صفحات المستقبل

خيارات الشعب السوري في ظل المتغيرات الدولية


تقترب ثورتنا السورية المباركة من انهاء شهرها التاسع و يقترب عداد الشهداء الرسمي من الوصول الى 5000 منهم 314 طفل وبما ان أبواق النظام لا تزال تنعق وتتكلم عن المؤامرة اضع بين ايديكم هذا التحليل الشخصي الذي اتمنى ان يكون موضوعياً علي انير بعض النقاط المظلمة في بحر الظلام الذي نعيش فيه

اولا من ما لا شك فيه ان القوة الفاعلة و المحركة في الثورة هي الشعب السوري و استدل بعدة نقاط على هذا الموضوع فالنقطة الاولى هي قانون اساسي في الفيزياء وهو يقول كل فعل له رد فعل يساويه بالشدة ويعاكسه بالاتجاه وبما أن رد فعل النظام الشديدة و الوحشية موجهة حصرا الى الداخل فيما لا يزال يلعب مع الخارج لعبة الدبلوماسية فتارة يشجب و تارة يفاوض و يرضخ بالتدقيق بهذه الصورة تبدو الامور واضحة فلو كانت القوى المحركة للثورة خارجية لكان من الغباء بمكان تجاهل العامل الخارجي و قمع الداخلي الذي هو كما يدعي النظام عبارة عن اذناب للخارج يمكن ان يغيرها الخارج بسهولة !

الدليل الأخر هو التسارع الكبير للاحداث في الداخل و التبدل من الرضوخ المطلق بل والاستهزاء من 300 شخص خرجوا يوم 15/3لنصل اليوم الى اكثر من 30 ألف منشق والى نظام يجند أي شيء فقط ليقمع المظاهرات التي باتت تخرج من بين اصابعه ولم تعد تنفعه الاشاعات التي يصدرها عن طاعة حلب و دمشق له اذ ان تحرك شباب الجامعة و المدارس في هاتين المدينتين حطم في اخر شهرين تلك الاسطورة الى غير رجعة مما اضطر بشار لصلاة العيد في الرقة خوفاً من أي حركة مفاجئة و مع ذلك لم يسلم من مظاهرة حتى في الرقة !!

يعاكس هذا التسارع بطأ وجمود على الاطار العالمي مدته اصبحت 9 اشهر و قد ينعق الناعقون عن عقوبات اقتصادية فنذكرهم ان العقوبات الاقتصادية على سوريا دخلت حيز التنفيذ الفعلي مع بداية تشرين الاول كما ينص القرار الاوربي عن العقوبات النفطية

وبما ان الشارع السوري هو الذي يفرض سرعة الاحداث و بما ان رد فعل حكومة الاسد موجه كلياً ضد الشعب ( او ما يسميه عصابات مسلحة) فمن الواضح ايضاً ان اسطورة ” ما يحصل في سوريا مؤامرة خارجية سنرد عليها بحصار المدن الداخلية” هي معادلة غير متجانسة .

هذا الكلام لا يعني ابداً انه لا يوجد مصالح خارجية تؤثر على المشهد السوري و لكي نفهم المشهد العالمي علينا اولا ان نفهم انه لا وجود لدول خيرة ودول شريرة وكل الدول تبحث عن مصالحها و من يظن على سبيل المثال ان النظام الروسي الذي دعم سفاحي صربيا او النظام الايراني الذي ساهم في احتلال العراق هي انظمة تدافع عن الحق فليعد النظر في معلوماته وليقرأ التاريخ جيداً.

وكذلك من يظن ان هناك معسكر شرقي و اخر غربي او ممانعة و مهادنة او محور امريكي واخر لا امريكي فليعد كذلك حساباته واضعاً في الحسبان المساعدات الهائلة التي يحصل عليها الناتو في افغانستان و الباكستان من كل من ايران وروسيا واكبر دليل على هذا التزاوج الغريب بين الممانعة و الامركة هي حرب العراق التي تكاد كل الدول الممانعة تتعاون فيها مع امريكا وبريطانيا و بولندا و الكيان الصهيوني ضد العراق الجريح لذلك نحصل على نتيجة غريبة وهي رئيس حكومة ايراني ( المالكي) وصل الى العراق بدبابة امريكية محبوب صهيونياً ليجتث بعث العراق و يحمي بعث سوريا!!

اذا كيف نفهم دور دول العالم في ما يحصل في البلد؟ كي نفهم علينا ان ننظر من وجهة نظر كل دولة واولوياتها فالدول العربية منقسمة بين مؤيد لبشار و معارض ولكنها جميعا تعلم ان ما حصل في سوريا ممكن ان يتكرر في الجزائر او الاردن او السعودية او ينتصر في البحرين والدول العربية كلها بلا استثناء باتت مرشحة ! لذلك تفضل الدول العربية حلاً تصالحيا بين بشار و شعبه لتغلق الملف بأقل الاضرار الممكنة و بسرعة خشية من العدوى ولكن مشكلة الدول العربية هي انها لا تملك أي قرار فأي متتبع للامور يعرف ان الغرب و تحديداً الولايات المتحدة هي من يحرك جامعة الدول العربية كما فعلت زمن مؤتمر انابوليس ( الذي حضره النظام السوري الممانع كجزء لا يتجزء من قطيع الاغنام العربية)

و للنظام الامريكي حكاية اخرى فكلينتون وتحديدا بعد وعود بثينة شعبان و رامي مخلوف لنيويورك تايمز ( جريدة اللوبي الصهيوني في امريكا لصاحبها روبرت مردوك) صرحت بعدها كلينتون ان الاسد اصلاحي!!!! ودعته الى الاسراع في الاصلاح ثم دعته بعد شهر من هذا التاريخ الى الاصلاح الحقيقي و كانت فعلا تأمل في الاصلاح ليس حباً في الشعب السوري و لكن صدق من قال سوريا ليست مصر ولا تونس ولا ليبيا و لا العراق فلسوريا حدود طويلة مع الكيان الصهيوني واي اضطراب على الحدود لمدة 3 اشهر قد يؤدي الى مرور نصف مليون فلسطيني لاجئ هذا اذا لم نتحدث عن السوريين النازحين و السوريين الاخرين الذين كانوا ينتظرون فرصة أي اضطراب على الحدود للعودة الى فلسطين و تحريرها

و استشهد هنا بأحداث يوم النكبة و يوم النكسة و الهجوم على السفارات الصهيونية في الاردن و العراق ووعي الشعب العربي ان اسطورة تفوق الجيش الصهيوني على الارادة العربية التي حاولت الحكومات الممانعة وغير الممانعة تربيتها في انفسنا انكسرت و تحطمت مع الربيع العربي الذي يعد بجدارة كابوساً على الصهاينة الذين حتى العام الماضي كانوا يبنون جداراً تحت الارض بالتعاون مع عمر سليمان و مبارك الوديعان لدفن غزة الصامدة بينما بشار الاسد يخطب ود امريكا للضغط على الكيان للتوقيع على اتفاق سلام يعيد به قسم من الاراضي المحتلة مقابل تخليه عن دعم حماس ( راجع تصريحات بشار الاسد العلنية + تقارير ويكيليكس) اليوم يستيقظ الكيان على مصر المحررة و الاردن التي تغلي و كذا الشعب السوري ! اما الفلسطينيون فقد اضحوا اقرب من أي وقت مضى ليحققوا حلمهم برمي فلول الجيش الصهيوني في البحر و هنا اعود لامريكا التي كان في يدها الحل و الربط مع الدول العربية و سبق و أمنت حياة رغيدة للكيان الصهيوني.

ما يحصل في الدول العربية ان الشعوب ايقنت ان القيد الذي يجرها الى التخلف و التذلل للغرب هم الحكام الفاسدون و السياسة الامريكية ديناميكية لذلك بعد ان ايقنت برحيل الاسد تماما كما ايقن الجميع بذلك بدأت تحاول البحث عن بديل يؤمن الحدود للكيان الصهيوني وهي ليست مستعجلة فالشعب السوري الذي يموت لا يهمها على الاطلاق!!! والاسد لا زال يحمي حدود الكيان على امل ان تغير امريكا رايها و ترضى عنه وهو ما يفسر التدخل السافر للسفير الامريكي الذي كان يشاهد المشهد عن قرب ليحاول الوصول الى حليف جديد في سوريا ومع ذلك لم تطرده سوريا او حتى تستدعي السفير السوري للتشاور حتى! لأنها اضعف من ذلك بكثير!

فرنسا و تركيا تطمعان لدور استراتيجي في الدول العربية بعد ان فهمتا ان الربيع العربي غير قابل للصد وهو ما يفسر التغير في موقف فرنسا التي دعمت بن علي بالأسلحة ضد المتظاهرين السلميين ثم ما لبست ان اقالت وزيرة الخارجية لتقول للعرب ” انا فهمتكم ” و كذلك تركيا فهمت العرب متأخرة بموقفها المتأخر من ليبيا لذلك تخشى هاتان الدولتان من تكرار الخطأ في سوريا وتبدوان الان متورطتان بتصريحات قوية و لكنهما لا تزالان تنتظران الموافقة الامريكية التي تؤدي الى غطاء عربي لعملية يستأصل فيها الاسد.

ولكن تركيا لديها مشاكل في الجنوب و مشاكل مع ايران التي لن تتورط مع النظام السوري بشكل كامل ولكنها قد تدعمه دعماً كبيراً و كذلك ستساعد الحركات الكردية التي تعاني منها تركيا الامريين اما ايران نفسها التي كانت تحتفل لانتصاراتها في العراق و لبنان و مصر باتت الان امام كابوس حقيقي فسوريا هي من اهم العناصر في المشروع الايراني الكبير الذي يشمل مناطق نفوذ واسعة لذلك هي ستذهب طويلا مع النظام السوري طالما انها ترى ان هناك بصيص من الامل للحفاظ عليه و ستسحب معها كل من العراق ولبنان طبعاً في هذه المعادلة ولكنهم جميعاً لن ينتحروا سياسياً من أجل النظام الذي يبدو و كانه سقط!

اذا ما سر تمسك ايران بالنظام و ما هو الامل المتبقي؟ قبل ان امر على هذا الموضوع اعرج على الصين التي تملك مصالح في سوريا و سوق متميز و الاهم هو انها في كل عام باتت تقمع بوادر ثورات لذلك نسمع بوضوح ان النظام الصيني ضد أي شكل من اشكال التدخل الخارجي لأي شأن داخلي في أي دولة ( و المعنى انهم يخشون تكرار التجربة عندما تصل الثورات الى الصين).

اعود الى العامل الحاسم حالياً و الذي يتحكم بقرار الولايات المتحدة ومجلس الامن و جامعة الدول العربية الا وهو الدور الروسي فالدور الروسي المتغير المتبدل هو المفتاح لكل ما يحصل فروسيا صاحبة مصالح لا تخفى على احد فالنظام السوري اكبر شريك اقتصادي لها في المنطقة و كذلك ميناء طرطوس الذي يعتبر اهم ورقة روسية عسكرية خارج اراضي الاتحاد السوفيتي السابق و طبعا كما الصين ترفض روسيا أي تدخل خارجي في امورها لخوفها من احتجاجات في اقليم القوقاز تعودت روسيا ان تواجهها بالحديد و النار.

اذا لن تتخلى روسيا عن الاسد؟؟؟ ليس تماماً فالاسد اليوم اصبح منتهي سياسياً و روسيا التي تعهدت بحماية ميلوشوفيتش و صدام و القذافي باعتهم بأباخس الاثمان!! ما الذي يجعل الاسد استثناء؟؟ عاملين : الاول ان سوريا ببساطة اهم من كل ما ذكر بالنسبة لروسيا و تعتبر خسارة فادحة جداً و الثاني هو ان امريكا تفاوض بضعف هذه المرة وليس بنفس القوة التي تفاوض فيها عادة و السبب هو ان امريكا تريد عملية عسكرية سريعة جداً في سوريا تجنبا لأي فوضى او خطوات لا يحمد عقباها تجر الكيان الصهيوني الى حرب لا يريدها الان.

لذلك تفاوض روسيا ببطء شديد لان امريكا لن تسمح لتركيا او لغيرها باي عملية عسكرية على حدود الكيان مالم تكن محسومة سلفاً لذلك كلما طالت المفاوضات تخرج روسيا بسعر اكبر يعوض عليها خساراتها في سوريا و ليبيا, وورقة الضغط هي دعم الجيش الاسدي حيث يبدو من شبه المستحيل على روسيا دخول الحرب مع الاسد ولكنها ممكن ان تمده بالسلاح والدعم اللوجستي و الاستخباراتي في حرب قد يقبلها الاسد كخياره الوحيد وفي هذا السيناريو للاسف يتصارع السوريون من اجل المصالح الاجنبية فنرى الجيش الحر وقد طلب المساعدة من كل من تركيا و فرنسا تحت رعاية عربية ( بطلب من امريكا طبعاً ) و من الطرف الاخر جيش الاسد برعاية و دعم و تسليح من كل من ايران و روسيا التي ستحاول بث الرعب في قلوب الامريكين للحصول على اعلى سعر في اعادة لما فعلته في البلقان بينما يبقى الهم الامريكي الحفاظ على الاستقرار السوري لمصلحة الامن الصهيوني.

وقد ينسف الامريكيون ذلك فجأة اذا يأسوا من تغير الموقف الروسي ( اولويات الكيان الصهيوني: افضل حل الابقاء على الاسد و بقاء الاستقرار وهذا اصبح في حكم شبه المستحيل في حال فشل هذا الحل. الحل الاخر هو ايجاد بديل للاسد يضمن الاستقرار للكيان اما الحل الثالث في حال تأكد الكيان الصهيوني من ان سوريا ستتحرر و تصبح دولة قوية خطيرة على امنه فسيلعب ورقة الحرب الاهلية و الطائفية لحرق البلد كأسوء الاحتمالات) عندها سيلعب الجميع ورقة الطائفية المربحة للجميع ( ماعدى الشعب السوري الضحية) بما فيهم الاسد للبقاء فترة اطول في السلطة.

ايران و بشار ينتظرون الموقف الروسي وقد قالها بشار صراحة لاحد الصحفيين الروس وروسيا تعلم تماماً أنها أمام فرصة العمر ولن تتعجل فيها و ما نراه من تلكأ بين الجامعة العربية وبشار هو انعكاس للمفاوضات بين الكبار على مصير الشعب السوري لان امريكا تعتقد انه في حال فرض منطقة عازلة تحت أي اسم دون تدخل الروس لن يغامر الإيرانيون كثيراً و بالتالي سيبقى بشار وحيداً محاطاً بكم هائل من الانشقاقات التي قد تكرر سيناريو طرابلس التي تخلصت من القذاقي في 48 ساعة فقط ولكن الدعم الروسي سيحول دون ذلك ويبقى بشار نفسه على اهبة الاستعداد مع عائلته فهو شاب و يعلم تماماً انه في حال تأكد تخلي روسيا عنه عسكرياً فسوف يضطر للجوء اليها سياسياً.

ما الحل امام الشعب السوري:من يقرأ التاريخ يفهم ان المصالح فقط هي من تحرك الدول والامثلة كثيرة على دول تحرك المجتمع الدولي متأخراً جداً كما في يوغوسلافيا و دول أخرى لم يتحرك لها المجتمع الدولي ابداً واقرب مثال هو بلدنا الحبيب الذي نزف كثيراً في الثمانينات دون مجيب.

لقد بدأنا هذه الثورة اعتماداً على انفسنا و بتنا قريبين جداً من النصر الذي ان حققناه قبل وصول أي تدخل من أي طرف نكون قد جنبنا البلد اتفاقيات سندفع ثمنها غاليا ًمن خيرات البلاد ولكن وفي نفس الوقت لا بد من الواقعية في الطرح اذ لا شيء اغلى من الدم السوري الذي ينزف بينما الدول تتفاوض!! لذلك علينا ان نسرع في خطواتنا نحو العصيان المدني الذي هو الخيار السلمي الاساسي الذي سيضمن الحفاظ على وحدة البلاد ويحمي البلد من مزيد من حمامات الدم اليومية وكذلك دعم الجيش الحر كحامي للثورة السلمية في وجه شبيحة النظام ولحماية المنشقيين عن طغيان النظام لتسريع انهيار عصابة الاسد حتى الوصول الى الحرية ولتجنيب البلد سيناريو المواجهة بين ابناء البلد الذي يدفع النظام باتجاهه بعد ان احترقت كل اوراقه.

عبد الرحمن السوري

http://the-syrian.com/archives/56264

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى