…. قد آذن صبحك بالبلج!».
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى