خواطر سورية
أحمد بسمار
شـاركت هذا المساء في مدينة أوروبية كبيرة, فيها أكثر من مئتي ألف طالب من جنسيات مختلفة, بما فيهم طلاب سوريون من مختلف الاختصاصات. شاركت بإشعال شمعة عن أرواح مئات السوريين من مختلف الأطراف الذين سقطوا أمواتا, بأشكال مختلفة, أثناء الأسبوعين الأخيرين في عديد من المدن السورية.
لاقيت حوالي عشرين فتاة وشاب سوريين, موفدين أو غير موفدين, يرافقهم تقريبا خمسون أو ستون شخصا من جنسيات مختلفة, يحملون علما سوريا متوسط الحجم ويافطة مكتوبة بلغة البلد تقول: لا للعنف..لا للطغيان.. لا للقتل. بالإضافة إلى يافطتين صغيرتين باللغة العربية . لا للعنف.. لا للطائفية!!!…
كنت قد نصحت السوريين الموفدين منهم, ألا يشاركوا مباشرة بهذا التجمع, رغم سلميته وأهدافه الإنسانية, خشية أن يفقدوا منحة إيفادهم أوتوماتيكيا..ومضايقات لعائلاتهم.. وهذا ما سوف يتحقق.. نظرا لأن أشخاصا غرباء, شرقيو المظهر, مخابراتيو النظارات واللباس كانوا يصورون على بعد أمتار من التجمع.
وبحكم وجودي في هذا البلد الأوروبي من أوائل الستينات, أعرف عن خبرة وثائقية سمعة موظفي السفارات والقنصليات السورية في الخارج. حيث أن مهماتهم الرئيسية تتجاوز ـ مهنيا ـ على ما هو مذكور باختصاصاتهم. حيث أنهم برعوا في كتابة التقارير و شـراء الويسكي والسجائر والألبسة ذات الماركات اللوكس المعروفة, بدون رسوم جمركية, أكثر من خدمة ومساعدة المواطن السوري في خارج الوطن.
نعود إلى التجمع والشموع, والذي يتزايد وافدوه عما أبديت سابقا, زرافات زرافات. كانت هناك حوالي مئة شمعة أشعلت في كؤؤس صغيرة زجاجية, وكل شمعة تحمل اسما مكتوبا باللغتين الأوروبية والعربية. أسماء مختلف من سقطوا قتلى .. بالإضافة أن التجمع استمر سلميا وديا هادئا صامتا أكثر من ثلاثة ساعات.. حلقات حلقات تتبادل الآراء بلغات مختلفة, عن سوريا وكافة البلاد العربية التي تملأ عناوين الصحف العالمية.. ما عدا في المدن السورية المختلفة.. حيث لا يعرف المواطن العادي المحاصر في بيته ما يجري, سوى من الإعلام السوري.. وأن كل شيء تمام تمام.. وأن الملايين تفدي بالروح وبالدم (وخاصة بالدم) رئيسها الأبدي.
هنا في الغرب.. يعرف الطلاب الأوروبيون أسماء القتلى أو الشهداء السوريين (سمهم ما شئت) ومطالبهم الإنسانية السلمية.. أما في سوريا كل شيء تمام.. وبعض الجرحى من رجال الأمن والمخابرات الأشاوس (فقط).. وعشرات من المشايخ كل ربع ساعة على شاشات التلفزيون السورية الذين ينادون أن المطالبة بالحرية ـ حسب الشريعة الإسلامية ـ فـتـنـة.. وأن الفتنة حرام.. ويصمت المؤمنون!!!…
أظن يا سيداتي سادتي القراء أينما كنتم بأن التعتيم والصمت والخوف من الحقيقة الحقيقية لا يمكن أن يدوم.. فمن هنا.. من هذه الجامعات في الغرب, حيث يوجد عشرات آلاف الطلاب السوريين.. ومن هذه المدن الغربية, ورغم الإعلام السوري الذي يحاول أن يضللنا أن الملايين من المغتربين السوريين, بمختلف معتقداتهم وأفكارهم وتحليلاتهم, يتظاهرون, حتى في الولايات المتحدة, مع السلطة في سوريا..
إن كانوا يتظاهرون مع السلطة في سوريا…إذن لماذا غــادروهــا؟؟؟!!!
من يستطيع إجابتي على هذا السؤال من أبواق الإعلام السوري.. هؤلاء الجذوع اليابسة الذين لا يصدقون أنفسهم بما يطبلون ويزمرون وينفخوننا أطنانا من الكذب كل يوم.. مثل شيوخهم وأسيادهم وأسياد أسيادهم…
الحقيقة لا يمكن أن تموت أبدا.. والعالم كله يعرف أن هذا البلد الذي اسمه سوريا, والذي صارع العرب والمغول والعثمانيين والعديد من الغزاة, والذي يصارع بصمت خانق حتى اليوم, لا يمكن أن يموت. لأن العالم كله يتطلع إليه. لا بفكرة مؤامرة كما يـسـطـلـنـا بواقو إعلامه ألف مرة في اليوم. ولكن احتراما لشعبه وتاريخ شعبه وحضارته التي سافرت ونشرت الأبجدية في العالم كله قبل المسيح وقبل محمد.. لأنه شعب صامد ذو عـزة أبية وكرامة.
زمن الخوف انتهى..لأن ظالموكم هم من يخافون ـ اليوم ـ من شبابكم.. من انتفاضتكم.. من حيويتكم وإيمانكم بالعدالة والحرية.. وهتافاتكم لا طـائفية ولا عـنـف ولا فساد أقوى من رشاشاتهم وغازاتهم المسيلة للدموع.. وخاصة أقوى من كهوف مخابراتهم.. أنتم اليوم الحقيقة الحقيقية.. ومعكم ومنكم سوريا لن تموت…
اليوم عندما أضأت أو أشعلت شمعة في هذا البلد البعيد عن بلدي, مع الشباب السوريين, شعرت أنني ولدت من جديد.. أنني اختصرت الزمن, ولم تمض كل هذي السنين. أحسست أن سوريتي التي فقدتها مكرها مجبرا عادت..عادت وولدت من جديد.. وولدت أنا من جديد…………..
ولتحيا الحياة…ولتحيا الحرية في كل مكان…
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الثائرة