بيسان الشيخصفحات سورية

خوف المسيحيين

 

بيسان الشيخ *

لا تقف خطورة كلام النائب نائلة تويني (من فريق 14 آذار) وزميلها جبران باسيل (من فريق 8 آذار) ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان عند مجرد كونه كلاماً عنصرياً ينضح كراهية وجهلاً.

الخطورة الفعلية هي أن كلاماً من هذا النوع له جمهوره وهو خير تمثيل لمزاج مسيحي يتخطى الخصومة السياسية بين تياري تويني وباسيل ليشمل قاعدتهما الشعبية والانتخابية. ذاك ان المسيحيين اللبنانيين بمختلف مذاهبهم، ومن اي فريق سياسي كانوا، وحتى العلمانيين واليساريين بينهم (أو من يدعون ذلك)، يجمعهم قاسم مشترك هو الخوف «الأقلوي» من الآخر «الأكثري» وإن كان حليفاً سياسياً. وهم إذ لم يستكينوا إلا بالعودة الى دفء رحم الطائفة والإمعان في الانعزال فيه، اقترحوا أخيراً قانوناً انتخابياً تصوت فيه كل طائفة لممثليها فقط!

والواقع ان الخوف المسيحي لا يقتصر على اللبنانيين فقط. فمن مصر الى سورية وقبلهما العراق. إنهم، ببساطة، وشأنهم شأن أي أقلية… خائفون. وكيف اذا ترافق الهاجس الديموغرافي مع الحرمان التام من المكتسبات السياسية والدينية والاجتماعية؟ فالأقباط في مصر مثلاً احتفلوا بعيد الميلاد وسط اجراءات أمنية مشددة ومخاوف من استهداف كنائسهم، فيما يهدد الدستور الإخواني بابتلاعهم كلياً. وفي سورية يتلطى البعض منهم خلف النظام الاقلوي أيضاً، فيما يهمس البعض الآخر المؤيد للثورة بكابوس استئثار الاسلاميين بالسلطة بعد السقوط. وفي عراق ما بعد صدام، شهد المسيحيون «فرهوداً» كاد يفرغ البلاد منهم تماماً. تلك كلها مسببات موجبة للخوف والذعر من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن المسيحيين لم يتضرروا من الأنظمة السابقة وأن مواطنتهم فيها مكتملة تماماً.

أما في لبنان، فوضعهم مختلف جذرياً من دون أن يخفف ذلك من ذعرهم. فهم في السياسة أولاً شركاء مناصفة بما يفوق واقعهم الديموغرافي، وكذلك حصتهم محفوظة في الاقتصاد والاستثمارات والتعليم والوظائف العامة. حتى إنهم وبعكس اخوانهم في البلدان العربية اليوم، شكلوا ميليشياتهم خلال الحرب الاهلية وفرضوا سلطاتها على دويلاتهم كأي فريق لبناني سياسي- طائفي. هذا وبقي للكنيسة دور بارز في صياغة الحياة العامة وصون مصالح الطائفة وإعلاء صوت ممثليها، ما يجعل منهم اقلية تستفيد من تمييز إيجابي حيالها.

… إلا أنهم خائفون! وعلى ما قال ذات يوم بيار الجميّل الجدّ نفسه في سياق مشابه: «لا تسأل الخائف لم هو خائف. إنه خائف وكفى».

ولعل من السذاجة الاستخفاف بمخاوف المسيحيين ونكرانها. فمقولة ان «طريق القدس تمر بجونيه» التي استحضرتها التويني في غير سياقها الزمني والسياسي، قيلت ذات يوم. وفرض التسويات على المسيحيين بعد الحرب وانتزاع صلاحيات كثيرة منهم مع بقاء سلاح أكثرية طائفية بذريعة المقاومة، وتسلح أكثرية أخرى «للذود عن أهلها»، وسط صعود للتيارات الاسلامية في المنطقة عموماً، كلها عوامل يرتعد لها المسيحيون رعباً.

لكن ما يجهله هؤلاء أن في ذلك مسببات خوف لغير المسيحيين أيضاً من فئات مدنية وغير طائفية ومجموعات ترفض السلاح من خارج الدولة، أو ببساطة تختلف بأنماط عيشها وخياراتها وتطلعاتها. وتلك فئة ترفض ان يمر طريق القدس في جونيه، كما ترفض أن يمر طريق دمشق بطرابلس.

وثمة مسافة بين ذلك الخوف المحق جزئياً وتحويله إلى عنجهية وعنصرية موجهة ضد شعوب برمّتها، وإلى فئة لاجئة منها على وجه الخصوص، الأمر الذي لا يؤشر إلا الى انعدام الحد الأدنى من الاخلاق العامة، وجهل سياسي سيدفع المسيحيون ثمنه، ناهيك عن اغتراب تام عن التعاليم الدينية نفسها!

ففي استعارة التويني اليوم شعاراً أطلق قبل أن تولد، ودعوة باسيل الى طرد اللاجئين السوريين، وقائده أول المستفيدين من حق اللجوء الى فرنسا، خلاصة العنصرية وزبدتها التي لم تضعف ولم تبهت لدى توافد آلاف اللاجئين العراقيين المسيحيين قبل بضعة أعوام ظناً منهم أنهم سيجدون في لبنان ملاذاً «طائفياً» آمناً. للأسف، استيقظت حيالهم حينذاك عنصرية من نوع آخر.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى